آخر الأخبار

باقر الصدر الدين والايدولوجيا وخلط مالا يخلط

 






 

محمود جابر



ما يزال البعض يعتقد أن (الايدولوجيا) كلمة مرادفة (للدين)، حتى إن رجل بقامة محمد باقر الصدر تناول الماركسية باعتبارها رسالة عقائدية، وليته صمت عند هذا الحد بل راح يقول ( العصمة العقائدية التى لابد ان تتوفر فى قائد ماركسي هى نفسها العصمة فى حدود هذا المنطقة التى تعالجها الرسالة العقائدية الماركسية) ولا اعلم من أين أتى باقر الصدر بفكرة العصمة عند قائد الماركسية أو أئمتها، سواء كانت عصمة تكوينية او غير تكوينية، ولا أظن أن باقر الصدر ظن ان لحية ماركس أو لينين قد تضفى عليه شىء من العصمة لدى إتباعه الذين لا يؤمنون بشىء مقدس !!




والحقيقة ان باقر الصدر تناول الماركسية باعتبارها عقيدة دينية متبعا أئمة المنهج السفلى الوهابي الاخواني الذى اعتقد مفكرين وقادة إسلاميين وهكذا كان ظن باقر الصدر بهم وعلى رأسهم سيد قطب الذى يمثل لكل تيارات الإسلام السياسي منظرا ومفكرا وقائدا فكريا كبيرا، ولهذا قلدوا سيد قطب فى كل شىء حتى القتل .



وأنا هنا لا أناقش قضية الإسلام السياسي وانحرافها الفكري والعقدى والاخلاقى ، ولكن أناقش قضية الخلط فى المفاهيم التى تولد عنها جناية التكفير والاحتكار، فنتيجة لخلط المفاهيم فقد كفر جمهور الإسلاميين الماركسيين فى كل البلاد العربية والإسلامية، ونتيجة لهذا الخلط اعتبر جمهور الإسلاميين السياسيين انهم وحدهم هم ممثلين الإسلام وغيرهم ليسوا كذلك، بل هم ليسوا أصلا مسلمين، والأدلة على هذا تطول، ولكن وعودة إلى موضوع المقال، وهل الايدولوجيا هى الدين او هما مترادفان ؟





والحقيقة أن هناك فوارق كبيرة بين الدين وبين الايدولوجيا



دعني أولا اشرح معنى الايدولوجيا، ثم أعود إلى مفهوم الدين.

 

الايدولوجيا في تعريف مبسط منظومة من المستخلصات الذهنية عن وقائع أو تحديد لمعنى العلاقة بين وقائع، جرى تجريدها وإعلاء قيمتها فتحولت إلى معيار منسجم، تقاس عليه الأشياء، أو منظار ينظر من خلاله إلى المحيط والأشياء والأفكار من أجل فهمها أو تحديد قيمتها. فهي إذن أداة فهم للعالم، وأداة تحديد لموقف حاملها، وأداة تقييم للعلاقة بينه وبين ما يحيط به.



السمة الرئيسية للايدولوجيا إذن أنها مجموع منظم ومتماسك من حيث التأسيس المنطقي والعاطفي. وان وظيفتها الرئيسية هي توجيه الذهن في تفسير العالم ومنحه قيمة.



ومن هنا ينشأ سؤال جديد هل الدين يعتبر ايدولوجيا؟



إن الدين في جوهره أي الإيمان بالله، يمثل رؤية كونية عامة تستغرق كامل حياة البشر وعلاقتهم بما في الكون من مخلوقات، من الأحياء والجمادات. الرؤية الكونية ارفع من الايدولوجيا.


سؤال: هل يمكن الحديث عن ”إيديولوجيا دينية“؟. الجواب نعم. لكن يجب الانتباه إلى الفارق بين الدين و( الايدولوجيا الدينية) في مفهومه المجرد.

 

نحن نعتبر الدين فطرة الله ومنهجه ورسالته، فهو يعبر عن رؤية متعالية.



أما الايدولوجيا الدينية فهي منتج بشري، أي منظومة تفسيرات وقيم يتبناها حزب أو جماعة ويدعون الناس إليها أو يستعملونها كأداة تفسير وتوجيه للعلاقة بينهم وبين غيرهم. يمكن لنا أيضا ان نتحدث عن ”إيديولوجيات دينية“ عديدة، تتفاوت فيما بينها من حيث السعة والاستيعاب. ثمة إيديولوجيات دينية تتمحور حول الحياة السياسية، وأخرى حول النظام الاجتماعي، أنها - بعبارة أخرى - أقرب إلى مناهج العمل التي تضعها الأحزاب والجماعات كدليل لعلمها وتحديد لمواقفها.

