آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! (40) الرئيس العنيد!!

 




 

نصر القفاص

 

 

يعلم الذين صاغوا نظام "الأوف شور" أنه نظام لقيط!!

 

يركن "رجال المال" إلى "الأوف شور" اقتصاديا.. لأنهم يؤمنون بأن "صناعة المال" أهم من التصنيع والزراعة باعتبارهما مهمين للمجتمع.. وهم يستمتعون بمص دماء الشعوب, ونهب المجتمعات.. ويعيش الساسة الذين يأخذون بنظام "الأوف شور" سياسيا.. حالة خوف وذعر دائمين.. فهم لا يطيقون صوت المعارضة, لعجزهم عن الحوار.. هؤلاء لا يملكون حجة أو برهان.. لا يحترمون ثقافة أو فكر.. لذلك يسعدهم أن تحيط بهم "الطفيليات البشرية" الباحثة عن الفتات الذى يتساقط من بين أيدى نجوم "الأوف شور"!!

 

فى الطريق العكسى.. يمشى من يؤمنون بفكر.. الذين يفخرون بأنهم يعيشون بالمبادىء, ودفاعا عن المبادىء.. وهذا وحده جعل الاستعمار يهتدى إلى "الأوف شور" المسعور, لتبديد مجتمعات وهدم أوطان.. وفى مسيرتهم يحطمون من يجرؤ على كشفهم.. لذلك كانت معركة مصر الخمسينات والستينات, لمواجهة تلك الحيلة الاستعمارية الجديدة.. وفى رسالته إلى الزعيم السوفيتى "خروشوف" ستجد تلك المعانى, واضحة بلا أدنى شك.

 

خاصة عندما قال "عبد الناصر" فى الرسالة: "حاولت قوات الاحتلال البريطانية, التى لم يهدأ كفاح شعبنا ضدها عشرات السنين.. أن تعزل منطقة من أرضنا – مدن القناة وسيناء – فحملنا السلاح لكى نجعل حياة جنود الاحتلال فى هذه المنطقة جحيما لا يحتمل.. ثم حاول الدهاء البريطانى على مائدة المفاوضات, أن يأخذ منا باليسار ما كان يوهمنا بأنه يعطيه إلينا باليمين.. لكن الدهاء البريطانى.. اضطر أن يوقع اتفاقية الجلاء فى خريف 1954.. وحين رفضنا أحلاف الاستعمار, بدأت محاولات إخضاعنا باحتكار السلاح ومنعه عنا.. وتحريض إسرائيل كما جرى فى الغارة على غزة يوم 28 فبراير 1955.. أن تعتدى علينا.. ثم كان التضييق الاقتصادي, تمهيدا للحصار الكامل.. ثم كانت حرب الدعاية ضدنا, وتشويه مقاصد ثورتنا وأهدافها.. هذه الحرب التى وصلت ذروتها إبان معركتنا الأولى لإسقاط حلف بغداد خلال الشهور الأولى لعام 1955.. وخلال هذا كله كما ولابد تعلمون – يا سيادة الرئيس – لم تكن الصلات بيننا توثقت.. ولا كان التعاون بين بلدينا قد ترابطت عراه.. إنما كان الأمر بالنسبة لنا, أمر مبادىء آمنا بها.. ووجدنا واجبنا الوطنى أن ندافع عنها بكل ما فى طاقتنا من القدرة على التضحية والصمود.. بل والعناد وهى صفة أجد مع الأسف, أنها لم تعد تلق الفهم الذى كانت تلقاه.. وتحولت فى تقديركم إلى عيب كبير.. وكانت فى ظروف أخرى مزية كبيرة"!!

 

شرح "عبد الناصر" فى هذه الفقرة قيمة "العناد" بمعنى الإصرار.. فهو كان يعرف أن كل مفكر حقيقى أو زعيم كبير يملك مخزونا مختلفا من "العناد" القائم على ثقافة وعلم وفكر.. وتلك كانت معركة "طه حسين" بعد معركة الشيخ "على عبد الرازق" فى زمن الملك "فؤاد"!! وهنا سنجده يفاخر ضد الاستعمار وخدمه.. ويقدم براهين نجاح هذا العناد بإجبار بريطانيا على توقيع اتفاقية الجلاء.. ثم التصدى للأحلاف العسكرية, والنجاح فى كسر احتكار السلاح.. وكل هذا تحقق لأن "العناد" كان دفاعا عن مبادىء, وليس دفاعا عن منصب أو ثروة ووجاهة!! وأراد إنعاش ذاكرة من يخاطبه – خروشوف – بأن هذا "العناد" كان محل تقديره.. وحين تحول إلى رفض إملاءات بلاده أصبح عيبا!! وفى إشارته إلى غارة إسرائيل على "غزة" كان يؤكد على أن مصر لم تهاجمها.. لكن إسرائيل باعتبارها "ماكينة عملاقة" يحركها الاستعمار, نفذت ما يريده المستعمرين بآساليبهم القديمة.. أى باستخدام السلاح.. قبل أن تتحول للعمل بالنظام الجديد – الأوف شور -!!

