نصر القفاص
قال "نابليون" قبل أن يتحرك بالحملة الفرنسية على مصر:
"قل لى من يسيطر
على مصر.. أقل لك من يسيطر على العالم"!!
كان "محمد على" يدرك ويعلم أهمية مصر بالنسبة للغرب,
لذلك رفض فكرة شق قناة تربط البحرين الأحمر بالأبيض.. وكان "عبد الناصر"
يدرك ويعلم أهمية "قناة السويس" بالنسبة للعالم.. وكان يؤمن بأن عودتها
مصرية خالصة, حتمية من ناحية الجغرافيا وضرورة قصوى فى التاريخ.. قرر تأميم القناة
لأنه كان يعلم رؤية الغرب لبلاده.. هم يرون أن: "أهمية مصر بالنسبة للعالم..
يجعل قوى الاستعمار تتفق على ضرب أى محاولة لجعلها مستقلة سياسيا واقتصاديا"
وتكشف عملية نزع "بنما" من "كولومبيا" لمجرد مرور "قناة
بنما" فيها.. ماكان الغرب يخطط له بنزع منطقة "قناة السويس" عن
مصر.. وتلك كانت معركة ثورة يوليو الأساسية.. وهنا يكمن سر إجهاض محاولات بناء
نظام اقتصادى مصرى خالص.. إتفق فى ذلك عملاء "الولايات المتحدة
الأمريكية" وعملاء "الاتحاد السوفيتى" الذين خاض ضدهم "عبد
الناصر" معارك شديدة الشراسة!!
قد يكون هذا الوعى هو دافع "عبد الناصر" للتصدى والرد
على الشيوعيين بتلك الصرامة.. ويقول لهم فى مقاله المنشور بالأهرام, والذى كررت
الإذاعة قراءته: "لكل بلد من الأسباب التى تجعله أقدر على معرفة الاشتراكية
التى تناسبه.. واشتراكيتنا فى الجمهورية العربية المتحدة, منبثقة من ظروف شعبنا
وأهدافه وحاجاته وتكوينه وطبيعته.. إنها ليست اشتراكية ماركس أو لينين أو ماوتسى
تونج أو تيتو أو حزب العمال البريطانى.. إشتراكيتنا هى الحل الصحيح لمشاكل المجتمع
فى بلدنا.. فالماركسية تنص على أن الانتقال للشيوعية أو الاشتراكية, لا يتم إلا
بعد أن يتحول المجتمع الإقطاعى إلى مجتمع برجوازى.. أى نتيجة لتطور الصناعة وزيادة
الطبقة العاملة.. وأن الثورة الشيوعية ستحدث فى بلد صناعى.. لكن لينين خالف هذه
النظرية, وصمم على الانتقال للشيوعية رأسا.. وقد عارضه كبار الشيوعيين فى حزبه,
لكن قال لهم أن الهدف هو الوصول إلى الحكم.. عن طريق الحكم سنطبق الشيوعية.. هل
طبق لينين الشيوعية؟! الحقيقة أنه حافظ على الزراعة حتى يحصل الشعب على حاجته من
القمح, وحتى لا تطيح المجاعة بالحكم!! إن أكبر عار يحيط بالشيوعيين العرب, أنهم
قفلوا على عقولهم بأغلال التبعية.. فالاشتراكية بالنسبة لهم ليست إلا أن يتحول
الفرد إلى عميل.. أما القضاء على الظلم الاجتماعى وإقامة عدالة اجتماعية, فهى أمور
لا تعنيهم بشىء.. ولو تم تطبيقها فى أى دولة شيوعية, ورفضت التبعية.. فإن
الشيوعيون لن يقبلوا ذلك.. لأن التبعية هى دينهم الوحيد, وكل ما يقال غير ذلك ليس
سوى خداع وتضليل"!!
أراد "عبد الناصر" التأكيد على رفضه التبعية لأى قوة على
الأرض.. هو فى هذا الوقت كان يحتاج إلى الاتحاد السوفيتى لبناء السد العالى الذى
انطلق العمل فيه.. لكن قرار مصر واستقلالها لا يمكن أن يكون ثمنا لذلك.. وكان
يحتاج الولايات المتحدة الأمريكية لكى توقف عجلة التآمر الغربى وضرب تجربته
الاقتصادية والسياسية, لكن لا يهادنها أو ينحنى لها!! فهو كان يستقوى بشعبه..
بشعوب عربية وشعوب إفريقية وآسيوية.. وكان يعلم أن شرح أبعاد الصورة بأكمها هو طوق
نجاة تجربته.. فهو فى هذا المقال يخوض فى تفاصيل الفلسفة وعلم الاجتماع, قبل أن
يشرح رؤية سياسية.. واختار أن يقتطع أجزاء من المقالات التى تهاجمه, ويكتب نصها ثم
يرد عليها.. بما جعل خصومه فى حالة ذهول, وفرض عليهم اللجوء إلى الأكاذيب
والشائعات!!
تستمر جريدة الأخبار الناطقة باسم الشيوعيين العرب العملاء, فتقول:
"إن هذه التدابير – قرارات يوليو الاشتراكية – تدخل ضمن نطاق ما يسمى
برأسمالية الدولة".. ثم تقول أن: "البرجوازية ترى فى هذا القطاع العام
تعبيرا عن مصالحها.. فهى تضعف تراكم الرأسمال لديها, ولعدم قدرتها على بناء مشاريع
كبيرة كمحطات توليد الكهرباء والسدود ومشاريع الرى وسكك الحديد والأساطيل البحرية
والنهرية.. تشجع الدولة على القيام بهذه المشاريع, لكى تستخدمها فيما بعد بأسعار
رخيصة.. ومن هنا تظهر ناحية هامة, وهى ارتباط محتوى القطاع العام بالسلطة
القائمة.. ففى كل سلطة البروليتاريا يعتبر قطاع الدولة مؤسسة اشتراكية, لأنه لا
يوجد لصالح الجماهير.. أما فى ظل البرجوازية التى تحاول دائما تسخيره لصالحها,
وبين الجماهير الشعبية التى تعمل لإنقاذه وجعله فى خدمة المصالح الشعبية
العامة".
باختصار.. فهذا الجزء مما كتبه الشيوعيون فى لبنان, كان يقلل من
قيمة القطاع العام المصرى وقت بنائه وتأسيسه.. وشاءت الأقدار أن يقصف هذا القطاع
العام, الذين أرادوا ضرب تجربة "عبد الناصر" باعتباره عقبة فى طريق
"لصوص المال العام" الذين حققوا ثروات مذهلة بالملايين والمليارات فى
زمن الانفتاح بعد ضرب الاشتراكية المصرية.. وهنا لابد أن تتوقف أمام دراسة أعدها
الدكتور "فؤاد مرسى" عام 1974 ذكر فيها أن: "الرأسمالية الكبيرة
قبل ثورة يوليو.. كانت رأسمالية أسهم وسندات.. وكان 62% من الأسهم بأيدى 9% من
المساهمين.. وإجراءات التأميم ونزع الملكية عام 1961 لم تمس سوى 7300 فرد فقط..
وفى هذا التوقيت كان فى مصر أربعة فقط من أصحاب الملايين"!!
وأشار للدراسة الدكتور "غالى شكرى" فى كتابه
"الثورة المضادة فى مصر" وربما ذلك يفرض علينا سؤالا.. كم ملياردير فى
مصر حاليا؟! لأن المليونيرات أصبحوا ملايين, بفعل انفتاح "السداح مداح"
كما أطلق عليه "أحمد بهاء الدين" حتى وصلنا إلى "ماراثون النهب
العام" وأصبح "الفساد للركب" كما قال الأكثر قربا من الرئيس مبارك,
وهو الدكتور "زكريا عزمى" الذى سقط مع نظام حكم بأكمله بفعل ثورة
"25 يناير" ليصعد مليارديرات جماعة "الإخوان" قبل سقوطهم بفعل
ثورة "30 يونيو" مع نظامهم الذى غير شكل الفساد فقط.. جعله يرتدى جلبابا
ويزين وجهه باللحية للرجال والحجاب للسيدات!!
عدنا لنتأكد أن "ثورة 23 يوليو"خاضت "أم
المعارك" ضد الفساد!
كان "القطاع العام" مستهدفا من "رجال موسكو"
وقت تأسيسه.. وتولى هدمه "رجال واشنطن" وبينهما كان يقف "عبد
الناصر" مقاتلا دفاعا عن تاريخ أمة وحقوق شعب.
يرد "عبد الناصر" على ما سبق بطرح أسئلة مهمة, بقوله:
"ألا يظهر ما يقوله الشيوعيون أنهم فقدوا عقولهم.. هل اشتراك العمال فى
الإدارة رأسمالية دولة؟! هل حصول العمال على 25% من الأرباح رأسمالية دولة؟! هل
التأميم لصالح البرجوازية كما يقول الشيوعيون؟! إن ما يعنيه الشيوعيون أن القطاع
العام لا يعتبر مؤسسة استراكية, إلا فى حالة واحدة فقط.. هى حكم البروليتاريا.. أى
حكم الحزب الشيوعى.. أما تطبيق الاشتراكية بغير الحزب الشيوعى, فأمر محرم لا يرضى
به الشيوعيون الذين قفلوا عقولهم.. هم لا يمكن أن يتصوروا تطبيق الاشتراكية بدون
حمامات دم.. بدون الحرب الأهلية الطبقية"!!
