عز الدين محمد
منذ زمن غير قليل كتبت عبارة في وصف الإسلامي السياسي تقول: "الإسلام
السياسي تعبير مركب من لفظين: إسلام وسياسة إلا أنه لا يحمل سمات أي منهما فلا هو
إسلام ولا هو سياسة".
كما كان متوقعا فقد أثارت تصريحات آمر لواء أنصار المرجعية السيد
حميد الياسري كثيرا من الأخذ والرد بسبب قوتها وصراحتها الزائدة، وقد رأيت بعضهم
وهو ينتقد كلام الياسري لأنه يدافع عن حدود سايكس بيكو!! أو يتهمه بأنه قومي‼
وهناك من قال بأن الحسين ع عندما هاجر من الحجاز إلى العراق لم توقفه حدود وغير
ذلك من كلام ممتلئ بالقرف واللا منطق.
رغم كل التجارب المرة لا زال بعضهم يردد نفس الكلام بطريقة لا تدل
على ذكاء، فهم يعتقدون بأن الحسين هاجر من دولة إلى دولة أخرى وبما أن هذا حصل في
ذلك الوقت فلا اعتبار للحدود.. يبدو أننا أمام رؤية داعشية لا تعترف بالدولة
الحديثة وترى أنها رجس من عمل الشيطان.
لا زالوا يرددون بأن الدول الإسلامية ليس بينها حدود رغم أن احدهم
لو سافر إلى تلك الدولة الإسلامية دون اعتبار لتك الحدود فسوف يحبس ويهان. يتهمون
من يختلف معهم بأنه قومي وكأن القومية والوطنية عار أو خزي، وهم لا يعلمون أن الإيرانيين
أكثر الشعوب ولاء لوطنهم وتعصبا لقوميتهم. النجاح النسبي لتجربة إيران والفشل
المطلق والمخزي لتجربة العراق ترجع إلى إيمان الإيراني بدولته واحترامه لشعبه،
وإلى انعدام الإيمان بمفهوم الدولة عند المتدين والفقيه في العراق حتى عندما صار
الأمر إليه.
من المعروف أنّ لكل دولة حدوداً تحدّد أراضيها وتمنع من التجاوز
عليها، وتمارس سيادتها ضمنها. وهذه الحدود هي خطوط وهمية من صنع البشر، لا وجود
لها في الأصل. ويتم رسمها كخطوط لتحدّد الأراضي التي تمارس فيها الدولة سيادتها،
والتي تتمتع فيها هذه الدولة وحدها بحق الانتفاع والاستغلال، والتي تكون ذات خصائص
معينة مثل اللغة والقوانين والعملة وإجراءات السّفر والجمارك وغيرها.
ومع ذلك لا زالت نظرية الإسلام- السياسي ترى بأنّ الحدود أمر
مصطنع، وأنّ الدول الاستعمارية الكافرة هي التي وضعتها، وهي التي صنعتها، وأن بلاد
المسلمين لا توجد حدود بينها واقعا، ولا يمكن الاعتراف بها. وهذا الكلام كعادة
آراء نظريات الإسلام- السياسي هو مجرّد كلام لا يتجاوز التنظير العاطفي الّذي لا
يمكن أن يكون واقعيا، ولا يمكن النقاش معه على أنه كذلك. إنّ الحدود حقيقة
قانونيّة وسياسية، كما إنها تمثّل حاجزا واقعيّا بين وضعين سياسيين مختلفين، وأيضا
اقتصاديين مختلفين، واجتماعيين مختلفين. وليس هذا فقط، بل إن تحديد الحدود وإن كان
فعلا بشريا لا تحتاج إلى نص قرآني لتحديدها إلا إنه كمعاهدة داخلة ضمن عموم (
أوفوا بالعقود)، وبالتالي يجب احترامها شرعا.. فضلا عن أن كل دول العالم بينها
حدود تثبتها معاهدات فهل يجب إسقاط كل هذه المعاهدات كي لا نقع في الإشكال الشرعي
ونرفع الحدود بين الدول؟! إن رفع الحدود بين دولتين ليس أمرا مستحيلا، إلا أنّه لا
يمكن أن ينجح إلا إذا كان هناك ما يتجاوز الرؤية الفكرية أو الإرادة السياسية بأن
يكون هناك تقارب في الوضع الاقتصادي حتى لا ينتج مشاكل اقتصادية كبيرة، وتوافق
اجتماعي بدرجة ما لكي لا تحدث مشاكل بسبب اختلاف شعبي البلدين في المزاج والتقاليد
بشكل حادّ. وإذا لم يكن هناك تقارب فلا يمكن أن ينجح أي مشروع لرفع الحدود بين
بلدين، بأي شكل كان. هذا على مستوى دولتين، أما إذا كان على مستوى عدد كبير من
الدول يتجاوز الخمسين دولة (الدول الإسلامية)، فيمكن أن تتصوّر سذاجة هذا الطرح.
أعتقد بأن هذه المرحلة التي نعيشها تحتاج إلى تنمية الدول، وإلى التعاون فيما
بينها في سبيل تحقيق ذلك. وبعد ذلك.
وأخيرا أتمنى ممن يتبنى هذه الفكرة أن يبين لنا التوجيه الفقهي
الذي على أساسه قامت الجمهورية الإسلامية بقطع كل الروافد عن العراق.
(ملاحظة: من كتاب "في نقد الإسلام السياسي")
0 تعليقات