يذهب الرجال... ويبقى الوطن

 

 

عز الدين البغدادي

 

 

في لقاء مع احمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، ذكر بأنه حضر مؤتمرا في طرابلس برعاية العقيد معمر القذافي سنة 1986 لحركات التحرر العربية والعالمية، وكان له لقاء مع عدد من الإعلاميين وأثناء اللقاء قال بأنه سيغادر ليبيا اليوم راجعا إلى مقر إقامته في دمشق، ثم تنبه إلى خطأ ارتكبه فهؤلاء الصحفيون كثير منهم عملاء للموساد أو مخابرات أخرى تتعامل مع الموساد بشكل ما. ولهذا قرر تأجيل سفره، وفعلا صدق حدسه فقد اعترضت طائرتان إسرائيليتان طائرة مدنية ليبية متوجهة إلى دمشق وهي فوق البحر المتوسط وأنزلتها في مطار في قاعدة إسرائيلية وذلك بهدف القبض على جورج حبش واحمد جبريل، لكنها لم تجدهما بل كانت الطائرة تحمل على متنها عبدالله الاحمر الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي- الجناح السوري وقيادات بعثية.

 

احمد جبريل شخصية فلسطينية هامة، واحد أهم قيادات المقاومة الفلسطينية ولد في يافا سنة 1938 إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، ولجأ مع أسرته إلى سورية بعد حرب عام 1948. اجتاز تعليمه الثانوي في دمشق عام 1956، وتخرّج من الكلية الحربية في القاهرة عام 1959. عُيِّن ملازمًا ثمَّ ضابطًا في الجيش السوري في سلاح الهندسة حتى تسريحه منه عام 1963.

 

متزوج وله أربعة أولاد وأربع بنات، ويلقب بـ "أبو جهاد"، وقد اغتيل ابنه جهاد جبريل عام 2002 في لبنان في انفجار اتهمت إسرائيل بتدبيره. أسس عام 1959 جبهة التحرير الفلسطينية تيمناً بـ"جبهة التحرير الجزائرية" التي تأثر بها، قبل أن يندمج مع عدة تيارات قومية ويسارية ويؤسسوا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عام 1967 التي تولى قيادتها جورج حبش فيما تولى جبريل قيادة جناحها العسكري. غير أنّه انفصل عن جبهة جورج حبش ليؤسس عام 1968 فصيله الخاص "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة" التي تولى أمانتها العامة حتى وفاته.

 

سياسي يملك رؤية فكرية وسياسية عميقة، وعسكري متميز، نفذت الجبهة الشعبية- القيادة العامة بقيادته الكثير من العمليات الفدائية النوعية ضد الكيان الصهيوني، واهمها عملية الخالصة في نيسان 1974 التي قامت بها والتي أدت إلى مقتل وجرح عشرات الإسرائيليين بعد أن اقتحم ثلاثة فدائيين (عراقي وسوري وفلسطيني)مستوطنة "كريات شمونة" شمالي فلسطين.

 

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1987، قام اثنان من مقاتليها بالهبوط قرب "كريات شمونة" بعد أن عبرا الحدود بطائرة شراعية خفيفة وقاما بقتل ستة عسكريين إسرائيليين قبل أن يستشهدا.

 

كما نفّذت الجبهة عدداً كبيراً من العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال احتلالها جنوب لبنان ما بين عامي 1978-2000.

 

برعت الجبهة أيضاً في اختطاف الجنود الإسرائيليين ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، فقد قامت جماعته بصفقتين لتبادل الأسرى مع إسرائيل بعد عمليات أسر لجنود من جيش الاحتلال، وهما عملية النورس عام 1979، حيث أطلق بموجبها سراح 76 أسيرًا فلسطينيًا مقابل إطلاق سراح جندي أسرته الجبهة، وعملية الجليل عام 1985، والتي أطلق بموجبها 1150 أسيرًا فدائيًا (فلسطينيًا وعربيًا وأجنبيًا) من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والمقاتل الياباني كوزو أوكاموتو، مقابل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.

 

عارض جبريل التسوية السياسية مع إسرائيل وكان من مناهضي اتفاقية أوسلو.... الرجل علماني يحمل رؤية قومية متصالحة مع الدين والتراث لكنه تحالف مع الإسلاميين تحالف نضال، دون ان ينزع جلده أو يتنازل عن رؤيته الخاصة وثوابته، لم يشارك في طعن سوريا كما فعلت بعض الحركات الفلسطينية لا سيما ذات الصبغة الإسلامية، وكان لجماعته دور هام في التصدي للجماعات الإرهابية في معسكر اليرموك في دمشق. توفي احمد جبريل أمس في دمشق في احدى مستشفياتها بعد تدهور مستمر في حالته الصحية منذ 3 شهور.

 

بالنسبة لي أحمد جبريل أحمد أهم الشخصيات التي أثارت إعجابي وتقديري، لما يملكه من رؤية ثاقبة واتزان نفسي وفكري