علاء الدين شهاب
لم يقفز الإسلام على سطح الأحداث اعتباطاً ولم يحتل تلك المكانة
المهمة في تاريخ الأديان و الحضارات جزافاً ، وإنما أثبتت المراحل الزمنية السالفة
عن استحقاقه المؤكد لخوض غمار الحياة بأريحية واضحة واستقلالية بارزة ، والتعايش
مع باقي الحضارات و المجتمعات باحترام وتقدير كبيرين ..
فعلى الصعيد العقائدي مثلاً نجد مئات بل آلاف النصوص التي تثبت
عالمية الإسلام عن استحقاق و جدارة . فالدستور القرآني العظيم ( ليس البر أن تولوا
وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين...
الآية) .
يؤكد على أولوية الأسس الإيمانية الثابتة و أهميتها قبل الأهمية
الجهوية للاماكن التي ارتبطت بالتشريعات الخالدة . نعم هناك قدسية للاماكن قد
ارتبطت بالتشريعات والأحكام الثابتة في نصوص القران الكريم والسنة النبوية المشرفة
، ولكن قبل أحكام التشريع كان لابد من التأكيد على الجوانب العقائدية الثابتة من إيمان
بخالق تلك الأماكن و منشئها ثم الاستسلام لتشريعاته المقدسة المبثوثة في النصوص
المحكمة .
ثم إن الآية الكريمة تُلزم المسلم الزاماً راسخاً بوجوب الإيمان
الحتمي بالأنبياء والرسل وتؤكد عليه بل تعده ركناً مهماً من أركان المنظومة الإيمانية
التي ينادي بها هذا الدين الخالد . ان الانفتاح على الشرائع السماوية الأخرى
والالتقاء معها في ثوابت إيمانية أساسية ومبادئ تشريعية ثابتة يجمع عليها الحكماء
والعقلاء من البشر كحرمة القتل والسرقة والزنى وغيرها من كبائر الذنوب ثم ان التأكيد
على القواسم الأخرى التي تنادي بها الفطرة السليمة كالصدق والعفاف وإغاثة الملهوف
وفك الأسير وبر الوالدين و غيرها من الأخلاق الإنسانية السامية لهي من أسباب قوة
هذا الدين العظيم كما ان إباحة طعام أهل الكتاب وجواز الاقتران بنسائهم يعكس مدى
مرونة هذا الدين وانفتاحه على باقي الحضارات و التشريعات .
أما على الصعيد الأخلاقي و البناء الاجتماعي ، فهناك نصوص كثيرة ،
تتداخل فيما بينها وتتجانس لتشكل منظومة اجتماعية رائعة . لاحظ مثلاً قوله تعالى :
( يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من
نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ... ) الآية .
إن السخرية هو داء العصر بل هو داء كل العصور فجاء النص القرآني
حازماً وحاسماً لقطع دابر الفوضى الناجمة عن كل تحقير و استهزاء و تصغير . وان
دينا يبالغ في النهي عن تلك الخصلة الذميمة للرجال والنساء على حد سواء لهو دين
سماوي بلا شك ولا ريب . اذ في أحضان الأمهات تنمو الأجيال و تترعرع كما هو معروف
ومن اثدائها ترضع القيم والمبادئ ولذلك جاء الحث على المبالغة في النهي لكلا
الجنسين و خص النساء بالذكر لانهن منبع التربية و أساسها .
ثم ان الإسلام دين الوسطية و الاعتدال حتى في الحروب و الغزوات (
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ، ان الله لا يحب المعتدين)
دستور قراني خالد يمنحك حق الدفاع عن نفسك و يعطي للآخرين انطباعا بان هذا الدين
قوي و عصي عن الذوبان و الاضمحلال وانه في ذات الوقت دين الرافة والرحمة فلا مكان
للاعتداء في صفوفه ولا مكانة للتجبر و الطغيان في نظامه بسر قانون (ولاتعتدوا) .
ثم ان الحديث النبوي العظيم (لا ضرر ولا ضرار) معادلة نبوية وقانون نبوي عام تندرج
تحته آلاف المسائل و تنحل بتلك الكلمتين المعجزتين آلاف الاختلافات الدنيوية على
مستوى الأشخاص والأفراد بل وعلى مستوى المجتمعات و الأمم أيضاً . ومن تأمل قوله
عليه الصلاة والسلام (استوصوا بالنساء خيراً) أدرك سمو هذا الدين و عظمته . إذ سبق
الإسلام - بتلك المقولة السمحة - كل النظريات الحديثة والجمعيات الإنسانية التي
تطالب بحقوق المرأة وإنصافها . وهي كلمة بها من جمال الصورة وبلاغة الحرف ورقة
المعنى مايغني عن تسويد آلاف المجلدات وعقد مئات المؤتمرات . ومن تأمل في كتب
الفقه و الحديث من أحكام دقيقة و عادلة للحامل والمرضع و الزوجة والمطلقة و الأرملة
أدرك بلا ريب عالمية الإسلام وعدالته وصلاحيته لكل زمان ومكان .
كل عام وانتم بألف خير و عام هجري مبارك على الجميع
0 تعليقات