آخر الأخبار

كمال زاخر يكتب قصص روبير الفارس :جرأة إدريس وإسقاطات عبد القدوس

 



 

كمال زاخر

 

فى ظاهر الأمر تبدو القراءة متعة، وهى كذلك فعلاً، خاصة عندما يكون الكاتب موهوباً، لكنها متعة تأخذك إلى دوائر الأرق والانتباه معاً عندما يكون الكاتب موهوباً ومهموماً، والمناخ ضاغطاً وسقف البوح محاصراً، وحين تنتقل الرقابة إلى موجات ممنهجة توظف معطيات التواصل التى جاءت بها تقنيات الثورة الرقمية، لخلق حالة من العداء، حتى تكاد شاشات الهواتف تصرخ "اصلبه... اصلبه".




شئ من هذا حدث مع مجموعة قصص "نيافة الراعى والنساء" للصحفى والأديب الشاب روبير الفارس.

 

يبدو أن للعنوان نصيب فى استنفار واستثارة حفيظة حراس المعبد، لما يحمله من دلالة تشى بالدوائر التى تقترب منها القصص، وربما للظرف التاريخى الذى صدرت فيه نصيب فى هذا، مع تساقط قشور من عيون قطاع عريض من مرتادى المعبد، لتصطدم أبصارهم بما كانت جدرانه تحجبه عنهم.

 

ولم تكن عناوين القصص الداخلية بعيدة عن الاستنفار، وظنى أن القصص ليست مجرد خواطر أو حتى حكايات منفصلة عن بعضها، رغم أنها تبدو كذلك، بل هى اقرب إلى فصول متتابعة فى فيلم وثائقى محكم، تكشف أن الراعى الذى يترصده الكاتب يمكن أن تصادفه حيثما توجد السلطة وفى عديد من المهن، خاصة تلك التى يفترض فيها توفر الشفافية والنقاء.

 

وفيما يرصد الكاتب شخوص قصصه يحمّل سطوره انيناً عاشه ولم يبرح داخله، فى صدمته المتكررة بين طوباوية الصورة الذهنية ومرارة الواقع المعيش، وبراعة إخراج المشهد التى يملكها أبطال حكاياته.

 

اللافت أن الحكايات تكاد تنطق بوقائع عبرت أمامك أو تناهت إلى مسامعك، وبعضها رواها ثقاة، فى مجالسهم الضيقة، ومنعهم العار الطائفى أو العار المهنى، وربما توازنات العلاقات المجتمعية، عن البوح بها خارج هذا النطاق. وبعضهم يحتمون بثقافة "أن لا تعثر البسطاء" فى تبرير صمتهم. فيما ينخر السوس العظام.

 

براعة روبير فى انتقاله باحترافية بين مدرسة يوسف إدريس وما تحمله من رشاقة وصدمة، ومدرسة إحسان عبد القدوس المؤسِسة للإسقاط، وقد نجح فى مشاغبة عقل القارئ وخياله فى نعومة تتسلل إليك وتأسرك، فيما يقف بعيداً عن الخطوط الحمراء التى ترسمها أقلام الرقباء الذين يتصدون لمهمة الرقابة بغير سند..

 

لم يفارقنى بامتداد زمن القراءة ذلك التوصيف الذى أطلق على أسطورة الملاكمة الأمريكي، فى ستينيات القرن العشرين، محمد على كلاى "يلسع (يلدغ) كالنحلة ويطير كالفراشة".

 

إرسال تعليق

0 تعليقات