علي الأصولي
لا يمكن تهيئة أرضية لأي ثورة إلا بوجود مقدماتها ، ولا مقدمة
كالفقر وسوء'توزيع المورد وبالتالي الظلم المفضي للرفض ومن ثم الثورة ، وهذه هي
سنة الثورات قديما وحديثا ،
ومن أشهر الثورات التاريخية في العصر العباسي هي ثورة الزنج ، فقد
قامت هذه الثورة في منتصف القرن الثالث الهجري على الخلافة العباسية آنذاك ،
وتحديدا في جنوب البصرة ومحيطها ،
وقد امتد التمرد قريب (١٤) سنة من (٨٦٩ - ٨٨٣م) ، قبل أن تنجح
الدولة العباسية في هزيمتها ،
عرف عن الزنوج عملهم في زراعة الأراضي المنتشرة على أطراف نهري
دجلة والفرات ، فكانوا يعملون عند كبار الإقطاعيين من أثرياء العراق وقادته من
رجال الدولة ،
فقد كان عملهم فيه مشقة بدرجة لا تطاق إذ وصف على أنه عبارة عن
تجفيف المستنقعات وإزالة الطبقية الملحية من السباخ التي تغطي الأراضي في الجنوب
العراقي ، بغية إظهار التربة الخصبة الصالحة للزراعة ، وكان في سباخ البصرة عشرات
الألوف من هؤلاء الزنوج يعذبون بهذه الخدمة ، حيث كانوا معرضين لرقابة صارمة
وإهانات مستمرة ويعيشون حياة بائسة ويعملون في مجموعات كبيرة ، حيث كل مجموعة تعمل
في منطقة معينه من الأرض تبعا لأحد قطاعها ،
وفي مثل هذه الظروف القاسية كانت خسائر الزنج جسيمة بحصد الأرواح
نتيجة التعب المفرط والأمراض المستعصية ،
فقد كانوا لا يعاملون كما يتعامل العبيد في أدبيات الحقوق
الإسلامية بل يتعامل معهم كحيوانات أقرب منهم كبشر ، مما زاد سعير الكره والحقد
والضغينة لكل الإقطاعيين وكل من يمدهم ويشرعن لهم قانونيا من جانب السلطة ،
بالتالي أصبح هؤلاء وقود جاهز لأي داع من دعاة الثورة ، فقط تبحث عن قائد له إمكانية
بتنظيمهم وتوجيههم ويرفع شعارات تمنيهم من خلاصهم وما هم فيه ،
ومن هنا ظهر أحدهم ويسمى - علي محمد - نسب نفسه للبيت العلوي تارة
ولبني عبد قيس تارة أخرى ، على أن أرباب السير والتواريخ اتفقوا على أنه - فارسي -
الأصل من أهالي الري وكان جسورا وطموحا وشجاعا وصاحب دراية في فنون السياسة والحرب
معا ،
فقد بدأ بدعوته في البحرين بعد سفره من سامراء وعرف نفسه على أنه
من آل علي(ع) وأقام في مدينة هجر ودعي الناس إلى طاعته فاتبعه جماعة كبيرة من أهل
هجر ، ثم توجه إلى الإحساء ثم إلى البادية واستغل سذاجة أهلها بإدعائه ثم زحف الى
البصرة لينشر دعوته بين الفئات الفقيرة من المستضعفين والمستعبدين ، ومن ثم توجه
بثقل دعوته إلى الزنوج وخطب خطبة عيد الفطر فيهم ، وذكر فيها انه يريد ان يرفع
أقدارهم ويملكهم الأموال والمنازل ثم حلف لهم على ذلك ، وبعد أن ضمن وجود الأنصار الأقوياء
من الزنوج والعربان وأصحاب الحرف وغيرهم ممن تجمعهم مظلومية الفقر وغياب العدالة ،
أعلن الثورة في عام ( ٨٦٩م ) ، وقاد جموع العبيد من الزنوج ومن تبعه من الفقراء
والمعدمين ، واستطاع في أول خطواته الاستيلاء على مدينة البصرة ،
وبعد سيطرته على البصرة أحدث فيها مجازر مروعة على ما نقل التاريخ
، حيث السلب والنهب والقتل والحرق والاغتصاب ، مستغلا ضعف السلطة العباسية وإنهاكها
في صراعاتها الداخلية المتعددة ، وتسلط الأتراك على مراكز القرار
وبعد سنوات عشر سيطر رجال الثورة، على رقعة جغرافية كبيرة تمتد بين
الأهواز وواسط ، وسيطر على البصرة وعبادان وخوزستان وباتت بغداد مهددة بعد ان أنزل
الهزائم المنكرة على عدة جيوش عباسية خلال عقد ويزيد من الزمن .وأسس حكومة كان
مقرها مدينة المختارة جنوب البصرة .
حتى جاء عام ( ٨٨٠م ) حيث قاد القتال ضد هذه الثورة الأمير العباسي
- الموفق طلحة - شقيق الخليفة المكتفي بالله ، حيث حشد كل مالديه من إمكانيات
سياسية واقتصادية وعسكرية ليكفل له النجاح ، فحاصر ثورة الزنج اقتصاديا ليضعف
قدراتهم ، فاحرق غلالهم ومؤنهم وقطع التموين عنهم الذي كان يقدمه بعض الأعراب
الداعمين لهم ، فعضهم الجوع وخارت قواهم ثم استسلمت أعداد كبيرة منهم ، ثم استطاع
الموفق هزيمتهم عسكريا في الاهواز وأجلاهم عنها ، وكان النصر النهائي في آخر معارك
الجانبين عام ( ٨٨٣م ) ، وفيها قتل زعيم الثورة صاحب الزنج واستسلم آخر من بقي من
أتباعه ، وهكذا أسدل الستار على ثورة الزنج وقائدها - علي محمد - انتهى:
نعم: أن الظلم ، الظلم الفاحش وعدم التوزيع العادل بالعطايا
واقتصارها على فئات معينة ، والاستهتار والاستهزاء ومعاملة الناس على أنهم عبيد -
أقنان - من أقرب أسباب الثورات وبالتالي حرق الأخضر واليابس كما شهد بذلك التاريخ
القديم والمعاصر والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات