عز الدين البغدادي
دافع الشيخ مرتضى المطهري عن الرأي المشهور بعدم جواز تقليد الميت،
لأن البقاء على تقليد الميت نوع من التحجر والتمسك بالقديم، حيث يمنع من ظهور طرح
جديد ويجعل للقدماء السطوة، فلا يمكن للطرح الجديد أن يستقبل إلا بالرفض والتنديد.
وهذا كلام مرفوض ولوجوه كثيرة، منها:
• إن حجية رأي الميت لا تعني تعيّنه، فإن أقصى ما نقول أنه يجوز أن
نأخذ بقول الميت، ولم نقل: إنه يجب أن نلتزم بقول الميت، نعم يمكن أن يتوجه هذا في
الرد على من رأى وجوب تقليد الميت، كما هو معروف عن الجمهور.
• إنه ليس هناك أي تلازم بين تقليد الميت والتحجّر، إذ قد يكون
هناك رأيٌ ضعيف لفقيه حي، كما قد يوجد رأي وجيه ومعتبر لفقيه ميت. فهناك أموات
تمتعوا بفكر سديد ونظر لطيف وسليقة سليمة لا يتمتع بها من لوَّث ذهنه بمطالب
الأصول الحديثة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع؛ إن لم نقل أنها تضر، وما أكثر
الشواهد!!!! ولله درّ الفيض الكاشاني فما أحسن ما قال: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) وتميّز القولُ الميّتُ من
القولِ الحيّ, وكُشفَ الغطاء من البين, ولاح الصبحُ لذي عينين.
حيث قابل بين القول الحيّ والقول الميّت، لا بين الفقيه الحيّ
والفقيه الميت.
• إن القول بوجوب تقليد الحيّ هو عين التحجر لما فيه من غلق الباب
عن الانتفاع بآراء ووجوه أقوال الفقهاء الميّتين. ونحن نرى في هذا العصر أن هناك
الكثيرين من العلماء في مجالات العلوم المختلفة يرجعون إلى بعض الأفكار والمناهج
التي ذكرها القدماء، كما نجد فيما أصبح يعرف بالطب البديل مثلا.
• إنّ رجوع الناس لشخصين أو أكثر لا يعطل فرص آخر، وقديما قيل: كم
ترك الأوائل للأواخر!! ثمّ إنّ الناس يحتاجون إلى الحي في المسائل المستحدثة أو
تلك التي يتغيّر الحكم فيها بحسب الظرف، أو في القضاء وفي تعيين الهلال وفي مجهول
المالك وفي الإشراف على الأوقاف وفي مسائل تستحدث كما في كل علم وفن، فضلاً عن
وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس إلى المثل الأخلاقي الذين
يكون أسوة للناس وفي التصدي للبدع وصور الانحرافات التي لا يخلو منها عصر.
ومما مرّ عليك تبيّن لك أنّ ما اشتهر بين القوم من المنع من تقليد
الميت مطلقاً إنّما هو من الأقوال المبتدعة، والآراء المخترعة، وهو رأي شنيع وقول
فظيع، لا يدلّه عليه نقْل ولا يساعد عليه عقْل.
0 تعليقات