أبو أحمد المهندس
كتبت " د. جاكلين روس" أستاذة السوسيولوجي في كلية
بيركبيك - جامعة لندن ، والحاصلة على الماجستير من السوربون في باريس والدكتوراه
من جامعة لندن ، في كتابها الممتع ( مغامرة الفكر الأوربي : قصة الأفكار الغربية )
، والتي تأخذنا فيه إلى رحلة تأملية عن ” الفكرة ” ، فتقول :-
( ما الفكرة ؟؟! ، هذه “ كلمة ” خضعت لتحولات دلالية عميقة عبر
تاريخها : فالفكرة عند "أفلاطون " تشير الى نموذج مُدرك للواقع ، أما
عند "هيغل" ، فهي عين مبدأ الجدلية .
أما في نظرنا فالفكرة تمثل ، شكلاً مثالياً يعطي العالم إطاراً
ومعنى ، ويوحده، وينظمه خلفه . ذلك أن الفكرة تجسد وحدة جدلية حية ، انها صورة غير
ملموسة ، لكنها تجمع أحداث التاريخ ، وترشدنا، وتنيرنا، وتقودنا، للتطور، للتاريخ،
لحقوق الإنسان، للعقل، للعلم : كلها أفكار ليست حيادية أبدا أو خارجة عن ذواتنا،
بل تشكل واقعاً موضوعياً كاملاً، وعالماً من التصورات العليا، ومجموعة من السلطات
الخاصة والقائمة بذاتها.
بالطبع تتميز الفكرة وتختلف عن الإيديولوجية التي هي نظام أفكار
ومفاهيم مجتمعة حول بعض المبادئ الأساسية والهادفة الى تفسير العالم . يقول
الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "ريمون ارون " :-
” نهاية الإيديولوجيات ، نهضة الأفكار ” . وهو عنوان لأحد أبحاثه، فالإيديولوجية
، بالإشارة الى الماركسية مثلا ، وهي إيديولوجية بامتياز ، تتضمن نقصاً عاما ،
وعجزاً ، وخطأ أو مغالطة !!
فالايدولوجيا ، تعني مفهوماً وهمياً للعالم أو مفهوما مخادعاً ،
نوعاً من الخليط الذي تمتزج فيه اللاحقائق .
أما الفكرة فلاتتماهى مع الوهم الايدولوجيا ، لأنها إنتاج ضروري
وروحي يرشد البشرية . فمن دون أفكار ، لايمكن للفرد إلا أن يتقهقر و يموت ، يمكن
للوجود أن يكون إنسانيا من دون اطار إيديولوجي ، ضامن ومطمئن ، ولكن لايمكنه أن
يكون إنسانيا من دون افكار !!!
ولايمكن للفلاسفة أن يحصرو الأفكار بذواتهم ، فالفنانين ، والثوار
، والعلماء ، ومؤسسي الأديان ، والشعراء ينظمون هم أيضاً العالم ويتفكرونه . هم
أيضاً بحاجه الى تصورات كاشفة ، وفئات روحية جامعة….
سنة 1789، أعلن رجال الثورة الفرنسية حقوق الإنسان وهي حقوق أساسية
لكل الأفراد ، وكذلك وضعت اليهودية والمسيحية فكرة الخلاص كمدخل لحالة الغبطة
الأبدية بعد الموت ، وكعودة الى الله المتعالي ، الذي فُصل عنه الإنسان بسبب خطيئة
ادم !!
ثم لايمكن اختصار تاريخ الأفكار بتاريخ المذاهب الفلسفية، تظهر الأفكار
هنا في المعنى الواسع للكلمة : انها تصنيفات فلسفية مجردة وأيضا مفاهيم تتعلق
بالعلم، بالفن، أو بالدين .)
0 تعليقات