آخر الأخبار

الزهد… بين الخطاب والواقع

 



 

عز الدين البغدادي

 

سأرجع مضطرا للحديث عن المسالة التي أثيرت منذ يومين عن المعمم الذي اشترى كمية كبيرة من الذهب، فالكثير من الإخوة كتبوا لإثبات ان هذا الشخص لا يعرفه احد وانه ليس حوزويا وانه شخص مجهول وما الى ذلك، ووجدت تعليقات لأشخاص يقولون لم نعرف هذا الشخص ولم نلتق به في مسجد أو مجلس وكأن هناك من يعرف ويحفظ كل وجوه طلبة الحوزة او المعممين لا سيما بعد ان اتسع الأمر وصارت المدارس الدينية في كل مكان وكثرت المرجعيات الحقيقية والزائفة.

 

قضية الترف في المؤسسات الدينية أمر معروف، وهو موجود في كل المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية والهندوسية، والذي يعيش في الحوزة وينكرها فهو جاهل أو كاذب، والقصص على ذلك لا تعد ولا تحصى.

 

ليس المهم التحقيق في شخصية الرجل، فيكفي انه معمم استغل العمة لأغراض دنيوية من جهة، وانه من جهة أخرى قدم صورة سيئة يفترض ان تدفعنا لنراجع الضوابط التي بموجبها يستحق الشخص ان يلبس العمة.

 

المشكلة ليست هنا، بل ان المشكلة تكمن في الخطاب الديني لا سيما ما يتعلق بالزهد: هل الزهد فعلا يمثل قيمة دينية مطلوبة بنفسها أم هي نزعة فردية؟ أو انه يمثل حالة ترتبط بالوضع الاجتماعي كما هو واضح من كلام أمير المؤمنين علي (ع) الذي يبرر زهده بقوله: ولعل باليمامة أو الحجاز من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص.

 

أو ما قاله الإمام الصادق (ع) عندما سأله احدهم عن لبسه جبة ثمينة وهو ابن علي فأجابه: كان علي في زمن فقر وبؤس فإذا اتسع الزمان فأبرار الناس أولى به؟

 

لماذا نضع أنفسنا في إشكالات الوعظ المبالغ فيه ثم نجد أنفسنا غير قادرين على تطبيق شيء منه؟ بل لماذا ندعو الناس الى الزهد أساسا؟ ولماذا نصر على هذا التعارض الأزلي بين الدنيا والآخرة؟ يمكنك كانسان ان تتمتع بحياتك لكن بضوابط تتعلق بأمور هي:

 

1- مساعدتك للآخرين بجزء مما تملك

 

2- المحافظة على الموارد وعدم الإسراف في هدرها

 

 3- المحافظة على صحتك وعلى قابلية جسدك للاستهلاك

 

 4- والابتعاد عن الكسب الحرام الذي هو عدم التجاوز على حقوق وأموال الناس.

 

هذا هو المطلوب، عش حياتك هكذا ولا تحدث الناس عن الزهد، ولا تسمع من يحدثك عن الزهد، تمتمع بحياتك لكن لاحظ هذه الأمور، فالله لم يعطك هذه الملذات ليحرمك منها، ومن قديم قال بعض الصالحين: ليس الزهد في ان لا تملك شيئا بل ان لا يملكك شيء.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات