عز الدين البغدادي
مما تميزت به المرحلة نعيشها انتشار ظاهرة السخرية واللا مبالاة والتحشيش
وصعود وتحول أشخاص لا يملكون أي مزية أو قيمة عن طريق وسائل الإعلام وبرامج
التواصل الاجتماعي، وتحول كسب المال الى هدف بغض النظر عن الوسيلة، وتحول الشرف
والوطنية والشعور بالمسؤولية الى نكت قديمة لا قيمة لها.
سيطرة قوى فاسدة على الأمور في كثير من مفاصل بلداننا ومجتمعاتنا، مع صعود
المال والقوة وقيام الإعلام المنفلت وغير الواعي وغير المسؤول بتجميل كثير من
الشخصيات التافهة سواء كانت شخصيات سياسية أو فنية أو عشائرية أو حتى دينية، ساهم
بشكل كبير في الترويج للتفاهة.
أحزاب وجهات ووسائل إعلامها التي كانت "تستحرم" من بث أغنية صارت
تبث برامج تجعل الإنسان يشعر بالرغبة في التقيؤ من هول تفاهتها. فبعد أن مارسوا
لزمن كبير أسلوب التجهيل ونشر الخرافة ومنع الإنسان من التفكير المنطقي حتى انكشف
الدجل وبان الكذب عندها انتقلوا من مرحلة الجهل الى مرحل التفاهة. وليس هذا غريبا
من إعلام لا سوى يملك كاميرات ولاقطات صوت ووجوه جميلة ولو كان جمالها صناعيا لكنه
لا يملك رؤية أو هدفا أو فلسفة حقيقية، وسائل إعلام مملة بل ومقرفة، حدثني صديق
عنده محل حلاقة قديم في النجف انه صار يطرد كوادر إعلامية تأتي الى محله باعتبار
احد أقدم حلاقي المدينة القديمة وذلك بسبب كثرة الفضائيات التي تأتيه والتي تشغله
عن باب رزقه.
عموما التفاهة لها أسبابها ومبرراتها، بل وفلسفتها، يقال بأنه في ظل عالم
تتحكم فيه قوى مسيطرة وعنيفة لم يعد للإنسان خيار سوى السخرية مما يحيط به، هكذا
يقال إلا أن الأمر ليس كذلك، فهناك من يريد أن يسيطر على الوطن والإنسان، يحول
الدين والمال إلى وسيلة للسيطرة، هناك دائما أغبياء مستعدون للتبرع بأن يكونوا
ضحايا مجانيين لهم، وهناك ضحايا أكثر يرغبون بشيء من الضحك والفرفشة مهما كانت
قيمة ما يسرق منهم.
لا يمكن للإنسان ان يحيا الا في ظروف تنمي إنسانيته حيث لا يتحول الشعار
الى وسيلة لاستغفال الناس، ولا يكون الدين وسيلة بيد أشخاص محددين للسيطرة على
مجتمعات كبيرة. وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلا في مجتمع جدي يحترم العمل، ويقدس
العلم ويفكر إنسانه بشكل منطقي، ولا تتم فيه مصادرة حريته باسم الحرية، ولا دينه
باسم الدين المزيف.
0 تعليقات