رأفت السويركى
لا يزال حدث إطلاق وتعميد "الطور المتحور" من "حركة
طالبان" في أفغانستان يهيمن على أوراق اللعبة في مجمل العملية السياسوية
بالإقليم الآسيوي ـ لا يزال هذا الحدث ـ يثير ردود أفعال تدعو للسخرية حين ترفع
رايات الفرح والزغاريد من فصائل مدَّعي التدين المغيبين في الأرض والمتغافلين عن
فعاليات مكاتب التفكير الاستراتيجوي التي تضع السيناريوهات.
كل هذه الفصائل التي لا ترى إلى أبعد من أنوفها لا تريد أن تهتز
وتتفكر في المعنى والتوقيت والمستهدف من تطورات "الموضوعة الطالبانية"؛
ولا تريد أن توظف تقانات العقل التفكيكوي في الوصول إلى تماثل سيناريوهات
"الاستخلاق والاستصناع والإطلاق العولموي لفيروس "كوفيد ـ19 " ؛
وسيناريوهات "الاستخلاق والاستصناع والإطلاق للطور المتحور من جماعة طالبان!!
إذ أن المتغيرات التي يشهدها التطور البنيوي للنظام الرأسمالوي
العولموي (الدولة الأميركية أنموذجاً) لا تنفصل مهما تعددت صورها عن نهجه
السيناريوهاتي الجامح لاعتبار الأحداث كلها ينبغي أن تكون في إطار نسق فرض هيمنته
بالصور المتغيرة نفسها والمعبرة عن نمط تفكره وإدارة أزماته.
الأطوار المتحورة من "كوفيد ـ 19" تماثل في الأسلوب
والنهج والصورة "طور طالبان المتحور"؛ وبقدر ما تستفيد "الرأسمالية
الدواءوية" من المباغتة في إطلاق وتعميم نشر الفيرسة بالكوفيد؛ فإن
الرأسمالية السياسوية الأميركية ستواصل الاستفادة من "الطور الطالباني
المتحور"؛ والذي أشرفت على تأهيله وتحويره في "معامل التفاوض السياسوي
الأميركي بمنطقة الخليج العربية"؛ بعد أن وفرت "معامل/ بيئة
السيطرة" على النوع الأول سليل القاعدة من الحركة الموصوفة بالجهادوية؛ فبدأت
تلك المعامل السياسوية تطوير فعاليات الطور المتحور لتناسب متغيرات الخريطة
السياسوية الجديدة وبهدف تحقيق المكاسب المتعددة والتي لم يكشف الغطاء عنها بعد.
*****
في تدوينة سابقة لي بعنوان "تسمين الذئب" وإطلاقه... "حالة تمكين طالبان من أفغانستان أميركياً" قدمت التصورات التفكيكوية
لهذا المشروع السياسوي الأميركي الجديد؛ والذي تجلى العقل السياسوي الأميركي وفق
سماته الهوليودوية بالإعلان عن الانسحاب من أفغانستان بشكل مباغت؛ ليصبح
"الطور المتحور" من طالبان أمراً واقعاً ومبشراً بإعلان "إمارة
أفغانستان الإسلامية"؛ لتبدأ فرق الغيبوبة العقدوية الدوران في رقصاتها حاملة
الدفوف والطبول وهي تغني أناشيد انتصار "فعاليات الجهاد الإسلاموي"؛
والترويج لهزيمة الولايات المتحدة الأميركية "دولة الكفر والبهتان"؛
فيما تهرب هذه الفرق المغيبة العقول من إدراك لعبة السيناريوهات الاحترافوية التي
تدار بها السياسة المعاصرة!!
*****
إن هذه النوعية من فرق الماضوية السياسوية الحافة بعقيدة الإسلام
توهماً وكذباَ تشهر أجلى تعبيراتها حول "الطور المتحور من طالبان" في
تغريدة تتناقلها المواقع الاليكترونية للمغيبين في الأرض أطلقها "مفتي
باكستان" المُسمى "العلَّامة المفتي محمد تقي العثمان"؛ ومنطوقها
يكشف طبيعة هذه العقلية السادرة في الغيبوبة التاريخانية بقوله المتهافت:
- " دخول طالبان إلى كابول بطريقة سلمية، وإعلان العفو عن
الجميع وضمان السلام لهم، يذكرنا بفتح مكة. ويلقن القوى الدولية المتزودة بأحدث
التقنيات أن القوة الإيمانية لا يمكن أن تصمد أمامها أي قوة إذا صاحبتها التضحيات.
ليت العالم الإسلامي يأخذ درساً من هذه المعجزة"!!!!
ويكفي منصوص هذه "االزغروتة" بالدارجة المصرية للكشف عن
طبيعة خطاب وتفكير وقوالب الماضوية الكهفوية؛ التي تستمتع بكل منتجات الكفار في
ترسيخ تعميم نهج الخروج من التاريخ والحياة؛ بما ترسخه من مفاهيم منقطعة الصلة
بالإسلام الحقيقي دين العقل.
إن تفكيك خطاب محمول تغريدة المفتي الباكستاني محمد تقي العثمان؛
يكشف تردي النسق الحاكم للتفكير السياسوي العقدوي لدى عموم منتجي خطاب المتأسلمين؛
وهو خطاب لا يريد بأية حالة أن يغادر زمان الكهف بكل عواره؛ وبكل إشكاليات عدم
التناسب مع معطيات التفكير والحركة في العصر. كما يلي:
** يتغافل "مفتي الغيبوبة الباكستاني" هذا عن حصاد
ومعطيات لعبة إدارة "سيناريوهات الأزمة الأفغانية" بالاتفاق والتوافق
بين "المفاوض الأميركي" و"مندوبي طالبان" في "اجتماعات
الدوحة"؛ والتي قامت بتجهيز المقبل من سيناريوهات المشكلة الأفغانية بحساباتها
الاستراتيجوية.
** يتهرب "مفتي الغيبوبة الباكستاني" من كشف أسرار أسباب
ما أسماه "دخول طالبان بطريقة سلمية"؛ حيث أن التزييف يفرض عليه ألا
يقترب من خفايا التفاوض الأميركي / الطالباني في الدوحة؛ وكذلك دلالة الانسحاب
السريع المريب لقوات أكبر جيش في العالم بقدراته المخيفة وما يُسمى "كرامته
العسكريتارية" أمام ميليشيات يستطيع أن يبيدها بطائراته إذا اقتربت من
العاصمة كابول.
** استخدم "مفتي الغيبوبة الباكستاني" نسق خطابه الكذوب
لإسباغ "القداسة" العقدوية على نمط حركة ميليشيات الإسلام السياسوي
الجهادوي بمنطق الكهفوية؛ فهو يربط بين "فتح مكة في زمن الرسول الأكرم"
وبين ما يعني "فتح كابول" في زمن المُلَّا "هيبة الله أخوند
زاده"، و"عبد الغني برادر"، و"سراج الدين حقاني"، والملا
"يعقوب". إذ يستدعي من ذاكرته الصخروية القول: "يذكرنا بفتح
مكة"!!!
والسؤال ما هذا الكذب والتدليس في الربط بين "سيناريو تسليم
كابول" للقبضايات ـ وفق التعبير اللبنانوي ـ وبين "فتح مكة" بحضور
الرسول الأكرم محمد بن عبد الله؟ هل هناك تماثل بين مشروع "انتصار عقيدة
الإسلام" في بدء الدعوة؛ و"مشروع سياسوي هابط" في بلد إسلامية
العقيدة والهوية إسمه "المشكلة الأفغانية" والذي نشأ في مواجهة الاتحاد
السوفياتي بفعل فاعل رأسمالوي/ أميركي. حقاً إنه التدليس المقيت!!
** ويواصل "مفتي الغيبوبة الباكستاني" تدليسه وتعميم فكر
الغيبوبة الهابط بتفسير فعل "الطور المتحور" من طالبان قائلاً:"...
ويلقن القوى الدولية المتزودة بأحدث التقنيات أن القوة الإيمانية لا يمكن أن تصمد أمامها."
وهنا ألم يسأل ذلك المفتي نفسه بأية أسلحة قاتلت هذه الميلشيات/ مع القاعدة
الاتحاد السوفياتي سابقاً؛ ثم القوات الأميركية والأوروبية بعد حادث البرجين؛
فالجيش الأفغاني المستصنع لاحقاً؟
هل حاربت "ميليشيات طالبان/ القاعدة" في البدء جيوش
الروس ثم الأميركيين وأمثالهم بالحراب والأسهم وراجمات الحجارة... أم جري تسليحها
منذ البدء أميركياً بالبنادق والمدافع والمفخخات ثم الآليات؛ ولاحقاً بما حصلت
عليه من أسلحة الجيش الأفغاني من "مركبات عسكرية أميركية الصنع ومدافع مضادة
للطائرات، ومدرعات مصفحة"، بالرشوة والإغراء وإفساد الذمم والهروب؟
** ويختتم "مفتي الغيبوبة الباكستاني" خطاب الزيف؛
بالوصول إلى مستهدفه الهابط والهادف لمخادعة عموم المسلمين كذباً بقوله" ليت
العالم الإسلامي يأخذ درساً من هذه المعجزة"!! ليصل مفتي الإضلال الباكستاني
لاعتبار "تسليم كابول للطور المتحور من طالبان" وفق السيناريو الأميركي
باعتباره "معجزة"؛ داعياً الشعوب المسلمة بالوجدان والعقيدة لاتباع
"نسق طالبان"!!
إن تاجر بيع العقيدة من نوعية المفتي الباكستاني بقوله هذا يُغطي
على فضيحة "عمالة طالبان" وتجارتها السياسوية بالتحالف اللاحق مع متوهم
العدو الأميركي الذي استصنعها منذ البدء؛ واستجاباتها لسيناريو "تسليم
أفغانستان" لها لإقامة "إمارة أفغانستان الإسلامية" وليس
"دولة أفغانستان" المدنية. لتؤدي أدواراً جديدة سيتم الإفراج عنها
عملياتياً في القريب العاجل.
****
وهكذا يكشف منهج تفكيك الخطاب عن مدى سقوط المفتي الباكستاني
الموصوف بـ "العلَّامة محمد تقي العثمان" وهو يمارس لعبة التضليل بترويج
"تمكين طالبان" كأنه "فتح مكة"!! في إطار وظيفة لعبة المخادعة
والمتاجرة بالعقيدة ككل أمثاله من أولئك "الدهاقين"؛ الذين يحاولون
"تحنيط دين العقل" في مقبرة الماضوية؛ عبر تعميم "شرعنة"
أفعال نمط سياسوي يقوم على القتل وإراقة الدماء وتكفير المسلمين أهل بلاد الإسلام؛
الذين بالطبيعة يقيمون شريعة الله فيها؛ ولا يحتاجون إلى هذه النماذج المضادة
للدين والإنسانية. وهي تتحالف في الباطن مع الخصوم وتعلن تضادها معهم في الظاهر في
إطار نهج المنافقة حيث يبطنون غير ما يظهرون (المتأسلمون السياسويون/ طالبان
المتحورة أنموذجاً)!!
0 تعليقات