 

هل  ”الايدولوجيا الدينية“ نوعا من احتكار الدين؟



الاحتكار مجرد استعمال سياسي للأفكار. وقد يتعلق بفرض إيديولوجيا محددة على الناس، أو يتعلق بفرض فهم ديني غير مكتمل أو غير معياري. من المقبول ان يتبنى الأفراد أو الجماعات إيديولوجيا أو اجتهادات محددة، وهذا لا يعتبر احتكارا طالما لم يفرضوه على غيرهم بوسائل الجبر المادي أو المعنوي. يقوم الاحتكار على أرضية التملك.



نعلم ان الدين لله انزله لجميع خلقه، من آمن به ومن لم يؤمن. وهو غير قابل للتملك، لأن التملك ينطوي على ادعاء مقام الإلوهية أو النيابة عن الله أو تمثيله بين الخلق، وهذه كلها غير مقبولة ومتعارضة مع جوهر الدين والإيمان، جل ربنا وتعالى عن هذه الدعاوى.



لكنك سترى دائما من يرون أنفسهم وكلاء على الخلق، ومن يرون أنفسهم احرص من رب العباد على عباده. فيصنفون الناس الى قريب من الله وبعيد عنه، وهم بالطبع يضعون أنفسهم دائما في مركز الدائرة، فمن اقترب منهم اعتبروه قريبا من الله، ومن ابتعد عنهم اعتبروه عدوا لله أو بعيدا عنه. نعلم ان هذه الدعاوى السخيفة لا قيمة لها، فربنا سبحانه اقرب إلينا من كل أحد من عباده. نحن لا نحتاج للاقتراب من ربنا الى أكثر من ذكر اسمه والتوجه إليه بعقولنا وقلوبنا، لا نحتاج الى مسافة ولا مساحة ولا دائرة ولا الى أحد من العباد.



من هنا نقول أن الدين شيء والأيديولوجي المستندة إلى الدين شيء آخر، فما من دين إلا وقد نشأت في قلبه جماعة تستغله سياسياً، بل ونتيجة لعدد من التحولات التاريخية سنجد أنه ما من دين إلا ونشأت من ثناياه أيديولوجيا ما. فالصهيونية هي أيديولوجيا تتكئ على الترسيمات اليهودية، ولكنها ليست اليهودية، والحق الإلهي للملوك في أوروبا وسلطة الكنيسة واضطهادها للعلماء أيديولوجية استندت إلى المسيحية، وفكرة الحاكمية ( السنية) أو ولاية الفقيه الشيعية وما تفرع عنها من أحزاب وحركات سياسية استندت إلى تأويل للإسلام وليست هي الإسلام.



وهذا يعني أنه ما من دين قد نجا من استغلال أيديولوجي، ولا ننسى أن هناك حروباً كثيرة في كل أنحاء العالم، قديماً وحديثاً قد تمت عبر تبرير أيديولوجي ديني، وما نزال نحيا فى هذا الكم الهائل من تلك المغالطات التى أنتجت حروبا مذهبية ودينية بفعل أصحاب تلك الايدولوجيات الدينية .



حيث تقوم الأيديولوجيا الدينية بوظيفة سلبية في التاريخ، فهي تدعي بمصدرها المقدس، فيما الذي يفسر وجودها مصالح بشر يعيشون في الأرض التي تهب المعنى لمضمون ما يصوغون. وبالتالي يجب أن نفسر التحولات الأيديولوجية كلها، بما فيها الأيديولوجيا الدينية وأشكالها بوصفها تعبيراً عن تحولات ومشكلات الأرض وصراعاتها، ولعمري إن من أخطر ما يتعرض له الدين أنه في كثير من مراحل التاريخ يتحول إلى المبرر الأيديولوجي لصراعات الأرض فيتحول عند أصحاب المصالح إلى قوة أيديولوجية تستمد قوتها من فكرة المقدس الديني الذي يؤمن به البشر.



إن أخطر ما في الأيديولوجيات الدينية هي تحويل الصراعات الأرضية إلى صراعات دينية كي تدرج العدد الأكبر من الناس في صراعاتها. ولهذا فالتحرر من هذا الخطر أمر استراتيجي لأي مجتمع ولأية دولة، وهذا بدوره يحتاج إلى نظر. من هنا كان لابد ان نتصدى للخلط الفكري والمنهجي الذى مارسه محمد باقر الصدر ونتيجة لهذا الخلط نجد معارك شتى على الأرض من قبل من يؤمنون بهذا الاحتكار العقائدي والفكري على نحو مغلوط .



 

إرسال تعليق

0 تعليقات