د. أحمد هراد
في كثير منا مولعين بقراءة التاريخ والكتب التاريخية، وهناك إقبال
كبير على دراسة التاريخ وفروعه وفلسفته التي شهدت تطورا كبيرا في العصر الحديث،
ولكن قبل أن نقرأ كتابا يتناول موضوع ما في التاريخ أو نناقشا حدثا تاريخيا، هل
سألنا أنفسنا يوما، كيف تحولت هذه الأقاصيص القديمة والمحكيات وتجميعهن ثم تدوينهن
إلى علم بحد ذاته يدعى بعلم التاريخ ؟ هل هناك مراحل تطور فيها هذا العلم ؟ ياترى
أين نقف اليوم على ضوء التأريخ؟ وما هو الفرق بين التاريخ والتأريخ؟
معنى كلمة التاريخ والتأريخ
كلمة التاريخ يعود جذرها إلى كلمة يرح الموجودة بعض اللغات القديمة
والمنقرضة في الشرق الأوسط، كاللغة الأكادية والتي تعني القمر، وهذا الجذر اللغوي
موجود أيضا في اللغة العبرية والجعزية في القرن الأفريقي وتعني القمر الجديد،
واستخدمت هذه الكلمة للإشارة إلى تقويم القمر والشهور، ثم انتقلت هذه الكلمة إلى
اللغة العربية بالجذر اللغوي أَرَخَ.
أما من الناحية الاصطلاحية، فليس هناك معنى محدد لكلمة التاريخ
لكثرة التعريفات ولاختلاف مشارب العلماء، إلا أن التعريف المشترك بين العلماء في
أبسطه هو دراسة الماضي والأحداث التي وقعت فيه.
بينما كلمة التأريخ – بالهمزة – أو Historiography فتعني دراسة طرق كتابة التاريخ والتدوين
التي قام بها المؤرخون.
أما الكلمة المقابلة لمفردة التاريخ في اللغات الأوروبية الحديثة
وهي هستوري History، فهي كلمة مستمدة من
اللغة اليونانية القديمة – الأغريقية – إستوريا ιστορία والتي تعني البحث، وقد انتقلت إلى اللغات
الحديثة عبر اللغة اللاتينية.
مراحل كتابة التاريخ
شهدت كتابة التاريخ على المستوى العالمي تطورا كبيرا طوال القرون
الفائتة حتى وصلت إلى المستوى الذي نشهده حاليا، حيث مرة طرق كتابة التاريخ على
ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى – مرحلة التدوين
في هذه المرحلة ربما تكون الكتابات عن الماضي وأحداثه هي من أقدم
ما خطه الإنسان بيديه على الإطلاق، فالكتابات التي كانت على شكل النقوشات
المسمارية في حضارات ما بين النهرين والرسومات الهيروغليفية في وادي النيل دونت في
الغالب الأساطير أو الأحداث التي ظنت الشعوب أنها وقعت كأسطورة إريدو السومرية
وأسطورة أنوما إيليش البابلية Enuma elish وشملت هذه الكتابات الأولية أيضا سجلات لقوائم اسماء الملوك
وزمانهم ولمحات من أيام حكمهم.
هذه المرحلة من كتابة التاريخ تميزت بتدوين أحداث الماضي بدون أي
منهجية علمية و أيضا تميزت بأن خلط المؤرخون بين أفعال آلهتهم التي آمنوا بها وبين
أفعال البشر، لذا نجد أن مساحة الخرافة كبيرة وتمددت في مقابل تقلص مساحة الإنسان
من سردية التاريخ، ولعل ملاحم الإغريق كالأدويسا والإلياذة لهوميروس وأشعار هزيود
أمثلة واضحة على ذلك، استمرت هذه المرحلة وصولا إلى المؤرخ الإغريقي هيرودوت
الملقب بأبو التاريخ الذي عاش في القرن الخامس ق.م وصاحب الكتاب الشهير التواريخ Histories الذي دون فيه أحداث الحروب التي كانت بين
الفرس والأغريق، ونرى فيها ملامح الخرافة والتحامل على الأعداء بطريقة غير
موضوعية، إلا أن كتابه يعد الأول في كتابة التاريخ.