 

يستأنف بعد ذلك "عبد الناصر" الشرح, فيقول: "لو أن الإصرار على التضحية والصمود – بل والعناد – كانت أقل مما هى فعلا.. لكان من العسير علينا يا سيادة الرئيس أن نواجه الاستعمار بمثل ما واجهناه به من رفض المساومة فى استقلالنا, ومن إعراض عن مشاريعه العدوانية.. ومن حرب على هذه المشاريع كى لا تنجح فى بلادنا, ومن تحملنا للضيق الاقتصادى, ومن مواجهة لحرب الأعصاب والدعاية واحتكار السلاح.. ولولا هذا الإصرار والصمود.. بل والعناد يا سيادة الرئيس.. ما كانت أيدينا قد وجدت الشجاعة أن تمتد لطلب السلاح, الذى قبلتم مشكورين فى ذلك الوقت أن تبيعوه لنا.. بعد أن تبين لكم فى غير شك أو تردد أن ثورتنا الوطنية, لا تضرب جذورها إلا فى أرض آبائنا.. وهكذا تكفلت التجربة العملية.. وتكفلت الحوادث نفسها, بأن تغير موقفكم من ثورتنا الوطنية.. أصبحتم تعرفونها على حقيقتها.. وليس كما حاولت بعض الجماعات التى ترفع الأعلام الشيوعية, والتى فشلت فى استغلال الثورة الوطنية فى مصر لمصالحها.. أن تصورها لكم"!!

 

 

العنيد فى مواجهة أعداء وطنه.. ترفعه الشعوب على الأعناق.

 

العنيد فى مواجهة شعبه.. يلقى نهاية حتمية ومعلومة بالضرورة!

صاحب المبادىء يملك فكرا يقدر على شرحه ببساطة وعمق فى الوقت نفسه.

 

عاد "عبد الناصر" يشرح أكثر بقوله: "راح الاستعمار يتهمنا بأننا أصبحنا منطقة لنفوذكم.. بل مستعمرة لكم.. ثم راح الاستعمار يحاول تشكيكنا فيكم, وهو يصور لنا أنكم مددتم يد التعاون إلينا.. لأنكم تريدوننا لعبة فى الحرب الباردة.. بل راح الاستعمار يقدم لنا المغريات لكى يباعد طريقنا عن التعاون معكم, وفى تلك الظروف – كما تعلمون – تقدم إلينا بعرض المساهمة والمساعدة, فى تمويل بناء السد العالى.. لكن التكتيك لم يلق غير الفشل.. وكذلك لم يستطع الإغراء مهما بلغت شدته.. أن يجعلنا نفرط فيما نؤمن أنه مبدأ وعقيدة.. وهكذا دخلت علاقتنا مع الاستعمار فى مرحلة عنيفة.. بدأت بمحاولة عقابنا على كل ما أصررنا وصمدنا وعاندنا.. وكان من ذلك سحب عرض المساهمة والمساعدة, فى تمويل السد العالى وبالطريقة التى تم بها هذا السحب.. وغير خاف عليكم أن ذلك كان يستهدف التأثير فى الأوضاع الداخلية لجمهورية مصر فى هذا الوقت.. كان أمامنا.. إما أن نستسلم ويضيع كل ما حققناه, وتنهار مبادىء الثورة الوطنية فى مصر وهى الركيزة القوية للقومية العربية.. وتعود المنطقة كلها كما كانت.. منطقة نفوذ للاستعمار دون منازع, وقاعدة عسكرية هائلة لأحلافه العسكرية العدوانية.. وإما أن نصمد وأن نستنجد بكل ما فى طاقتنا من الإصرار على التضحية والصمود.. بل والعناد أيضا.. لكى نحبط خطة الاستعمار ونفوت عليه هدفه.. عادت قناة السويس إلى الشعب الذى حفرها بشقائه وعنائه, لتسهم فى بنائه ورخائه.. وكانت كما تعلمون ضربة.. لا إلى الاستعمار وحده, وإنما إلى كل القوى التى تحركه وفى مقدمتها الاحتكارات المتخلفة من القرن التاسع عشر.. وقد قمنا بهذه الخطوة وحدنا, كما تذكرون.. لم نتشاور فيها معكم, ولا حملناكم شيئا من تبعات ما يمكن أن نواجهه نتيجة لها.. وكنا ندرك أن المعركة ستكون عنيفة ومضنية.. لأنها كانت بالنسبة لنا معركة دفاعية لا مفر منها, ولا بديل عنها إلا أن نستسلم للأمر الواقع كما يريد الاستعمار أن يفرضه".

 

نلاحظ أن "عبد الناصر" شرح مفهومه للعناد.. كرر استخدام الكلمة والوصف, على أنه مدعاة فخر ولا يدعوه للضيق أو الغضب.. وراح يشرح نتائج عناده, وأثره على بلاده وشعبه.. فقد أثمر "العناد" عن بناء السد العالى بعد تأميم قناة السويس.. كليهما بعد نصف قرن من رحيله, شاءت الأقدار وعجلة الأحداث وإرادة الله.. أن تظهر قيمة وأهمية كل منهما للوطن والشعب.. وكان يعلم أن أى طريق آخر يمكن أن يسلكه, سيعيد الاستعمار للسيطرة على المنطقة.. ونحن نرى بأعيننا الصورة التى أصبحت شديدة الوضوح.. وصلنا إلى حد إهانة حكام, وهم على مقاعدهم كما فعل "ترامب" مع حكام "السعودية".. ووصلنا إلى أن أمر "ليبيا" أصبح يقرره الغرب والشرق.. ونشاهد "لبنان" لا يجد من ينجده أو ينقذه غير "باريس" أو "طهران".. وعشنا لنرى "أثيوبيا" تحاول فرض إرادتها على مصر, بتنفيذ عملية خنقها كما رسمت "لندن" و"واشنطن" وشرحه فى خطاب التأميم.. وأصبحت "سوريا" لا تجد فى غير "روسيا" و"إيران" حليفا.. وراحت "اليمن" ضحية صراع سعودى – إيرانى.. والحبل على الجرار.. لغياب من يملك الرؤية لفهم طبيعة الصراع على المنطقة!

 

نعود إلى الرسالة المهمة التى كتبها "عبد الناصر" إلى زعيم الاتحاد السوفيتى, بهذه اللغة الراقية والقوية لدرجة الصرامة.. وفيها قال: "كان عرفاننا عميقا وتقديرنا بالغا.. لما أعلنتم بعد ستة وثلاثون ساعة من تأميم قناة السويس, أنكم تؤيدون موقفنا.. وقد كنا ندرك خلال الساعات التى سبقت إعلان رأيكم, أن من حقكم أن تدرسوا التطور الكبير الذى كان مفاجأة لكم.. وأن تقدروا نتائجه بأنفسكم قبل أن تحددوا موقفكم منه.. وحاولنا بعد التأميم بكل طاقتنا أن نشرح للرأى العام العالمى موقفنا, وأن نحبط خطط العدوان الاستعمارية التى بدأت نذرها تملأ الجو من حولنا.. ذهبنا للأمم المتحدة نحتكم للعقل, حتى لا يكون الاحتكام للمدافع.. ولا نستطيع أن نصل إلى هذا الحد من استعراضنا للأمور, دون أن نعود للإشادة بما كان لكم.. ولدول أخرى صديقة فى طليعتها جمهورية الهند من جهد بارز فى محاولة الوصول إلى حل سلمى.. لكن الاستعمار الذى فقد قاعدته فى بلادنا, وفقد نفوذه فى المنطقة من حولنا.. والذى ضيع مع هذه الهزائم منطق الحق والعدل.. لم يجد فى يده باقيا من وسائل العمل غير السلاح.. وإننى لأستميحك عذرا – يا سيادة الرئيس – أننى أعيد عليك هذا كله الآن.. لكننى أجده أمرا لا مفر منه فى هذه المرحلة من علاقتنا, إذا كنا نريد بإخلاص وصدق أن نبدد الظلام الذى بدأ يسود علاقتنا.. فإنه ما لم توضع المسائل كلها بوضوح.. ومالم يترابط سياقها فى غير مجال للبس.. فإننا سنتعرض للذى يبدو لى أننا تعرضنا له فعلا من سوء الفهم أو سوء النقل.. ولست أخفى عليك أننى بعد أن فرغت من قراْة خطابك فى يوم 12 ابريل, تملكتنى الدهشة لبعض ما ورد فيه.. حتى أننى أحسست أمام بعض الفقرات أننى أقرأ مقالا فى إحدى صحف الغرب.. حيث تنحرف الوقائع عن أصلها.. وحيث تمتلىء الفجوات بين الحوادث بالتصورات.. وحيث تعز الحقائق على الكتاب, فيلجأون إلى الخيال"!!

 

أضع خطوطا تحت السطر الأخير.. حيث تعز الحقائق على الكاتب فيلجأ للخيال!!

 

هو يقول ذلك للزعيم "خروشوف" بعد أن وصف رسالته, بأنها تبدو كما لو كانت مقالا فى إحدى صحف الغرب!! تفسر تلك القوة التى تستند إلى فكر ورؤية ومبدأ وإرادة, أن تكون العدو الأول لنظام "الأوف شور" لأنه يقوم على التضليل والنهب والكذب.. فهذا نظام يشبه القصور التى يتم بناؤها على رمال وشواطىء البحار!!

 

وواضح من الرسالة.. وسيتضح أكثر.. رفضه القاطع لأن يكون شيوعيا.. بل رفضه أن يحتمى مواطن فى بلاده بعباءة أجنبى سواء كان أمريكيا أو سوفيتيا!! ثم تأكيده على أنه سيحارب هؤلاء, الذين يعتقدون أنهم يستمدون القوة من الخارج.. وإذا حدث ذلك يجب أن تعلم حجم الكارثة, مهما تم إجراء عمليات لتجميلها أو تخفيف أثرها.. ونبقى فى قراءة رسالة "عبد الناصر" إلى الزعيم السوفيتى "خروشوف" فى مايو عام 1959..

 


بوابات الأموال القذرة!! (39) قالها "سعد زغلول"!!

 يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات