آخر الأخبار

التحامل والقطيعة الأبستمولوجيه مع الفلسفة الإسلامية - محمد عابد الجابري نموذجا –

 



 

أبو أحمد المهندس

 

 

أولا ، علينا أن نعرف من هو "محمد عابد الجابري " وماهي توجهاته الفكرية لكي يتبين لنا فيما بعد جدليته الفكرية مع الفلسفة الإسلامية وبالأخص مع مايسميهما "الفلسفة المشرقية" و"الفلسفة المغربية" !!

 

المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" شخصية قومية يقوم كل همه ونشاطه على أساس العقلانية العربية، وهو يطرح مشروعة الفكري من هذه الزاوية بالتحديد ، ولهذا فهو يولي أهمية للإسلام لكونه مرتبطا بالتاريخ العربي، فالجابري يمكن وصفه بالمفكر السياسي القومي ويدعوا الى دراسة تأريخ التفكير العربي والإسلامي دراسة نقدية بروح ايجابية منحازة.

 

وبعبارة أخرى ؛ "الجابري " يساوي بين التاريخ الإسلامي والتاريخ العربي ويسعى الى إعادة قراءة الإسلام برؤية قوميه، وحاله بذلك كحال المفكر الشيوعي "حسين مروة" الذي حاول هو أيضا قراءة التاريخ الإسلامي لكن من منظور ماركسي في نزعاته !!، ولهذا نجد "الجابري" قد كتب في السنوات الأخيرة من حياته تفسيرا للقرآن ، وهو أمر لافت للانتباه، ومن هنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي يدعوا "الجابري"-مع مايتبناه من منهج فكري وفلسفي- الى الاشتغال بتفسير القرآن مع انه لم يكن عالما متخصصا بعلوم القرآن؟؟!!!

 

في الجواب على هذا السؤال يمكن القول ؛ ان "الجابري" يعتقد بأن القرآن جامع لثقافة وتاريخ العرب، ولذلك فانه يرى ان في نقد القرآن والتشكيك فيه وعدم الاهتمام به نقدا وتشكيكا وعدم اهتمام بالثقافة والقومية العربية ، من هنا يعتقد "الجابري" انه يجب ايلاء القران أهمية كبرى.

 

وبالحقيقة ان تفكير "الجابري" يقوم على احترام التاريخ والثقافة الإسلامية والعربية هذا من جهة ، الا انه ينتقد ما يسميه الفلسفة التجريدية لابن سينا وصدر الدين الشيرازي وبشدة من جهة أخرى ، معتبرا هذا النوع من التفكير تفكيرا فارسيا دخيلا لايمت الى العروبة والعقل العربي بصلة ، وان الذهنية العربية تختلف عن الذهنية الإيرانية والهندية ، ولذلك وحسب مايعتقده هو ، نجد ان الذهنية العربية فاقدة للأفكار الصوفية والعرفانية !! .

 

ولكي تتبين لدينا هذه الجدلية (الفلسفة ، والتصوف/العرفان) في الفكر الإسلامي، علينا ان نعترف انه مهما كان حجم الاختلاف بين الفلسفة و(التصوف/ العرفان) ؛ فهو لا يعدو أكثر من شعرة سرعان ما تقبل القطع في الفكر الإسلامي ، حيث فيه ينقلب الفيلسوف ليكون عارفاً، كما وينقلب العارف ليكون فيلسوفاً. ولهذا الاختلاط يصبح من الصعب أحياناً التمييز بينهما والحكم بأن هذا فيلسوف وذاك عارف.

 

فإذا كان من الواضح إن أرسطو وابن باجة وابن رشد هم من الفلاسفة الصريحين، وكذلك إن إبن عربي والآملي والكيلاني هم من العرفاء الصريحين؛ فإن من أمثال ابن سينا والغزالي والسهروردي وصدر المتألهين يمكن عدّهم باعتبارات معينة فلاسفة، وباعتبارات أُخرى عرفاء ذوي نزعة صوفية . يضاف إلى أن هناك بعض الفلاسفة المسلمين من لهم مداخل يدخلون من خلالها إلى غير البيوت المخصصة لهم، كما هو الحال مع إبن باجة، فمع أنه فيلسوف قح لكن له بعض المداخل الصوفية التي يتسلل من خلالها إلى بيت العرفان. بل إن هذا الأمر ينطبق على ابن رشد أيضا ، فهو يتسلل أحياناً إلى موقع آخر غير موقعه كفيلسوف.

 

كل هذا التلون والاختلاط إنما يعود إلى وحدة الجامع المشترك لدينامو التفكير الفلسفي الإسلامي المتمثل بمبدأ السنخية او العينية !!

 

 

والجابري من هؤلاء الذين يعدون (التصوف/العرفان) ، عبارة عن (عقل مستقيل)، ويضعون بينه وبين الفلسفة حاجزاً أصماً ، وتحدث عنه في مشروعه (نقد العقل العربي)، وعرفه بأنه ذلك العقل الذي قدم استقالته من وظيفته الإبداعية والنقدية وبات عاطلا عن العمل تقريبا ، وسلمها لجهات اخرى في مقابل العقل المستقل والمبدع والعامل !!!، وقد لاقت نظرية (العقل المستقيل) انتقادات الكثيرين ، أبرزهم المفكر السوري"جورج طرابيشي " في كتابه المهم ( العقل المستقيل في الإسلام) ، واعتبر فيه تحميل "الجابري" الاستقالة للغزو الخارجي ، هو ترديد لمقولات المستشرقين وأنها تحتاج الى إعادة نظر !!

 

صحيح إن الاتجاه (الصوفي/ العرفاني) غالباً ما يبعد التفكير العقلي عن دائرته، كما إنه كثيراً ما يظهر العلاقات المعرفية اللا معقولة، بحيث أنه يمكن أن يستدل من أي شيء على أي شيء، مغالياً بذلك لبسط قانون السنخية على مختلف العلاقات، أو لخدمة أغراضه المذهبية الآيديولوجية.. لكن رغم هذه المظاهر التي تلبسه ثوب (اللا معقول) أو (العقل المستقيل)كما يسميه "الجابري" ، فإنه يظل من حيث الأساس مشدود الحركة والارتباط بدينامو تفكير هو نفس الدينامو الذي يشغّل حركة التفكير الفلسفي، وإن اختلفا في بعض الاعتبارات. وليس أدل على قوة الفكر (الصوفي / العرفاني) من أن نتائج العلم المعاصر في فهم الطبيعة أصبحت تتماثل إلى حد بعيد مع تلك التي وضعها المتصوفة والعرفاء طبقاً لاعتبارات السنخية، علما ان مفهوم السنخية مفهوم مشكل ومتداخل مع مفهوم العينية والاشتراك اللذين لا أميل إليهما شخصيا ، واعتقد وقد أكون مخطيء أنهما (السنخية والعينية) من الشرك الخفي (ولنا وقفة معهما ان شاء الله).

 

على ذلك فإن ما يقيمه "الجابري " من حاجز معرفي أصم بين الفلسفة و(التصوف/ العرفان) لا يسعه أن يفسر ما كشفنا عنه من الارتباط والاشتراك إلى درجة يكاد يصل إلى حد التماثل بينهما في الرؤية، استناداً إلى ذلك الجامع المشترك لدينامو التفكير الوجودي(السنخية والعينية).

 

وعلى أساس هذه المنهجية العنصرية ، طرح "الجابري " فواصل مكبّرة بين أرسطو وابن باجة وابن رشد وحتى إبن طفيل من جهة، وبين الفارابي وابن سينا والغزالي والإسماعيلية والعرفاء والاشراقيين جميعاً من جهة أُخرى. كما وضع فواصل مضخّمة بين ما يسمى بالفلسفة المشرقية والمغربية !!،

 

فما حقيقة هاتين الفلسفتين؟ وما هو معيار التمايز بينهما؟؟!!، ولماذا لم يوافق "الجابري " على رأي الدكتور عبد الرحمن بدوي القائل بأن (المشرقيين) في اصطلاح إبن سينا هم المشاؤون المعاصرون له من أهل بغداد، وأن (المغربيين) هم شراح أرسطو من أمثال الاسكندر وثامسطيوس ويحيى النحوي؟؟!!، وماهي حقيقة الزعم الجابري بوجود فواصل جذرية بين الفكر الاورسطي وبين فكر "المشرقيين" ومنهم ابن سينا وزعمه ان هناك قطيعة معرفية بين الفكرين المشرقي والمغربي !!

 

وكيف استفاد "الجابري" من بعض النـصوص التـاريخية التي ذُكر فيها اقتران اسم العراق في قبال بلاد خراسان كمشارقة، الأمر الذي جعله يعتقد أن العراق أو بغداد هو بمثابة المغرب !!

 

وكذلك كيف قسم " الجابري" في كتابه "بنية العقل العربي " أتباع نومينيوس الأفامي الى مغربيين من أمثال افلوطين وشراح أرسطو كالاسكندر، والى مشرقيين كبوزيدون وامليخ وبرقلس وفورفوريوس الصوري والفـارابي وابن سينا، ووصفهم هم «الذين عـملوا على عقـلنـة العـرفـان» ؟!!!

 

ولماذا اتهم ابن سينا في كتابه " نحن والتراث" بأنه يحمل آيديولوجية قومية (فارسية) خلف مشروعه الخاص بـ (الفلسفة المشرقية) ضد الفلسفة المشائية المغربية، وهو الأمر الذي يفسر نقده لشراح أرسطو وكذلك تابعيه من المشائيين الإسلاميين سوى الفارابي !! باعتباره يلتقي معه في النزعة المشرقية. كما واعتبر أن هذا الدافع الآيديولوجي قد ظهر صراحة أيضا عند تابعه ومقلده الشيخ السهروردي، فهو الآخر يدعو إلى نفس المآل !!

 

وان إبن سينا في نظره (وفي نفس الكتاب ) محملاً بأقوى شحنة مشرقية مضادة لفلسفة أرسطو والمغربيين!!!. وانه قد بلغ أرقى درجات التضاد والتناقض مع أرسطو. فهو يعد فلسفته الفيضية وما تتضمنه من اعتقادات حرانية!!!، ليس لها أثرا في الفلسفة ألارسطيه. فمع أن شيخه الفارابي هو الآخر كان محملاً بتلك الشحنة الحرانية حسب وجهة النظر المتطرفة للجابري ، خاصة فيما يتعلق بنظرية الفيض ؛ لكنه مع ذلك لا يصل إلى ما انتـهى إليه الشيخ الرئيس !!. فالفارابي في نظر الجابري بلغ في عصره أوج عقلانية متفتحة وصل اليها الفكر الإسلامي في المشرق العربي بعد أن حمل لواءها المعتزلة، في حين إن ابن سينا ارتد عن هذه العقلانية «إلى لا عقلانية ظلامية قاتلة»!!! والحقيقة أنه لا يوجد فارق جوهري بين الفيلسوفين…

 

إرسال تعليق

0 تعليقات