تمت عملية تشويه للقطاع العام.. قبل الشروع فى تدميره وتفكيكه,
بدعاوى أنه تحول إلى عبء على الدولة بخسائره.. هذا صحيح.. لكننا لا نسأل.. لماذا
خسر ولا كيف خسر؟! فهذا هو نفسه "القطاع العام" الذى جعل مصر لا تمد
يدها للبنك الدولى وصندوق النقد.. وهو نفسه "القطاع العام" الذى تحمل
عبء معركة اكتوبر 1973 كاملة.. وبعدها كانت الحكومات المتعاقبة تتبارى فى تعيين
إدارات, يتم تكليفها بإيقاف عجلته حتى يخسر!! لأن الحكومات من منتصف السبعينات
كانت هى التى تقوم باختيار قيادات هذه الشركات والمصانع.. حدث ذلك بخطط ومناهج
سابقة الإعداد والتجهيز, لكى نرى بأعيننا عمليات البيع بأسعار متدنية, ولنرى أن من
يفوز فى "مهرجان النهب" يتحول من صعلوكا إلى مليونيرا.. ثم يصبح
مليارديرا!! وبعدها واصلوا زحفهم ليمسكوا بخناق الدولة, عبر السيطرة على السياسة
والإعلام والثقافة لتدميرهم.. والمسيرة مستمرة!!
عودة إلى مقال "عبد الناصر" الذى أضاف فيه: "يقول
الشيوعيون أن القطاع العام لخدمة البرجوازية والاحتكار.. لأن السلطة برجوازية..
هذا هو الموضوع.. السلطة.. كل ما يتم حلال وصحيح, إذا كانت السلطة شيوعية.. القتل
مباح إذا كانت السلطة شيوعية.. الظلم مباح إذا كانت السلطة شيوعية.. السحل مباح
إذا كانت السلطة شيوعية.. الإرهاب مباح إذا كانت السلطة شيوعية.. الحزب الواحد
مباح إذا كانت السلطة شيوعية.. ملكية 25 فدان فقط مباحة للسلطة الشيوعية.. حتى
الملكية الرأسمالية مباحة فى السلطة الشيوعية.. كل شىء مباح على شرط أن يتربع
الحزب الشيوعى فى الحكم.. أما اشتراكية تحقق العدالة الاجتماعية, فهى غير مباحة
لغير الشيوعيين.. هم هدفهم الأممية قبل الاشتراكية.. والأممية هى حركة عالمية لا
تقوم على المساواة.. بل تقوم على التبعية.. إننا نطالب الشيوعيين أن يدلونا على
الاحتكاريين فى بلدنا, أو يدلونا على سيطرة رأس المال لصالح البرجوازية فى بلدنا..
إنها شعارات بالية شبع الشعب من سماعها وكشفها.. بل كشف الشيوعيين.. أنهم يريدون
السلطة والحكم ولو تحالفوا مع الرجعية والإقطاع.. إن الشيوعيين لا مبدأ لهم..
فالغاية عندهم تبرر أى فعل.. تبرر الطعن فى أشرف ثورة عربية.. إن الشيوعيين يريدون
العمل من أجل الجماهير.. من أجل العمال والفلاحين احتكارا لهم, وحتى يستخدموهم فى
الوصول إلى الحكم.. وحتى يجعلوا من بلدنا وطنا تابعا"!!
لا أظن أن قصف "عبد الناصر" للشيوعيين يحتاج إلى شرح أو
تفسير.. فهو أوضح أن الموضوع هو السلطة.. ولعلنا شاهدنا ورأينا ما فعلته جماعة
"الإخوان" بعد "ثورة 25 يناير" حين تحالفت مع يمين ويسار
وعملاء وإرهابيين لتتمكن من السلطة.. وشاهدنا بعد "ثورة 30 يونيو" ما
حدث فى "اتفاق القصد الجنائى" بين أحزاب اليمين واليسار ورموز الفساد لتقسيم
مقاعد البرلمان – النواب والشيوخ – وكلهم لا يتوقفون عن ممارسة هواية تشويه ثورة
23 يوليو وتزوير تاريخها.. كلهم أصبحوا يجاهرون باشتياقهم للملكية.. يدافعون عن
"الولد الذى حكم مصر" وزمنه.. يتفاخرون بقربهم من "واشنطن"
و"لندن" و"باريس" وغيرها من عواصم دول الاستعمار.. يحدثونك عن
أن الجنيه كانت قيمته قبل 23 يوليو ثلاثة دولارات.. يخرسون إذا قلت لهم أن الدولار
فى آخر أيام عبد الناصر كانت قيمته 35 قرشا.. ثم ينحنون أمام دولار أصبحت قيمته
تقترب من 16 جنيه!! لأن "خدم الملكية والاستعمار" أصبحوا نجوما يباهون
الأمة بأنهم فاسدون.. ويراودون كل من يملك طموحا فى أن يكون فاسدا عن نفسه!!
المعركة فى زمن "ثورة 23 يوليو" كانت ضد العملاء بكل
ألوانهم.. كانت ضد العملاء بكل فصائلهم.. شيوعيون وإخوان وفاسدون!!.. ومازال
للمقال بقية..
يتبع
0 تعليقات