عز الدين البغدادي
"الجزائري" لقب يتردد كثيرا عندما تقرأ في تراجم علماء
الإمامية المتأخرين، واللقب جاء من "الجزائر" وهي مناطق الأهوار في جنوب
العراق والتي كانت تسمى سابقا بالبطائح.
ومن الأسر العلمية العربية
الشريفة التي حملت هذا اللقب تلك الأسرة التي يرجع نسبها إلى قبيلة بني أسد
القاطنة على ضفة الفرات الأدنى المعروفة منازلهم بالجزائر والتي غير اسمها لاحقا
إلى الجبايش، وقد أنجبت عددا هاما ومتميزا من علماء الامامية أقربهم زمنا وأشهرهم
ذكرا بالنسبة لهذا الزمن آية الله الشيخ عبد الكريم الجزائري المتوفى سنة 1962.
من أعيان هذه الأسرة الأقدم زمنا الشيخ عبد النبي بن سعد الجزائري
المتوفى سنة 1021 هـ، له مصنفات كثيرة، لكن أهمها كتاب "حاوي الأقوال في
معرفة الرجال" في أربعة أجزاء، وهو أول كتاب رتب فيه الرجال على أربعة أقسام:
الصحيح، الموثق، الحسن، الضعيف. وقد انتقده كثيرون لذلك، وقالوا بأنه كان شديدا
على بعض أصحاب الأئمة، وإنما انتقدوه لأنه حدد الضعفاء بشكل صريح ولهذا عبر عنه
بعضهم بابن الغضائري الثاني لأنه يقاربه في المنهج.
ومنهم الشيخ احمد بن إسماعيل الجزائري الذي اشتهر بكتابه الهام
"قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر " وهو من الكتب الهامة عند
الامامية في آيات الأحكام.
أما في القرن الماضي فقد اشتهر منهم شقيقان: الأول هو آية الله
الفقيه الشاعر الأديب عبد الكريم بن علي الجزائري، وقد عرف بمواقفه الوطنية ضد
الانجليز، وكان ممن أفتى بدعم انتفاضة مايس 1941، وقد سمعت بأنه تميز بوعي سياسي
عال ومتميز.
ذكره السيد محسن الأمين
في" أعيان الشيعة" وقال عنه: « من مآثره مساهمته في دفع الاحتلال
الإنكليزي للعراق. بعد إن كان العراق إحدى الجبهات الكبرى للحرب العالمية الأولى
فكم أنقذ من هلكة وحل من مشكلة وكم ناضل وكافح في مواقفه المشهودة في الجبهات
الدفاعية حول الحويزة وكوت الامارة"، كان المستشار الأول لأبي الحسن
الإصفهاني والعمادة لزعامته وكان ملك العراق فيصل الأول يحتفي برأيه ويبادله
المشورة ويحترم رأيه.
والثاني هو محمد جواد الجزائري، عرف بمحاربة الإنجليز وجهاده ضدهم،
وهو مؤسس أول جمعية إسلامية سرية في العراق. له ديوان شعره وفلسفة الإمام الصادق
ونقد الاقتراحات المصرية في تيسير القواعد العربية، كما اشتهر بقصيدته "حل
الطلاسم" وهي قصيدة طويلة معارضة لقصيدة "الطلاسم" للشاعر اللبناني
إيليا أبي ماضي التي اشتملت على تشكيكات حول العقائد الدينية، وقد اشتهرت قصيدته وحازت
على استحسان كثير من أهل الأدب والشعر والفكر والدين.
وأما جهاده فشيء عجيب ما رأيت له مثيلا في قوته وإصراره إلا الشيخ
محمد الخالصي رحمه الله، ساهم في الدفاع عن كيان الوطن عند هجوم المستعمر
البريطاني، حيث حارب الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، ثم أسس ورفاقه جمعية سرية
إسلامية بعد الاحتلال البريطاني للعراق أطلق عليها اسم (جمعية النهضة) وهي أول
جمعية سرية في العراق، عملت على طرد المستعمر، وهيأت لثورة النجف عام 1918.. اعتقل
في معتقل "أم العظام" ببغداد، وعذب وسجن ثم نقل إلى الشعيبة مكبلاً
بالحديد، ونفي وسجن سنة وعشرة أشهر. ثم تدخل محمد تقي الشيرازي فكتب إلى الشيخ
خزعل أمير المحمرة والأحواز ليطلق سراحه. عاد إلى النجف واشترك في الثورة العراقية
الكبرى 1920 ضد الإنجليز، وقاد جبهات الفرات الأوسط المسلحة، وضرب الحصار على
الإنجليز في مدينة الحلة، فحكم عليه بالإعدام من قبل الاستعمار البريطاني، وأسموه
(الخصم العنيد)، فالتجأ إلى جبال حمرين، حتى صدر العفو العام عن الثوار.
استمر في جهاده ضد الإنجليز بعد ذلك، حيث حاول المستعمر البريطاني
تفكيك الوحدة العراقية وتقسيم البلاد إلى دولتين: شمالية وجنوبية، فبذل الجزائري
كل طاقته ليحث الطرفين على الوحدة، وألقى قصائد حماسية في ذلك، حتى بدد حلم
المستعمر، واستمر في رعاية مصالح الشعب ومحاربة المستعمرين وأذنابهم الخونة حتى
آخر حياته، وهو مع كل ذلك مستمر في عمله في التدريس.
الشيخ عبد الكريم خلف ولدا هو الشيخ احمد الجزائري، وكان هذا المعمم
احد قيادات حزب الاستقلال ذي التوجه القومي، واحد أهم الشخصيات القومية الهامة في
العراق، وقد سافر الى مصر وتوفي هناك في حادث سير 1962.
أما الشيخ محمد جواد فقد خلف أيضا ولدا هو الشيخ عز الدين الجزائري
المتوفي سنة 2011 الذي يعتبر أبا للحركة الإسلامية في العراق، حيث أسس حركتين
سياسيتين هما: "منظمة الشباب المسلم"، و"منظمة المسلمين
العقائديين". وقد انتشر تنظيمهما في المدن العراقية.
هذا مثال على أسرة عربية كريمة، عرفت بمواقفها الوطنية لكن لا يعرف
عنها إلا القليلون للأسف.
ملاحظة: الصورة لآية الله الشيخ عبد الكريم الجزائري (ره)
0 تعليقات