هادي جلو مرعي
يشعر بالوحشة حين تطأ قدمه أرض وطن آخر فلم يتعود هذا التغيير.
الهواء مختلف، والغيوم هنا غير الغيوم في الوطن.الغيوم هنا سمان
وهناك عجاف.والناس هنا مختلفون عنهم في الوطن. الذين في الوطن متيبسون حزينون
يشعرون بالكآبة والحالات النفسية المعقدة، وبرغم ذلك لايراجعون المصحات النفسية.
ففي الوطن يستحون من مراجعة الأطباء النفسيين لأن المرض النفسي نوع من العار. ربما
يشبه فعل الزنا والأفعال المحرمة والمنبوذة في عرف المجتمع.
البحر هنا مختلف مع إن الوطن ليس فيه من بحر لنقارن. وهناك إطلالة
على خليج ليس لنا، وهناك بعض الأفق المفتوح لغيرنا، وهنا ليس هناك شحوب كما في
الوطن، تتيح الحياة للمواطن هنا ظروفا مختلفة أكثر إيجابية.الناس في الوطن لايحبون
بعض، ويفضلون التباغض والتحاسد والغيبة والنميمة، والذهاب بعيدا في المشاكل.
مواطن مسافر حط قدميه على أرض وطن جديد، لكنه لم يستطع التخلص من
افكاره السيئة، ومن أحلامه المزعجة، ومن ناسه المبغضين له، والمتصيدين لأخطائه. لم
ينس سنوات الحرب القاسية، والجثث الممزقة، والسواتر العالية التي يمكن أن تتحول
الى مقبرة بمجرد أن تسقط قذيفة من مدفع معاد، وحين انتهت الحرب عاد الى أهله متيبس
المشاعر، ترتسم في ذاكرته صور القتلى، والأيدي والأرجل المقطعة والدامية، ثم يفشل
في الحصول على عمل، وتعترضه مشاكل الحياة، وملاحقات الباحثين عن الزلات.
سنوات تلت حاصره الحصار.لم يترك له الخيار، فظل يتخبط باحثا عن
أمل، عن أفق ما، فالطرق المخربة والأطيان في الشتاء، وحرارة الصيف، والأشجار
المتيبسة، والهواء السموم والأتربة، والوجوه المكفهرة، والنوايا السيئة تجتمع في
طريقه، وتحيله الى متسابق أعرج لايلحق بمنافسيه الذين يتبادلون النظرات، ويرمونه
بضحكات ساخرة، وينادون عليه: أعرج أعرج.
يشعر باليأس من أن يتغير شيء ما، فالوطن يبدو كالجسد الميت، والناس
لايعرفون إن كان يمكن أن يستفيق بالصعقة، أم إن إكرام الميت دفنه.
0 تعليقات