رأفت السويركي
كلاهما لم يُلَبِّ الأمر بالشهادة أمام المحكمة برئاسة المستشار
محمد السعيد الشربينى منذ الدعوة الأولى. وعندما جاء كلاهما أيضاً كان مستعيناً
بمن يأخذ بذراعه ليتمكن من السير إلى داخل القاعة بمبرر المرض؛ وعندما تقدم كلاهما
للشهادة جلس - شفقة - على مقعد متحرك أو خشبي وسط القاعة أمام هيئة القضاء.
وكلاهما كذلك حين أجاب على أسئلة القاضي كان يظن نفسه جالساً على
مقعد المنبر ليمارس قداسته على جمهوره؛ فيداور - على سبيل التقية - ويناور في
القول لعله يوفر منفذ تجاوز تحمل المسؤولية؛ وهو يستهلك مكرورات الخطاب من
المرويات والمنقولات والسرديات المهيمنة؛ وكلها تدور في حواف العقيدة السمحاء لا
صُلْبها؛ فتصمها بما يشوهها ويسيئ إليها... أتحدث عن "المُتَسَلِّفَيْنِ/
الماضويين" محمد حسان ومحمد حسين يعقوب!!
*****
كلاهما يتحمل مسؤولية المشاركة الأساس في تشكيل وبناء رؤوس
المغيبين الموغلين ضلالة في كهوف الفهم الماضوي لعقيدة العقل قبل أن تكون عقيدة
الوجدان؛ فاندرج هؤلاء المغيبون في "ميليشيات" القتل والتكفير كذباً تحت
راية الإسلام الذي هو دين الحفاظ على النفس من المهلكة وسفح الدماء؛ مهما كان نوع
اقتناع النفس (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
لذلك فاقتضاء قول كل "المتدعِّشين" واعترافهم أنهم
تأثروا بأفكار "شيوخ الدعوة السلفية"، وأنهم سمعوا لـ "يعقوب
وحسان" أوجب استدعاءهما حسب دفوع المحامين أمام المحكمة بـ "اعتبار
أفكار دعاة السلفية هي السبب في اعتناق أعضاء خلية داعش الفكر التكفيري"
وليكون الواحد منهما حسب تعبير القضاء "شاهد إثبات أو نفي". فظهر كلاهما
بصورة مزرية في منطق خطابه!
*****
*****
** أولهما "محمد حسين يعقوب" الذي قال أمام القاضي:
" أنا لا أُفْتِي... وعندما يوجه لي سؤال، أقول اسألوا العلماء؛ وما أقوله هو
اجتهادات شخصية بناء على قراءاتي"! والمثير للسخرية قوله أنه يُخاطب
"العَوَام" وليس طلبة العلم أو الملتزمين... فهو غير متخصص في الفقه
الإسلامي وشهادته متوسطة تسمح لحاملها بالتدريس في المدارس الابتدائية فقط. وكما
قال: " لا أعرف داعش... وحسن البنا أسس الإخوان للوصول إلى الحكم؛ وسيد قطب
لم يكن فقيهاً... وأنا لم أفتِ في الدين"!!
وما بين النفي أمام القاضي أنه "سلفي" ثم اعترافه بأنه
"سلفي" تبرز إستراتيجية "المناورة" و"المداورة"
و"التقية" التي يتبعونها بعد أن تمكنوا بنهج "السلفية
التكفيرية" من الهيمنة واختراق رؤوس العوام في الزوايا ومساجد الطوابق الأرضية
والقنوات التلفازية الخاصة؛ ليضللوهم بمعنى الإسلام غير الصحيح!!
*****
** وثانيهما كان "محمد حسان" والذي اعترف: "أنا لم
أدرس في الأزهر بل درست في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وانتفعت بذلك في
الدعوة" وقال كذلك حول قضية "خلية داعش إمبابة" ما لا يتجاوز أو
يختلف عما قاله سابقه "محمد حسين يعقوب"؛ غير أنه كان امتص صدمة الأول
في القضية نفسها؛ فأفرط في محاولة التملص من ترويج الفكر الماضوي المتكهف الذي قام
بصناعة نماذج القتل باسم الدين من معتنقي نهج التكفير لـ "القاعدة"
و"داعش" ومن قبلهما "الثدي" الذي رضعت منه هذه النماذج
"الخوارجية" حليب "الخلافة وأستاذية العالم"!!
"محمد حسان" ناور بما يجعله يتملص من المسؤولية بتوظيف
"فقه التقية" و"نهج نفي العلة"؛ فباع أمام المحكمة ما شاهده
وعرفه وصمت عنه وهو "داعية" عن تلك "الجماعات التي أقامت صروحاً
كبيرة من المؤسسات الخيرية لأغراض أخرى واندس إليهم أشخاص يقتلون ويستبيحون دماء
الناس"، مطالباً بوجوب "أن تكون هذه المراكز والمجمعات الدينية تحت بصر
الجهات المختصة للدولة لأن هذا واجب الدولة وهو التصدى للفكر المتطرف". فتكرم
القاضي بالقول له:" أنتَ وأقرانك مسؤولون عن هذا فأنتم لكم تأثير على الناس
ويجب أن تنصحوا الشباب بالابتعاد عن الأفكار المتطرفة".
