آخر الأخبار

كتاب… وفكرة

 




 

عز الدين البغدادي

 

أنا اعتقد أن معظم السلوكيات الخاطئة عند البشر ترجع في حقيقتها إلى مفاهيم خاطئة، فالمفاهيم هي التي تحرك الإنسان، اللص يعتقد بأنّ الدنيا مغالبة يأي نحو كان، ومن حقه أن يأخذ أي شيء وإن لم يكن مالكا له. والمتعصب الديني يعتقد أنّه الجنة لا يدخلها من لم يكن على اعتقاده فهو من الفقه الناجية، وطيب القلب يعتقد أن الناس طيبون، والعامل الشريف يعتقد أن الكسب لا يكون مشروعا بغير جهد.

 

لذا كان سقراط يرد الأخلاق إلى المعرفة ويعتقد بأن الفصيلة معرفة وأن الرذيلة جهل، كذلك كان فرويد يعتقد بأنّ حل المشاكل والعقد النفسية يمكن أن يحصل بالمعرفة عندما يعرف المريض موضع العقدة التي سببت له المرض.

 

طبعا لا يعني هذا أننا نتجاهل الأسباب الأخرى كالطمع والتكبر واللؤم وغيرها من الصفات المحركة، لكن التفكيك المعرفي يسقط كثيرا من الحجج التي يتخذها البعض كقاعدة معرفية لسلوكه الخاطئ.

 

اعتقد أن ما مرّ بنا نحن الشيعة، وما تجسد بشكل واضح بعد 2003 من فشل وضعف، يرجع إلى كثير من الأفكار التي تحركنا، حيث فرضت علينا منظومة معرفية يفترض أنها دينية لكن كثيرا من تفاصيلها في الواقع هو مجرد مفاهيم خاطئة تم طلاؤها بصبغ ديني. … ومن أهم تلك الإشكالات:

 

• الغلو والخرافات التي امتلأت بها كتب المعاجز والكرامات والتي تتحدى قانون السببية بحجة الإيمان، رغم أن الإيمان لا يقتضي ذلك وأن الروايات ضعيفة. لقد خلق هذا حالة من ضعف التفكير جعل كثيرا من أهل الدجل قادرين على كسب ود بل وولاء الناس، وجعله غير قادرين على تحديد مصالحهم.

 

وهو ما أدى أيضا إلى غياب المنهج، وهو واضح في مباحث التاريخ والعقيدة، بل والأصول والفقه.

 

• غلبة الشخصنة على الفكرة، فقد صرنا ننظر إلى الإمام كحالة متعالية خارقة، يعلم الغيب وله سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون، مما أدى إلى غياب كثير من القيم الإنسانية على حساب الولاء للشخص، وصار الحب والولاء بديلا عن الأخلاق والقيم العليا.

 

• مشكلة الطقوس، وهي التي أدت إلى إلغاء وعي الفرد وتذويبه في في الوعي الجمعي الذي ينتقل من مناسبة إلى مناسبة ومن فرح إلى حزن ومن حزن إلى فرح على أمور تاريخية ذهبت ومضت وهو ما يعني ويؤدي إلى غفلة عن الواقع. ( أعظكم بواحدة)

 

• التأصيل للتقليد بشمل غريب وبعيد عن الأدلة الشرعية وعن السيرة العقلائية، وهو ما أدى إلى مشكلتين: فهو من جهة حصر الطاعة بالمجتهد وجعلها طاعة عمياء لأن الراد على المجتهد راد على الإمام والراد على الإمام رد على الله. ومن جهة أخرى حصر المعرفة بالمجتهد، وأضعف ثقة المكلف بقابلياته الذهنية وهو ما نراه واضحا في طلبة العلوم الشرعية حيث يبقة طالب العلم لأكثر من عشرين يدرس (كما يفترض) وهو واقعا يخاف أن يعطي رأيا في موضوع فقهي لئلا يتهم بأنه اجتهد في هذه المسألة أو تلك.

 

إن هذا الكتاب يحاول أن يحدد الإشكالات الموجودة في فهمنا العام للتشيع فهو يناقش أهم مسائل الرؤية الشيعية في كثر من عشرة فصول، حيث يتناول مسائل من قبيل: التقليد، المهدي المنتظر، الاحتفالات الدينية (الغدير والنوروز وفرحة الزهراء)، الزيارات وبناء الأضرحة وأدلتها ورواياتها، علم الرجال واشكالياته، رؤيتنا الى التاريخ (مثل فهم السقيفة، كسر الضلع، انشقاق جدار الكعبة، زواج عمر من ام كلثوم، الصحابة)، الرؤية السياسية، الخطاب الديني، مفهوم الولاية، مراحل تاريخ التشيع، الدعوة الى التشيع، مشكلة الغلو، مشاكل الشخصية الشيعية، المنهج التدريسي، إشكاليات العبادات والأدعية، تضخم الفقه والأصول، الشهادة الثالثة، الخمس، وأمور أخرى كثيرة.

 

الكتاب في مراحلة الأخيرة من الانجاز وأتوقع انه سيقع بين 30- 400 صفحة، وهو يدعو بأسلوب علمي إلى أن يأخذ الشيعة دورهم كما كانوا باعتبارهم جزءا من الأمة وطليعتها كما أرادهم الأئمة (عليهم السلام)

 

والله المستعان

 

إرسال تعليق

0 تعليقات