نستطيع أن نقول أن المرحلة الأولى بدأت من اختراع الإنسان للكتابة
حوالي 3400 ق.م وإن كانت بشكل فعلي في القرن الخامس ق.م واستمرت إلى مشارف العصر
الحديث
المرحلة الثانية – مرحلة التوثيق
وهذه المرحلة بدأت مع الضابط الأغريقي ثوكيديدس ، الذي كتب عن
تاريخ الحروب التي حدثت بين أثينا وسبارتا ( الحروب البلوبونيزية Peloponnesian wars ) ولكن الذي استحدثه
ثوكيديدس هو تجنبه العاطفة والانحياز في الكتابة كما فعل السابقون، وأيضا قلل
الضابط من التطرق إلى الخرافات الأغريقية في سرده للتاريخ بالإضافة إلى أنه ألزم
نفسه بمنهج علمي في البحث والتقصي في الماضي، لذلك سمي ثوكيديدس بأبو التاريخ
العلمي Father of
Scientific History.
رغم أن ثوكيديدس قد خطا التاريخ خطوة للأمام، إلا أن العلماء في
العصور الوسطى لم يقدروا مجهودات هذا المؤرخ ولم يلتفتوا لمنهجه العلمي بل استمروا
إلى حد ما في منهج المرحلة الأولى في الخلط بين المادة التاريخية والعاطفة رغم
إشادة المؤرخين الإغريق بمنهجه مثل بلوتارخ وكتسياس، منهج هذا المؤرخ لم تستعد إلا
في العصور الحديثة على يد توماس هوبس والفلاسفة والمؤرخين من بعده، لذا فهذه
المرحلة بدأت بشكل فعلي في العصور الحديثة تحديدا في عصر النهضة والتنوير.
أهم مايميز المرحلة الثانية هو أنها لم تتوقف عند حدود التدوين فقط
بل امتدت إلى توثيق المادة التاريخية والالتزام قدر الامكان بالموضوعية والعلمية.
المرحلة الثالثة – مرحلة فلسفة التاريخ
بدأت هذه المرحلة متأخرا في العصور الحديثة ومازالت مستمرة حتى
يومنا هذا، وتتميز هذه المرحلة بدراسة أحداث الماضي وتحليلها ، واستخلاص الدورس
والعبر منها وإيجاد القوانين الحاكمة لحركة التاريخ، وقد استقلت هذه الدراسة عن
التاريخ وسميت ب “فلسفة التاريخ”.
لعل أول من قام بدراسة التاريخ وأوجد القوانين لها هو العلامه ابن
خلدون، الذي أبدع في مجالات أخرى كالعمران البشري أو علم الاجتماع، ولكن لسوء الحظ
عاش ابن خلدون في زمن أفول الحضارة الاسلامية في القرن الثامن الهجري – القرن
الخامس عشر الميلادي -، ولم يكتب لمنهجه الشهرة والنجاح إلا في العصور الحديثة
حينما أعيد اكتشافه على يد العلماء الغربيين.
ترتكز فلسفة التاريخ حول عدة محاور، أو بمعنى آخر هناك بعض الأسئلة
الكبرى التي ما تطرح دائما في فلسفة التاريخ، مثل:
هل هناك قوانين حاكمة للتاريخ البشري ؟ أي هل هناك قوانين ما تفسر الظواهر التي
حدثت عبر التاريخ؟ كظاهرة نشوء الدول واضمحلالها أو ظهور حضارات وزوالها.
سؤال: ما الذي يحرك التاريخ؟
واختلف الفلاسفة في الاجابة عن هذا السؤال، فهناك توماس كارلايل Thomas Carlyle الذي رأى أن التاريخ
ما هو إلا قصص سير الأبطال، أي أن الأبطال هم الذين يخلقون الأحداث التاريخية، أما
كارل ماركس Karl
Marx
فرأى أن المادة وصراع الطبقات هي المحرك وأن الواقع هو انعكاس للبيئة الاجتماعية
والاقتصادية وأن الوعي يتشكل على ضوء ظروف الانتاج وعلاقاته ويبنى عليه الانظمة
والتشريعات والاخلاق، بينما رأى هيغل Hegel أن التاريخ هو سلسلة الأفكار والأفكار المضادة والأفكار المؤلفة –
المعروفة بجدلية هيغل Dialectic – وهو القانون المسير
لتطور التاريخ
سؤال: ما هو مسار التاريخ ؟
هناك من رأى أن التاريخ يدور في شكل دائري، أي بمعنى آخر أن
التاريخ يكرر نفسه، وهذه الفكرة كانت هي السائدة طوال القرون السابقة والمقولة هذه
مازالت متدوالة حتى يومنا هذا، بينما هناك من رأى أن التاريخ يمشي في شكل خطي وفي
اتجاه واحد ولا يكرر نفسه وهذا الرأي ظهر مع عصر التنوير.
رأى بعض المؤرخين أمثال جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico – صاحب نظرية التعاقب الدوري للتاريخ – أن
حركة التاريخ لولبية، وأعطى مثالا لذلك بأن بداية المجتمع هو الهمجية ثم ينتقل هذا
المجتمع إلى مرحلة الأديان ثم إلى مرحلة الخضوع للقوانين والحكومات ثم يضمحل هذا
المجتمع ويعود للهمجية ولكن بمستوى آخر
سؤال: ما هو اتجاه التاريخ ؟
رأى هيغل Hegel أن حركة التاريخ لها اتجاه واحد وهو نحو ادراك الانسان للحرية،
وهو رأي قريب مما قاله مونتيسكيو Montesquieu بأن البشرية تسير باتجاه الأفضل والأحسن من الناحية الحضارية.
بالإضافة إلى العديد من الأسئلة التي مازالت تطرح في أروقة فلسفة التاريخ.
نحن والتاريخ
اذا تكلمنا عن التاريخ على المستوى الأقليمي كبلدان القرن
الأفريقي، فللأسف الشديد لم تشهد المنطقة ثقافة كتابة التاريخ كما في الحضارات
الأخرى إلا في وقت متاخر جدا، تحديدا في القرن الرابع عشر الميلادي، ولعل أول كتاب
تاريخي هو كتاب كبرا ناجست ክብረ ነገሥት أو مجد الملوك
بالترجمة العربية، للكاتب اسحاق نبيرو عد، وفيه يتحدث عن تاريخ الأسطورة القديمة
لمللك سليمان وملكة سبأ وكيف تحولت مملكة أكسوم إلى الديانة المسيحية.
بعدها بقرنين أي في القرن السادس عشر الميلادي ظهر كتاب آخر باسم ” تاريخ الغالا ”
للكاتب الراهب أبا بحري Abba
Bahrey
، وهذا الكتاب لم يستوف معايير الموضوعية والنزاهة بقدر ما كان كتاب يمثل وجهة نظر
الكنيسة الإثيوبية التي كانت عدائية تجاه موجات هجرة الأورومو في تلك الفترة (
الغالا هو التسمية القديمة لقومية الأورومو ، وهي التسمية سيئة وعنصرية ولم تعد
تستخدم حاليا )
أما في الناحية الأخرى أو الكتلة الديموغرافية الأخرى من القرن
الأفريقي وهم المسلمون وسلطناتهم التي قامت على تخوم المملكة المسيحية في الشرق
والجنوب والتي سميت بإمارات الطراز الإسلامي مثل شوا وإيفات وعدل وأرابيني وشرخا
وهديا ودوارو ، فلم يتوصلوا إلى كتابة التاريخ بأنفسهم إلا في وقت متاخر تحديدا من
العصر الحديث تحديدا مع بالتزامن مع وجود المستعمر، وذلك بسبب الطبيعة القاسية
التي عاشتها تلك السلطنات في الحروب المتواصلة وعدم الاستقرار، بالإصافة إلى عدم
اهتداء شعوب تلك السلطنات إلى كتابة اللغة وإلى كتابة التاريخ إلا في وقت متأخر،
وبالتالي ساهمت هذه الظروف مجتمعة بشكل كبير في أن يكون كتّاب التاريخ لمنطقة
القرن الأفريقي في جلهم من الكتاب الأجانب.
يمكن تقسيم مراحل كتابة التاريخ في القرن الأفريقي إلى أربعة مراحل:
المرحلة الاولى – مرحلة الرحالة
تتميز هذه المرحلة بكتابات الرحالة التي وثقت رحلاتهم وأسفارهم إلى
مناطق القرن الأفريقي، وفي هذه الكتابات لم يتم ذكر الكثير من تلك النواحي سوى
النزر اليسير، وأغلب زيارات الرحالة لم تتجاوز مناطق الساحل.
وأشهر تلك الكتابات هي:
رحلة الطواف في البحر الأحمر Periplus of Erythrean Sea الذي كتب في القرن
الأول للميلاد أي قبل ألفي عام، ويقال أن الكاتب هو أريان Arrian.
كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، وكتب في 1224 ميلادية.
كتاب الجغرافيا لابن سعيد الأندلسي أو المغربي المتوفى سنة 1286
ميلادية – 685 هجرية -.
رحلة ابن بطوطه التي دونها في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار
وعجائب الأسفار في 1355 ميلادية -756 هجرية-.
المرحلة الثانية -مرحلة الحروب الدينية
وهي المرحلة التي شهدت احتدام الصراع بين الممالك المسيحية والسلطنات الاسلامية
وتدخل القوى الأجنبية في المنطقة كالبرتغاليين والأتراك، مما أدى إلى ظهور نوع آخر
من الكتابات التي تميزت بالاتجاه إلى الداخل في العمق hinterlands بدلا من الاقتصار على زيارة الحواضر والقرى
في المطلة على البحر الأحمر، وهذه المرحلة تميزت بكونها البداية الحقيقية في تدوين
الأحوال السياسية والاجتماعية في تلك البلاد وإن كانت يسيرة ولا تتميز بذلك العمق،
فمثلا في بعض كتب هذه المرحلة عرفت أسماء السلطنات الإسلامية والمسيحية و أسماء
الأقاليم في تلك البلاد، وأسماء القبائل والمجموعات البشرية، بالإضافة إلى تدوينها
للمعارك والحروب بين المسلمين والمسيحيين.
أبرز كتب هذه المرحلة :
ابن فضل الله شهاب الدين العمري في كتاب مسالك الابصار في ممالك
الامصار 1348م.
كتاب الالمام باخبار من في أرض الحبشة من ملوك الاسلام – للعلامة
المؤرخ المقريزي في عام 1412م.
كتاب صبح الأعشى – للقلقشندي، وهي موسوعة كتبت في 1436م، وضمت في
أجزاءها ممالك الحبشة الاسلامية والمسيحية.
كتاب فتوح الحبشة – لشهاب الدين احمد بن عبدالقادر المعروف باسم
عرب فقيه، وكتبه بعد 1534م كما في صدر المخطوطة -بعد 940 هـ-.
كتاب Prisonners
of Prester John أو سجناء الراهب جون، وهو كتاب يروي قصة الحملة البرتغالية في
البحث عن الحبشة بين عامي 1520م – 1526م وهو من أوائل الكتب الأوروبية عن القرن
الأفريقي.
كتاب الحملة البرتغالية للحبشة في 1541م – 1543م.
تمتد هذه المرحلة تقريبا من القرن الرابع عشر وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، أي
مع وصول طلائع الاستعمار الأوروبي.
المرحلة الثالثة – الاستكشاف والاستعمار
يجوز تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين:
الفترة الأولى – الاستكشافية : وكانت في النصف الأول للقرن التاسع
عشر حين وصل المستكشفون أو المستشرقون للقرن الأفريقي وبدأوا بالتدوين الشامل
للظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لشعوب المنطقة، نسطتيع أن نقول أن هولاء
المؤرخين كانوا طلائع استكشافية للاستعمار.
أبرز مؤرخي في هذه الفترة:
ريتشارد بورتون Richard Burton صاحب كتاب الخطوات الأولى في شرق أفريقيا
تشارلز كروتيندن Charles Cruttenden وهو ملازم بريطاني زار المناطق الصومالية وكتب بعض التقارير في
عام 1848م
تشارلز جونستون Charles Johnston صاحب كتاب أسفار إلى جنوب الحبشة: من بلاد عدل إلى مملكة شوا.
الفترة الثانية – الكولونيالية : والتي بدأت مع وصول القوى
الأوروبية لسواحل القرن الأفريقي. شهدت هذه الفترة تغيرا كميا و نوعيا في كتابة
التاريخ في القرن الأفريقي، حيث ساهمت طول فترة وجود الأوروبين في المنطقة
واستقرارهم إلى حدوث احتكاك كبير بين المؤرخين الغربيين وبين أهالي المنطقة.
ولكن رغم تسلح الكثير من المؤرخين الغربيين بالأدوات العلمية، إلا
أن الكثير من كتاباتهم شابها الكثير من الأخطاء في النقل وفي المنهج وفي الغائية،
أي الغاية التي دونوا بها التاريخ، فمثلا نجد ميلا واضحا لتلميع فئات من أبناء
المنطقة على حساب الآخرين، وهو ما صب في الاتجاه العام آنذاك لما سمي لاحقا
بالعنصرية العلمية Scientific
Racism
وهي سياسة اتبعها المستعمرون تجاه الشعوب المستعمرة.
أبرز كتاب هذه الفترة :
إنريكو سيرولي Enrico Cerulli، الدبلوماسي والمؤرخ صاحب كتاب دراسات إثيوبية، صوماليا، الوثائق
العربية في التاريخ الإثيوبي.
جون سبنر تريمنغهام John S. Trimingham صاحب كتاب الإسلام في إثيوبيا.
إيوان ميردن لويس I.M.Lewis وهو مؤرخ صاحب كتاب لفهم الصومال وصوماليلاند، شعوب القرن
الأفريقي.
ريتشارد بانكهيرسيت Richard Pankhurst صاحب كتاب الإثيوبيون، التاريخ الاجتماعي لإثيوبيا
سيلفيا بانكهيرسيت Sylvia Pankhurst صاحبة كتاب إثيوبيا: التاريخ الثقافي.
المرحلة الرابعة – الدول القومية
وهي مرحلة ما بعد الكولونيالية أو ما بعد الاستعمار التي كانت في
فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا
تميزت هذه المرحلة بأمرين:
ظهور الأقلام المحلية وهم أبناء المنطقة الذين دخلوا في مجال كتابة
التاريخ، خصوصا بعد كتابة لغات المنطقة كاللغة الصومالية والأورومية والعفرية.
ظهور المحاولات الكثيرة لإعادة كتابة التاريخ أو اختراعه في بعض
الأحيان، وكانت عملية ضرورية لإرساء دعائم الدولة القومية وفي صناعة الهوية وقتها.
إلا أن هذه المرحلة من الناحية العملية نجد انها كرست مقاربة مؤرخي
المرحلة الثالثة -الاستكشاف والاستعمار – في كتابة التاريخ، أي في كتابة التاريخ
لصالح فئات من المجتمع ضد أخرى، بالإضافة إلى لجوء المؤرخين لتدوين تاريخ متماهي
مع توجهات الحكومات وسردياتها الكبرى، وهو واقع لم يسلم منه حتى المؤرخين الأجانب،
فممارسات الحكومات وأجهزتها الرقابية واعتماد سياسة الضغط، جعلت العديد منهم
يتنازلون عن الموضوعية في سرد التاريخ وكتابته بشكل محايد، كما صرح العديد منهم
بذلك لاحقا أمثال المؤرخ أيوان لويس و غيره من المؤرخين، نقلا عن المؤرخ الصومالي
محمد حاجي إنغريس Mohamed
H. Ingiriis
في كتابه ” انتحار الدولة الصومالية”
ساهمت كتب ونتاجات هذه المرحلة في التجريف الثقافي الممنهج للعديد
من الإثنيات، والتي خلقت لاحقا حالة من الأزمة في مسألة الهوية، بالإضافة إلى
زعزعة السلم والأمن الاجتماعي، وهو ما رأينا نتائجه طوال العقود الثلاثة الماضية
في الصومال أو مانراه حاليا في اثيوبيا، ولكن الناحية الإيجابية في هذه المرحلة
الراهنة هو أن هناك حالة مطردة في عدد الكتب التي تناقش تاريخ المنطقة بشكل موضوعي
خصوصا في الآونة الأخيرة وبأقلام محلية.
أخيرا، إذا ما قارننا بين كتابة التاريخ عالميا وبين منطقة القرن
الأفريقي، سنجد أن المنطقة لم تصل بعد لمرحلة فلسفة التاريخ، بل مازالت متأرجحة
بين المرحلة الأولى التي تمثلت في التدوين وبين المرحلة الثانية في توثيق التاريخ
واستخدام المنهج العلمي، لذا فاستفادة أبناء المنطقة من التاريخ واستخلاص الدروس
والعبر منها هو أمر غير وارد في عالم اليوم مثلما وصل دول العالم لمرحلة فلسفة
التاريخ، وهذا الأمر يتطلب إعادة قراءة لأهمية التاريخ والتأريخ من قبل أبناء
المنطقة.
0 تعليقات