وواصل "محمد حسان" المناورة بالقول:"بيت المقدس
غيرت اسمها إلى ولاية سيناء، وقد خرج زعيمها أبو أسامة المصري في فيديو ليقول
نصاً: (لقد قتلناهم لأن الله أمرنا بذلك) وهذا ضلال مبين؛ فالله لم يأمرك بقتل نفس
محرمة، (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم وعليه لعنة الله) وأنصار بيت المقدس
ليست على الطريق الصحيح إطلاقا فهي تستحل الدماء المحرمة للمسلمين والذميين وتستحل
إخواننا وأبناءنا من أفراد الجيش والشرطة فهي جماعة منحرفة عن كتاب الله وسنة
رسوله وكانت سببا في التنازع والخلاف وهذا سوء فهم خطير"!!
ويكمل "محمد حسان" المناورة بالتنصل من وقائع مسجلة
علانية له قدمتها هيئة المحكمة: "كنت مؤيداً ومرشِّحاً للإخوان المسلمين بعد
أحداث يناير ظناً مني أنهم من أكفأ الموجودين على الساحة السياسية، فجماعة الإخوان
المسلمين في بدايتها دعوية - وهذا تزييف للحقيقة يقوم به محمد حسان - ثم تحولت إلى
البحث عن الحكم وتولت رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب ومع ذلك لم توفق الجماعة في حكم
مصر لأنها لم تستطع أن تنتقل من فكر الجماعة إلى فكر الدولة؛ من الطيف الواحد إلى
أطياف الدولة المتعددة، وبعد حدوث الصدام مع الدولة وجميع مؤسساتها رفعت شعار
الشرعية أو الدماء وكنت أتمنى التنازل عن الخلافة. لقد تحول فكرهم إلى أفعال مادية
نتج عنها جرائم، فالإخوان المسلمين كونوا فرقاً سميت باللجان النوعية اقتحمت مقرات
للدولة وخربتها"!!
*****
وبتكتيك المراوغة حين سأله القاضي الجليل المستشار محمد السعيد
الشربينى رئيس هيئة المحكمة عن "الأشعرية" و"من هم الأشاعرة"؟
قال محمد حسان:" الأشاعرة هم طائفة من طوائف أهل السنة والجماعة وأبو حسن
الأشعري إمام من أئمة أهل السنة ولا يمكن القول غير ذلك أو اتهامهم بأي شيء باطل
وهذا ما اعتقده وأؤمن به."!!
محمد حسان المراوغ بذلك "القول الاتقائي" في شهادته كلها
يصدم جمهوره من المُسَيَّريْن المتسلفين بخطابه وقد زرعوا في ذاكرتهم الصلدة القول
بأن "الأشاعرة أهل بدع وضلال" وفق ما ذكره ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة
السلفية أنموذجاً فى كتابه "المنة في شرح اعتقاد أهل السنة"! على الرغم
من أنه المذهب العقدوي لمؤسسة الأزهر الشريف!!
وأمام شهادة محمد حسان المناورة قال له رئيس هيئة المحكمة :
"أنصحك أن تذهب إلى الأزهر بكل تواضع وتطلب منهم العلم"؛ فيقول:
"حاشا لله أنا أحب الأزهر وأقدره وما من عالم مهما بلغ علمه ودخل عليه شيخ من
الأزهر إلا واستشعر هيبته نظراً للصرح الديني الذي تتلمذ داخله وعلى أيدي
مشايخه".
*****
وهكذا لم يختلف قول "الماضوي/ المتسلف الأول" عن
"الماضوي/ المتسلف الثاني" في شيئ. أمام الميكرفونات كل منهما يجترُّ
معلقات من المرويات المشكوك في مصدرية الكثير منها وانتسابها قسراً وجبراً إلى
السنة النبوية القولية؛ والكثير منها متناقض مع الخطاب القرآني الحاكم الحكيم؛
وكلٌ من أمثالهما يفرش طريق الاشتهاء بالتأويل المخادع أمام المتحلقين حوله
بالدماء للفوز بالحور العين في جنات فِيهَا (... َأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ
لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى). ولكن أمام الميكرفونات في
قاعة القضاء ينفون أنهم "علماء" وإنما "دعاة" وأنهم يرفضون
فكر ونهج "القاعدة" و"داعش" و"جماعة الإخوان"... هل
هناك توظيف للـ "تقية" وهروبٌ من مسؤولية استزراع فيروسات التدمير في
الرؤوس أكثر من ذلك؟!
0 تعليقات