محمود جابر
لم يكن إعلان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح من ان مجلس
النواب سوف يسحب ثقته من البرلمان، أمرا طارئ فى الواقع الليبى، ولكن تصريحات
عقيلة كانت كاشفة لحجم التعثر الذى تعانى منه خارطة الطريق الليبية.
فقد أوضح رئيس مجلس النواب الليبي أن "استجواب الحكومة يهدف
لمواجهتها بشأن التقصير في عملها"، متهما حكومة الدبيبة بأنها "منحت
(مجموعات مسلحة) ميزانية أكبر من ميزانية الجيش"، وشدد على أن الحكومة
"خلال 10 أيام يجب أن تحضر إلى مجلس النواب للاستجواب".
ووجه صالح انتقادات أخرى لحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد
الحميد الدبيبة، مشيرا إلى أنها "فشلت في توحيد المؤسسات، وتوفير متطلبات
المواطنين من الغذاء والدواء والكهرباء، والمصالحة الوطنية، والاستعداد
للانتخابات"، مضيفا أن "مجلس النواب سيقرر بقاء حكومة الدبيبة أو رحيلها
بعد الاستماع إليها".
فالواقع الليبى يكشف أن أجواء التفاؤل التي كانت تحيط بعملية
التسوية في ليبيا بعد التوصل إلى اتفاق جنيف، ثم إقرار «خارطة الطريق» وتشكيل
السلطة الانتقالية من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، تمهيداً لتوحيد
المؤسسات السيادية والإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل
كل هذا الامل قد تبدد!!
فقد شهد تنفيذ خارطة
الطريق تعثراً شاملاً؛ إذ لم يتم اتخاذ خطوة جدية واحدة في اتجاه حل الميليشيات
الإرهابية والقبلية المتعددة فى طرابلس وفى اغلب المدن الليبية، وخاصة المنطقة الغربية؛ ولكن الأغرب ليس فى عدم حل الميليشيات بل فى
دعوة البعض بل بحل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ومعترف به برلمانيا
ودوليا، بنص قانون المصالحة وخارطة الطريق وكونه طرفا أصيلا في لجنة «5+5» المنوط
بها تنفيذ الجانب العسكري من خارطة الطريق، بما في ذلك الإشراف على حل الميليشيات،
وخروج المرتزقة الأجانب، والقوات الأجنبية من البلاد، وتشكيل قوات مسلحة ليبية
موحدة.
بل ان الجماعات التى تطالب بحل الجيش ترفض فتح الطريق الساحلي بين
طرابلس وبني غازي، بعد ان استغرق الاتفاق ذهابا وإيابا أشهر من المفاوضات، ولكن
تلك الميليشيات وضعت نهاية لاشى اتفاق برفضها فتح الطريق وبالتالي إغلاق خارطة
طريق الحل.
حكومة أم برلمان
فالمشكلة الابدية قبل وبعد جنيف تكمن فى الخلاف بين حكومة فى
طرابلس وبرلمان فى بنى غازى، ورغم اختفاء هذه المشكلة بعد جنيف ولكنها لم تنتهى
وظلت خفية إلى ان خرجت اليوم الى العلن بعد تصريحات عقيلة صالح، وكان موضوع الخلاف
وما يزال يكمن فى توحيد المؤسسات السيادية الليبية وفى مقدمتهم المصرف المركزى
والجيش .
وكانت كلمة السر فى تفجير الصراع هى كلمة او بند (( الطوارئ)) حيث
خصصت الحكومة بندا فى الموازنة الليبية الجديدة سمته بند (( الطوارىء)) وهذا البند
خصصته الحكومة لدفع رواتب الميليشيات التى لا تريد حلها .
الخلاف بين البرلمان وحكومة الديبة نشا على خلفية موازنات يراها
البرلمان مبالغ فيها وفق المدى الزمنى للحكومة، ولا يوجد تفسير لمثل هذا
الميزانيات سوى أبواب خلفية للفساد ودعم الميليشيات وأمرائها، ودعم تركيا بمبلغ 4
مليارات دولارا ممن خلق حالة من الريبة، هذه الريبة دفعت برئيس البرلمان الى
مطالبة رئيس الحكومة بالحضور والمساءلة القانونية والتلويح بسحب الثقة وسط رفض
الحكومة الاستجابة لطلب البرلمان، كل هذا بدد حالة التفاؤل التى كانت تسيطر على
المشهد الليبى ليحل محلها شبه خلاف أشبه بالذى كان فى ظل حكومة السراج.
حيث أن الأوضاع الأمنية والسياسية والصراع المسلح بين الميليشيات،
كلها أمور تُلقي بظلال كثيفة من الشك على إمكانية إجراء الانتخابات، وحتى لو أجريت
هذه الانتخابات ، فلن تتم فى أجواء طبيعية في ظل الفوضى الأمنية الضاربة غربي
البلاد وعاصمتها، حيث يوجد التجمع الأكبر من السكان.
ووسط هذا الخلاف والفوضى والتشكك تأتى جماعة الإخوان المسلمين فى ليبيا والتى تدعو
الى إقرار دستور جديد أولا حتى لو تم تأجيل الانتخابات، لكن هذا الطلب قوبل برفض
دولي وداخلي عام، فانتقلوا إلى الإلحاح على إجراء انتخابات برلمانية، ثم يقوم
البرلمان باختيار رئيس للبلاد، وفى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم فقد لوحت الجماعة
بتعطيل اى انتخابات بعدم الاعتراف بها، وبالتعطيل بالقوة المسلحة عن طريق ميليشيات
الجماعة،
بيد ان البرلمان دخل على الخط وقطع الطريق على جماعة الإخوان بإقرار مشروع قانون
يقضى بإجراء انتخابات رئاسية، وهو الأمر الذى أشعل الموقف أكثر واكثر.
بدا ذلك فى اتجاه الاخوان بحشدهم لأكثر من ألف مركبة عسكرية في طرابلس وما حولها،
استعداداً لضرب الميليشيات المتعددة في المناطق الغربية وفرض سيطرة جماعة
«الإخوان» على الغرب، بما يؤدي إلى خلق واقع «تقسيمي» يجعلها قادرة على فرض سيناريو
تعطيل الانتخابات، أو سيناريو الفوضى الشاملة التي تجعل إجراءها مستحيلاً.
وهنا تدخل رئيس البرلمان والذى حذر من مخاطر التقسيم المناطقى والجهوى، كل هذا جعل
المراقبين يحرون من خطر اندلاع حرب جديدة فى كل ليبيا ما بين الميليشيات بعضها
وبعض وما بين الميليشيات والجيش الوطنى الليبيى مما يدخل البلاد مجددا إلى شبح حرب
أهلية جديدة، بعد تعثر كافة الحلول السياسية وتعطل خارطة الطريق.
0 تعليقات