آخر الأخبار

بشرية الإمام…. بين الانتقاص والغلو

 


 



عز الدين البغدادي

 

قبل فترة أثار م. ع في صفحته قضية تتعلق بزواج الإمام الباقر ع من امرأة خارجية وتطليقها لها، وذكر خبرا آخر يقول بأن الإمام الباقر لبس ثوبا أحمر لأجل زوجته لأنها تحب ذلك. وقد أثار هذا لغطا كبيرا، بين متعجب منكر وبين من وجد في ذلك فرصة للانتقاص من الأئمة (عليهم السلام). وواقعا فإن هذا الفهمين يرجعان إلى مشكلة الغلو، فأما عند المنتقصين فإنهم بنوا انتقاصهم على أساس رؤيتهم السابقة التي أخذوها من المنبر والمجتمع والتي تتناقض مع هذه الروايات، وأما عند المغالين فالأمر واضح.

 

كان القرآن الكريم يؤكد كثيرا على بشرية الأنبياء، وأنهم لا يختلفون عن البشر إلا فيما كرمهم الله به من درجة النبوة مع ما تقتضيه تلك الدرجة. إلا أنّ الطرح الذي تجده عن الإمامة تجعل الإمام شخصا يتمتع بصفات غريبة تبعده عن وصف البشرية حتى أثير أسئلة وإشكالات حول الصفات الجسدية للأئمة، وقد مر علينا بعضها.

 

إلا أنك ستجد عند النظر في النصوص إلى أن الأئمة في تعاملهم مع الناس، وفي بيوتهم، وفي عملهم كانوا يمارسون حياتهم من خلال بشريتهم بكل ما فيها.

 

ويمكن أن نضرب أمثلة على ذلك، فمثلا روي عن خطاب بن سلمة، قال: كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر، وكان أبوها كذلك، وكانت سيئة الخلق فكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها، فلقيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) وأنا أريد أن أساله عن طلاقها…… فابتدأني فقال: يا خطاب كان أبي زوجني ابنة عم لي وكانت سيئة الخلق، وكان أبي ربما أغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها، فأتسلق الحائط وأهرب منها، فلما مات أبي طلقتها، فقلت: الله أكبر أجابني والله عن حاجتي من غير مسألة ".

 

كما روي عن أبي جعفر الباقر أنه كانت عنده امرأة تعجبه، وكان لها محبّا، فأصبح يوما وقد طلّقها واغتم لذلك، فقال له بعض مواليه: جعلت فداك لم طلقتها؟ فقال: إني ذكرت عليا عليه السلام فتنقصته فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي.

 

وقد استغرب بعضهم، إذ كيف يمكن لإمام يعلم الغيب بحسب ظنه أن لا يعلم عن اعتقاد زوجته؟ ولماذا يبدو الإمام متألما عاشقا لها؟ وكيف تزوج امرأة خارجية وهم الذين يوصون الناس بأن يتخيّروا عند الزواج؟ وغفلوا عن أمر هام في دلالة الخبر، وهو أن الناس في ذلك الوقت كان مختلفين في اعتقاداتهم بين شيعي وعثماني ومرجي وخارجي وغير ذلك، وربما تجدهم في البيت الواحد أو في السوق لا يمنعهم اختلاف اعتقادهم عن ذلك ما دام عنوان الإسلام يجمعهم. وأما أن الإمام الباقر لبس ثوبا أحمر لأجل زوجته، فلا أدرى أي عيب في أن يلبس الإنسان في بيته ثوبا أحمر و أصفر، ولماذا لا ننظر إلى هذا الموقف كموقف يعبر عن رقي في الذوق عندما يتزين لامرأته كما تتزين هي له، وعندما يدرك أن المرأة تحب ان ترى الرجل بصورة جميلة.

 

إن هذا الفهم متفرع عن تصور بأنّ الإمام ليس له شغلٌ إلا بالعبادة أو التعليم، أو أنه يعرف الغيب وله ولاية تكوينية وما إلى ذلك، لذا فعندما يقرأ أحدهم مثل هذا الكلام يتعجب ويستغرب وكأن الإمام ليس كسائر الناس، يحب ويكره، ويفرح ويحزن، بل ويخاف ويتألم، وغير ذلك مما يكون في سائر بني آدم. ولا ينقصهم ذلك شيئا، بل يجعلهم أقرب إلى بشريتهم.

 

وحتى في البيت، لم تكن علاقتهم بأبنائهم علاقة مثالية تماما كما في أي أسرة، وقصة إسماعيل بن جعفر معروفة اذكرها بصيغة مختصرة: حيث دخل إسماعيل بن الإمام الصادق في تجارة مع رجل، فنهاه أبوه وقال له: يا بني، أما بلغك أنه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل: هكذا يقول الناس، فقال: يا بني لاتفعل. تقول الرواية: فعصى أباه ودفع إليه دنانيره، فاستهلكها ولم يأت بشئ منها….. الخ القصة.

 

بل إن الإمام الصادق نفسه لم يأخذ بنصيحة أبيه عندما كره له أن يتزوج امرأة معينة، وتزوجها ثم ندم على ذلك، فقد روى زرارة قال: حدثني أبو جعفر أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره ذلك أبي، فمضيت فتزوجتها. حتى إذا كان بعد ذلك زرتها، فنظرت فلم أرَ ما يعجبني، فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي، فقلت: لاتغلقيه لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالأمر كيف كان، فقال: أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر…...

 

هذا فضلا عما كان عليه بعض أبناء أخوتهم، فهذا محمد بن عبدالله بن علي بن الحسين، لقّب بالأرقط، وقيل في السبب: أنّه بصق في وجه الإمام الصادق جعفر بن محمّد (ع) فدعا عليه، قال أبو نصر البخاري: من يطعن في الأرقط، فلا يطعن من حيث النسب والعقب، وإنّما يطعنون لشيء جرى بينه وبين الصادق جعفر بن محمد (رض)، يقال أنّه بصق في وجه الصادق فدعا عليه فصار أرقط الوجه، وبِه نمشٌ كريهُ المنظر، وأمّا نسبه فلا مطعنَ فيه.

 

وهذا محمد بن إسماعيل بن جعفر فعلَ ما هو أقبح، فقد دخل على هارون الرشيد ووشى عنده بعمِّه موسى بن جعفر وقال له: ما ظننتُ أن في الأرض خليفتين حتّى رأيتُ عمّي موسى بن جعفر يُسلّم عليه بالخلافة!! فأرسل هارون إليه بمائة ألف، فرماهُ الله بالذبحة، فما نظر منها إلى دينارٍ ولا درهم.

 

وفي خبر: أنّه دخل في بعض الأيام إلى الخلاء، فزَحر زحرةً خرجت منها حشوتُه كلّها فسقط، وجهدوا في ردّها فلم يقدروا فوقع لِما به، وجاءه المال وهو ينزع فقال: ما أصنع به وأنا في الموت؟!!

هل ان عدم إيمان ابن نوح ع يقلل من مكانته، وهل يقلل من مقام لوط ع ان آمراته كانت كافرة.

 

روايات أهل البيت التي نقلها الرواة عنهم ودونها أهل الفقه والحديث واضحة، ولم يكن هذا ليمثل انتقاصا لهم وحاشاهم، وهم من اتفقت الأمة على فضلهم وعظم مكانتهم ورفعة درجتهم، كل ما في الأمر أننا ننطلق من تصورات معينة خاطئة خارجة عن الحدود البشرية، وعندما نسمع ما يخالفها نتعجب.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات