نصر القفاص
يقول الطيبين من أهلنا "دع الملك للمالك"!
تقوم فلسفة نظام "الأوف شور" الاقتصادى على قاعدة
أساسية, يجوز لى تلخيصها فى جملة تقول "دع الحكم للحاكم والذين حوله"!!
فى زمن "الأوف شور" لا بد من وجود برلمان.. بشرط أن يكون
واجهة وشكل.. يجب أن يكون هناك إعلام.. المهم أن يغسل عقل المجتمع.. يلهيه.. يشغله
عن الحقيقة, ويفقده الوعى.. ليس مهما أن تكون هناك ثقافة.. وإذا اقتضت الضرورة,
فلتأخذ الناس إلى "الإبداع الفاسد"!! يجب تنفيذ ما يراه "البنك
الدولى" و"صندوق النقد" لتمكين الشركات متعددة الجنسيات من نهب
ثروات الشعوب.. ارفعوا "الراية البيضاء" أمام "رجال المال"
وسلموهم مفاتيح الأوطان!!
قد ترى فى هذه الرؤية تشاؤما.. وحقك أن تنزعج وتهرب منها, بصب
اللعنات على من يحدثك بها ويطرحها عليك.. لكنها نتيجة لتجربة من كسب ملايين
الدولارات, لمجرد أنه عمل "قرصان اقتصادى" وكان يملك عقلا يفكر.. إكتشف
أنه شارك فى "الاغتيال الاقتصادى للأمم" وفشل فى أن يهرب من مواجهة
نفسه!!
ينهى "جون بركنز" كتابه الذى حقق "الأكثر
مبيعا" كما نشرت "نيويورك تايمز" واضطرت ماكينات "غسيل
الأدمغة" إلى التعامل مع ما جاء فيه.. ليس بتجاهله وتجاوزه بسرعة, كما يقول
المنهج الأمريكى.. لكن ناقشت أفكار الرجل برامج تليفزيونية مهمة.. كان هدفها حسم
الأمر لصالح الشركات متعددة الجنسيات.. وهنا لنا أن نعرف أن شبكة "إن بى
سى" تملكها شركة "جنرال الكتريك".. وشبكة "إيه بى سى"
تملكها "ديزنى".. أما شبكة "سى بى إس" فتملكها شركة
"فيالكوم".. وشبكة "سى إن إن" فهى جزء من شركات "إل تايم
وارنر".. والصحف الأمريكية الكبرى تملكها وتحركها شركات عملاقة.. ولن أحدثك
عن الذين يملكون شركات إدارة وتحريك شبكات التواصل الاجتماعى.
عندهم فى الغرب.. أنت تملك الحرية فى التفكير والتعبير.. والذين
يحكمون يملكون جيوشا إعلامية تتمتع بقدرات مهنية, لمواجهة من يحاول كشف أمرهم..
وفى دول "العالم النايم" تملك الردع بوسائل أخرى!!
أعترف بأننى أضبط نفسى متلبسا بالبكاء, حين أقرأ تجربة واعتراف
أحدهم – فى دول الغرب – بأنه شارك فى مص دماء الشعوب وتدمير مجتمعات.. أخرج من
الحالة بالكتابة, وممارسة واجبى بإذاعة الحقيقة ومحاولة نشرها حتى لو فعلت
"من ثقب الباب" كما علمنى "كامل زهيرى" الذى كان يكتب تحت هذا
العنوان.. وكلما تذكرت "محمود عوض" الذى كان يكتب "على بياض"
وهو عنوان عموده الذى تم حجبه, ومنعه من الكتابة تماما.. لكنه لجأ إلى الصحف
العربية.. وقت تناقض واختلاف الحكام.. لجأ إلى الكتاب.. وأتذكر دائما مأساة
"عبد الرحمن الكواكبى" و"عبد الله النديم" مع الذين عاشوا فى
ضمير شعوبهم وواصل مشوارهم "طه حسين" و"عباس محمود العقاد"
و"جمال حمدان" مع العشرات من الذين عاشوا رغم رحيل أجسادهم!!
يقول "جون بركنز" فى خاتمة كتابه: "هذا مجرد اعتراف
مجرد وبسيط, لرجل سمح لنفسه فى وقت ما أن يكون رهينة.. إعتراف قرصان اقتصادى..
إعترافات رجل باع نفسه لنظام فاسد, لأنه يقدم مميزات وثروة.. كان سهلا تبرير بيع
النفس ونهب البشر.. تبرير نهب الفقراء والبائسين, وتخريب البيئة مع جرائم الإبادة
والقتل"!!
ثم يضيف قائلا: "إن الذين يعيشون حياة مترفة, لمجرد أنهم
فقدوا ضمائرهم.. يجب أن نرثى لحالهم.. وإذا كان هؤلاء يقدمهم الإعلام على أنهم
نجوم.. فهذه هى الكارثة التى قررت أن أصرخ فى مواجهتها.. بالكلمة"!!
يتذكر المؤلف يوم 18 إبريل عام 2003, ويذكر عناوين الصحف الأمريكية
فى هذا التاريخ.. فقد كان عنوان "نيويورك تايمز" واضحا.. "الولايات
المتحدة تمنح شركة بكتل عقدا كبيرا لإعادة إعمار العراق" وتشرح التفاصيل أن:
"العراقيون سيعملون مع البنك الدولى, وصندوق النقد الدولى.. وهى المؤسسات
التى تمارس عليها الولايات المتحدة الأمريكية نفوذا واسعا لإعادة بناء وتشكيل
العراق" وفى اليوم نفسه نشرت "التايمز" مقالا عنوانه: "شركة
بكتل تحتفظ بعلاقات طويلة الأمد مع مؤسسة الأمن القومى.. فأحد مديريها كان جورج
شولتز الذى عمل وزيرا للخارجية فى إدارة رونالد ريجان.. وانضم إليه كاسبر وينبرجر
كوزير للدفاع بعد أن عمل مديرا تنفيذيا للشركة.. وبعدها عين بوش رئيسها التنفيذى
مريل بكتل كعضو فى مجلس التصدير القومى".. يقول: "وأخذتنى هذه الأخبار
والمقالات إلى ما سبق أن عشته وشاركت فيه: أكبر عملية غسيل أموال فى السعودية,
والتى تم بموجبها تفويض شركات الهندسة والتعمير والبترول الأمريكية فى تقاسم عقود
تطوير المملكة"!! حملت الصحف تفاصيلا أخرى عن عقود فازت بها شركة
"هاليبرتون" فى العراق, والتى سبق أن عمل رئيسا تنفيذيا فيها "ديك
تشينى" لتنفيذ مشروعات البنية التحتية!!
يأخذنا "جون بركنز" فى كتابه إلى أنه راح يفكر:
"قامت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 بغزوها للعراق للمرة الثانية..
حدث ذلك بعد أن فشل قراصنة الاقتصاد فى مهمتهم.. فشل بعدهم الثعالب فى اغتيال صدام
حسين.. قررت بلادى أن ترسل شبابها من الجنسين ليواجهوا القتل أو الموت فى رمال
الصحراء.. بقى عدد قليل فقط يعرف ويفهم, تفاصيل غزونا للبيت الملكى لآل سعود..
وإذا كانت الولايات المتحدة قد استولت على ثروات العراق.. كانت ستتغير تماما.. لأن
تقديراتنا كانت أن العراق يملك مخزونا نفطيا أكثر من بترول السعودية.. وكنا فى
حاجة لصفقة بحجم عملية غسيل أموال السعودية.. كان متوقعا أن تكون نهاية صدام حسين
مثل نهاية نوريجا.. أما نهاية توريخوس قبله فى بنما, وقبله رولدوس فى الإكوادور
فقد كانت اغتيال على طريقة المخابرات المركزية الأمريكية"!!
يشرح "بركنز" الأسباب بوضوح, فيقول: "تعلم الدنيا
أن الدولار هو العملة النقدية الأكثر تداولا عالميا.. وتعلم الدنيا أن مصلحة سك
العملة الأمريكية تملك حق طباعة الدولارات.. وهذه الدولارات التى نقدمها لدول مثل
الإكوادور.. نعلم مسبقا أنها لن تستطيع سدادها.. ونحن لا نريد من هذه الدول أن
تسدد ديونها.. لأن عدم السداد يمنحنا النفوذ.. عدم السداد يضمن لنا ممارسة دور
المرابى اليهودى فى رواية تاجر البندقية!! ونحن نعلم أن الولايات المتحدة تطبع
دولارات لا يغطيها ذهب.. هذه الدولارات لا يؤمنها غير الثقة العالمية فى اقتصادنا
وقدرتنا على تحريك الجيوش لضمان استمرار الإمبراطورية.. وفى مطلع عام 2003 بلغت
ديون الولايات المتحدة رقما مذهلا.. فاقت ستة ترليونات دولار, والرقم كان مرشحا
لأن يصل إلى سبعة, وهذا كان يعنى وقتها أن كل مواطن أمريكى عليه ديون تبلغ 24 ألف
دولار.. معظم هذه الديون لصالح الصين واليابان وبعض دول آسيا.. وكان هناك خوف من
ظهور عملة تحل محل الدولار.. كان اليورو قد ظهر على المسرح العالمى فى أول يناير
عام 2001, وبدا قويا ويحقق مكانة شهرا بعد الآخر.. كما كانت منظمة أوبك قد بدأت
تستعرض عضلاتها.. وهذا يعنى ضرورة خلط الأوراق لإنقاذ الدولار"!!
فى مصر والعالم العربى.. ساسة وخبراء اقتصاد وعسكريين ومفكرين
وصحفيين بالمئات.. قل بالآلاف.. يعرفون ويعلمون كل هذه الحقائق.. أغلبيتهم اختاروا
أن يكونوا خدما للاستعمار من أجل ثروة ووجاهة ونفوذ.. أقلية منهم يحاولون أن
يقولوا, ويتم حصارهم أو خنقهم قبل أن يقولوا.. ثم يصل الأمر إلى إطلاق "كلاب
الحراسة" عليهم.. وإذا لم يخافوا من النباح, فبالاتهامات بالجنون أو التآمر
وتكدير السلم العام!! المهم أن يصمتوا أو يموتوا.. وعلى الجميع التسليم بالحكمة
القائلة: "دع الحكم للحاكم والذين حوله"!!
فى الولايات المتحدة الأمريكية وكل عواصم الغرب.. فكر ماشئت.. قل
ما شئت.. المهم أن تكون واعيا.. عالما.. مثقفا.. فكل ما يقوله الذين يختلفون مع
الذين يحكمون, لصالح المجتمع.. لأن الدول لا تهدمها كلمة.. لا يزعزع استقرارها
فيلم أو صحيفة.. لا يربكها كاتب أو مثقف.. لا يخاف فيها المواطن من بطش سلطة, ولا
يعيش مذعورا من غياب الأمن.. تلك أشياء تؤمنها الدول وتضمنها.. فهذه وظيفة
القائمين على الحكم, بغض النظر عن لونهم السياسى.. إن المجتمعات التى شاء الغرب
نفسه أن تكون "أوف شور" للتمكن من نهبها.. يطلقون يد الحاكم فيها.. يفعل
ما يريد وما يشاء.. أفهم أن يلتزم بقواعد لعبة دقيقة يضمنها "البنك
الدولى" و"صندوق النقد" وعلى ضفافها عشرات من الهيئات والمؤسسات
الموصوفة بأنها دولية.. تعطيك شهادة نجاح مهما كان فشلك.. وتعلن سقوطك وقتما
تريد.. ولنا فى حكاية "إندونيسيا" نموذجا.. فهناك عزلوا "سوكارنو"
بعد أن تم توريطه فى مغامرات نسائية.. ثم نصبوا "سوهارتو" وأطلقوا يده
وأيادى عائلته والذين حوله لينهبوا ما يحلو لهم.. ثم أعلن "البنك الدول"
فشل سياساته بعد ثلاثين عاما من وجوده على رأس السلطة.. أجبروه على أن يوقع وثيقة
التنازل عن الحكم فى حضور مدير "البنك الدولى" وأمام كاميرات التليفزيون
والصحف ووكالات الأنباء.. كما تبقى حكاية "نوريجا" فى "بنما"
ماثلة بأذهان الذين يقرأون ويحاولون أن يعرفوا ويفهموا.. فقد تم تنصيبه حاكما.. ثم
كانت عملية غزو بلاده والقبض عليه حين فكر فى الخروج عن النص!! وبينهما عشرات
الوقائع والأحداث التى يتم طمسها وتزوير حقيقتها, وإعادة إنتاجها وفق ما تريد
حكومات الغرب.. وحسب ما يرضى مصالح الشركات متعددة الجنسيات, وخدمهم المنتشرين فى
دول "العالم النايم"!
دون أدنى مبالغة.. كانت مصر كلمة السر.. كانت يوم تأميم شركة قناة
السويس, من أجل بناء السد العالى.. وكانت حين اختارت نظاما سياسيا لا يرضى
"واشنطن" ويزعج فى الوقت نفسه "موسكو"!!
وكانت مصر كلمة السر, حين
اختارت عدم الاستسلام لعملية زرع جسر يستهدف تقسيم المنطقة.. وكانت مصر كلمة السر,
عندما تم إخراج ملف "الأوف شور" من تحت المائدة.. ثم دارت عملية تجميله,
وبعدها تحويله من "لقيط" إلى ابن شرعى تتبارى القوى الكبرى فى تبنيه مع
مطلع السبعينات.. تحديدا بعد أن رحل الرجل الذى أزعج الشرق والغرب.. وإذا حاولت أن
تعرف المزيد.. يمكنك أن تواصل القراءة..
يتبع
0 تعليقات