آخر الأخبار

الروايات والحقائق العلمية ..

 





 علي الأصولي

الأصل في الروايات هو تعليم الناس وهدايتهم فقها وأصولا - عقائد - وان وجدت روايات تتحدث عن شأن تاريخي فهو متعلق بالهداية ، وإن وجدت روايات خارج عن هذا الأصل فهي عبارة عن أسئلة وجهت من الناس للنبي(ص) او الإمام(ع) ولا مناص وإجابتهم بحسب حدود فهم السائل أو المتلقي ،

 

فقد سئل النبي(ص) عن الروح وبما أن معرفة الجواب من نافلة القول لعدم تعلقه بأصل الهداية كان الجواب(من أمر ربي) إذ علق معرفة الروح كونها من عالم الأمر وبالتالي هذا العالم لا يمكن الوقوف عليه لعلة العلم (وما اوتيتم من العلم إلا قليلا) .

 

من الأسئلة هو السؤال عن قرار الأرض فقد روى محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال : أتى علي بن أبي طالب (ع) يهودي فقال : يا أمير المؤمنين إني أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بها أسلمت .

 

قال : علي (ع): سلني يا يهودي عما بدالك ، فإنك لا تصيب أحدا أعلم منا أهل البيت .

 

فقال له اليهودي : أخبرني عن قرار هذه الأرض على ماهو ؟...

 

فقال (ع): أما قرار هذه الأرض لا يكون إلا على عاتق ملك ، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل، واليم على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلا الله عزوجل ، انتهى: إلا أن مشكلة هذه الرواية مرفوعة كما هو واضح ، بالتالي أن أفادت الرواية أعلاه على كون قرار الأرض على عاتق ملك فرواية الإمام الصادق(ع) قريب منها في الجملة ونصها: عن أَبِي عبد اللَّه (ع) قَالَ : سَأَلْتُهُ

 

عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَي شَيء

 

قَالَ : هِيَ على حوت

 

قُلْت: فَالْحوت عَلَى أَي شَيء هو

 

قَال: علَى الْمَاء

 

قلت: فَالْماء عَلَى أَي شَيء هو

 

قَال: عَلَى صَخْرَة

 

قُلْت: فَعلى أَيّ شَيء الصَّخْرَة

 

قَالَ: عَلَى قَرْن ثَوْر أَمْلَس .. انتهى.

 

 وهذه الرواية صحيحة السند بخلاف الرواية الأولى ، المهم على أن هذه المضامين لم ترو فقط من طرق الإمامية بل لأهل السنة روايات قريبة وهذه المعاني وما يهمنا هو ما جاء في طرقنا، بالتالي مع الاعتراف بصحة سند الرواية الثانية فهي لا تعني وتلازم صدورها فعلا عن المعصوم فغاية البحث الحجتي السندي هو ما يلحظ بثبوت الحجية الأصولية لا الحجية المنطقية والحجية الأصولية دائرتها - تنجيزا وتعذيرا - وهذا معنى مهم لا ينبغي إهماله أو تجاهله بحال من الأحوال ، وبالتالي ليس كل ما صح سنده صدر من معصوم وليس كل ما ضعف سنده فعز لم يصدر من معصوم بالتالي لا تلازم ، وعليه دارت أبحاث الفقه والفتوى على ذلك ، بخلاف أبحاث الكلام والعقيدة ، إذ مع وجود تعارض حديثي مع موضوع علمي قطعي أو بديهي يطرح الحديث بلا كاف لام وات صح سند وكان إعلائي على ما يعبرون ،

 

وما نحن فيه من حديث الأرض على قرني الثور - بعد معرفة كونها ليست من روايات الفقه ولا حتى العقائد هل هذا الحديث يتعارض ويتقاطع مع العلم الحديث تعارضا قطعيا لا بدويا أم لا؟

 

هذه الإجابة متروكة للثقاة من أهل الاختصاص، فإن ثبت التعارض فلا مناص ورفع اليد عن الرواية وإن لم يثبت فالمتعين هو الأخذ بها مع تأويل ظاهرها،

 

وبالجملة : موقف علماء الإمامية من هذه المرويات انقسم على قسمين حسب التتبع :

 

الأول: الرفض التام ، كونها مخالفة للقواعد العقلية وابرز الرافضين الشيخ المفيد والمرتضى على ما نص الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء حيث أفاد - إن أساطين علمائنا كالشيخ المفيد والسيد المرتضى ومن عاصرهم أو تأخر عنهم كانوا إذا مرّوا بهذه الأخبار وأمثالها مما تخالف الوجدان وتصادم بديهة العقول، ولا يدعمها حجّة ولا برهان، بل هي فوق ذلك أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة الواقعة، نعم إذا مر على أحدهم أحد هذه الأحاديث وذكرت لديهم قالوا هذا خبر واحد لا يفيدنا علما ولا عملا، ولا يعملون إلا بالخبر الصحيح الذي لا يصادم عقلا ولا نقلا ، انتهى .

 

الثاني: الإيمان بها وهؤلاء المؤمنين منهم من رد علم هذه الروايات إلى أهلها كالفيض الكاشاني ومنهم من اجتهد بتأويلها كهبة الدين الشهرستاني ومن المعاصرين المفكر عالم سبيل النيلي ،

 

وهنا أترككم وما سطره السيد هبة الدين في كتابه - الهيئة والإسلام - إذ قال: ولقد فتح الله علي في تفسير هذا الحديث فاهتديت إلى الحل التالي و هو ان في هذا الحديث - على عادة العرب - حذفاً و تقديراً ، فيکون الحديث هکذا : الأرض على ـ شکل ـ حوت ، و المراد من الحوت السمك أي ان شکل الأرض بيضوي لا مدور کالکرة ، فهنا المحذوف المقدر هو لفظة شکل، و هکذا قول الإمام " على قرن ثور " أي على شکل قرن ثور، فان قرني الثور و کما جاء في الدر المنثور للسيوطي : الأرض بين قرني ثور ، أي کما ان قرني الثور على خلاف قرون غيره من الأنعام مقوسان بحيث يشکلان معا شکلا بيضويا کذلك تکون الأرض ، فان الأرض ليست مدورة بل على هيئة قرني الثور، بمعنى ان مشرقها و مغربها متباعدان ، کما ان قرني الثور متباعدان عند الوسط ، متقاربان في طرفيهما الأعلى و الأسفل ، اي عند القطبين الشمالي و الجنوبي ، کالهلالين الذين صورناهما لك .

 

هذا خلاصة ما کتبه في تفسير و تقريب هذا الحديث و هو يتفق مع ما قال به العلم الحديث من ان الأرض ليست کروية بل بيضوية ، انتهى: والحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن ..

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات