رأفت السويركى
ارتبط ما يُسمى "فقه الجهاد والمغازي" بمكتسباته
المتحصلة لدى جماعات وتنظيمات وفرق الإسلام السياسوي التي تخلَّقت في العصر الحديث
لزوماً بـ "فقه الطعام". وهذا الاستنتاج هو الذي يمثل "المسكوت
عنه" الكامن في كل المسلكيات الناضحة لهذه النوعية من البشر مما لا يعدُّ
تقولاً أو افتئاتاً أو تشويها لسمعتها أو ظلماً لها؛ لأنها نوعيات من المجاهدين
"الغلابة" والشرهاء"المفجوعين" بحكم الفقر المدَّعى!!
*****
وهذه التدوينة لن تتوغل مباشرة في ممارسة التحليل السياسوي المباشر
حول النشوء والتجهيز والتمكن بالتحديد لـ "جماعة طالبان" التي كانت
تجربة تطبيقوية أولى للاستخبارات الأميركية بهدف إجهاد الخصم الأيديولوجوي المضاد
أي الاتحاد السوفياتي؛ ثم استكمال تطوير السيناريو لدخول فاصل جديد بالاستعداد
لإعلان "إمارة أفغانستان الإسلامية" المتأخونة واللعبة ستظل بعد فشل
تجربة الربيع العبروي المتصهين في الدول العربية.
فالهدف الاستخباراتوي هو تطوير إعادة استخدام طالبان في إطار حركات
الإسلام السياسوي لتوفير "البيئة الحاضنة" وتجهيز عناصر "جماعة حسن
الساعاتي البنَّاء" للعمل العسكريتاري الميليشياوي في المستقبل كما حدث بدور
الجماعة المتأخونة في تدمير الدولتين السورية واليمنية وكذلك العراقية بعد الغزو
الأميركي... " الفلسطيني المتأخون عبد الله عزام والمصري المتأخون عبد المنعم
أبو الفتوح أنموذجاً".
إن حدث اللحظة بإشهار انتصار وتمكين طالبان من بدء إعلان ما تُسمى
"إمارة أفغانستان الإسلامية" هو تأكيد على الدور الاستخباراتوي الأميركي
لهدم نمط الدولة في المنطقة وإحلال نمط "الإمارة العقدوية" بديلاً عنها
عبر "جماعة طالبان" والتي تعد ذراعاً آسيوياً من أذرع "جماعة حسن
الساعاتي البنَّاء" حتى وإن رفعت - طالبان - شعارات "السلفوية
الجهادوية" على سبيل "التقية السياسوية"؛ لأن الفكرة والتأسيس
والتجهيز (القاعدة) والعتاد من الأفراد أنفسهم ( أغلبيتهم من المتأخونين ومنهم بن
لادن ومحمد الظواهري ومحمد عاطف أبو حفص وأبو عبيدة البنشيري إلخ أنموذجاً)!
فـ"جماعة حسن الساعاتي البناء" الصهيوماسونية أعطتها
الاستخبارات البريطانية مشروعية التأسيس؛ وكذلك فـ "جماعة طالبان
الأفغانية" الصهيوماسونية أيضاً أعطتها الاستخبارات الأميركية المشروعية في
التأسيس والتمكين راهناً!!
لكن قراءة خطاب الصورة - موضوع هذه التدوينة - هو المنظار السياسوي
الكاشف لكثير من التصورات "المسكوت عنها" لدى جماعات الإسلام السياسوي
ويمثل المسلك الشخصاني الممارس تعبيراً عن البنية الثقافوية والعقدوية التي تهيمن
على عقول هذه الجماعات بكل ماضويتها ابنة زمانها والتي ينبغي أن تختفي من مسلكيات
إنسان القرنين العشرين والحادي والعشرين.
*****
إن "فقه الغزو" بالمترتب عليه من تحقق الانتصار والتمكن
المُكَنَّى عنه سياسوياً بالجهاد يكون مرتبطاً بالضرورة بـ "فِقْه
الْبِطْنَة" و"فِقْه الْمُطَاعَمَة" في الوقت نفسه والمكنى عنه
بشروياً بالاستمتاع وسد ذرائع الحاجات البيولوجوية الضاغطة والمحركة لفعل الغزو
آنذاك.
وفي القانون يقولون "البينة على من ادَّعى" – والبينة
تتجلى في هذا الربط المؤكد بين "فقه الْبِطْنَة" و"فقه جهاد
الغزو" الذي يتشدق بشعاراته كل المتأسلمين السياسيين بكافة جماعاتهم ودوافعهم؛
لتحقيق التمكن والفوز بعوائد اقتصاداته التي عبر عنها خطاب اجترار الماضوي المتسلف
ابو إسحاق الحويني بقوله:" إذا انتصرنا سنفرض أحكام الإسلام على هذا البلد.
أحكام الإسلام بتقول إنه كل اللي موجودين في هذا البلد أصبحوا غنائم وسبايا...
نساء، رجال، أطفال، أموال، دور، حقول، مزارع.. كل هذا أصبح ملك الدولة
الإسلامية".
وعلينا الالتفات هنا بوعي وتقدير إلى كلمة "دُوْر"؛ تلك
التي ضمَّنها الحويني في توصيفه لمعاني ونتائج "فقه الغزو/ الجهاد"؛
والتي تتحدد في المقصودية بـ "قصور الملوك والأمراء" الذين لقوا الهزيمة
بالغزو في زمان (الخيل والبغال والحمير والإبل) كآليات الحرب آنذاك؛ وذلك للقيمة
المادية كأبنية فاخرة/ والقيمة المعنوية برمزيتها باعتبارها "دور وقصور"
الحكم وإدارة الممالك؛ وليست خياماً من الجلود وأكواخاً من الأشجار والنخيل!!
ففي "دور/ قصور" الأقوام التي جرى الانتصار عليهم بالعمل
العسكريتاري الغازي حديثاً - وفق تعبير "غزوة الصناديق"التي حددها (
محمد حسين يعقوب أنموذجا) - يتأتى باللزوم هنا إعادة تعميم تطبيق "فقه
الْبِطْنَة" المرتبط بتلبية حاجات الجوع لإبراز نتائج التمكن وإظهار التعبير
المطمئن عن الفوز والانتصار وتحقق غاية الغزو؛ وبالتالي إعادة تكريس ثقافة
"فقه المطاعمة" المحدد - فقهوياً بواجبات وقواعد وأدوات وطرق تعاطي
الطعام؛ وكله حسب ما يروجون مرتبط بالشريعة؛ والشريعة من تقولاتهم الكهفوية براء!!
لذلك من دون دراية أو لربما بالعمد وإظهار الإدراك يقع
"المجاهدون/ الغزاة" في فخ التعبير عن دوافعهم الخاصة بتلبية حاجة
"البطنة البدائية" وغريزة الشره والنهم بطريقة ترتبط بمسلكيات ما قبل
المدنية أكثر من تقدير والتزام قواعد الحسابات البروتوكولوية الناتجة عن فكر
الحداثة والمدنية المعاصرة.
والصورتان اللتان أشهرتهما "جماعة حسن الساعاتي
البناء"أيام تمكنها الطارئ والمؤقت من حكم مصر و"جماعة طالبان" فور
تمكنها الراهن من سلطة الدولة في أفغانستان على مواقع التواصل الاجتماعوي
"فيسبوك وتويتر ويوتيوب" بقدر ما تعبران عن انتصارهما السياسوي المؤقت
لمرحلة ما... تكشفان في الوقت نفسه ثقافة "البطنة"
و"المطاعمة" المتمكنة من العقل العقدوي السياسوي الماضوي ومسلكياته وذلك
لارتباطهما بالنسق الماضوي المتكهف في ثقافة الحياة الاجتماعوية.
ولعل الإسراع بإشهار هاتين الصورتين يقصد غرضية البدء والإعداد
بفرض أنماطها - الإيمانوية - في حياة الشعوب الواقعة تحت هيمنة هؤلاء الغزاة
المتغلبين على حد سواء بعمليات الغزو العسكريتارية "طالبان" أو بغزو
الصناديق"الإخوان"!!
لذلك فإن لـ "فقه البطنة" يستدعي بالضرورة "فقه
المطاعمة" الذي يحوي القواعد الملتحفة بغطاء الشريعة ومشرعن لها بما توصف بـ
"السُّنة العمليانية". يتجلى هذا الفقه كما يكشفه كلام الصورة في
الخطوات التالية:
- ينبغي أن يتحلق المتغلبون جلوساً حول "البُسُطِ/ أي موائد
الطعام" المفروشة في أرضية الصالات والغرف "المطنفسة" في
"قصور المغانم" التي تمت السيطرة عليها بالغزو المتنوع.
- يجب أن يكون التحلق حول الطعام بطرق الجلسات الثلاث ليس باستخدام
المقاعد؛ ولكن بالإقعاء؛ أو الاعتماد على الركبتين وظهور القدمين؛ أو بالجلوس على
اليسرى ونصب اليمنى. "فتح الباري".
- من الضرورة أن يكون التحلق في مجموعات ضيقة لضرورة خصوصية
المشاورة الكلامية وعدم المزاحمة بالأيدي الممتدة للطعام حتى الشبع؛ لكي تحصل
الأيدي كلها على ما تشتهيه من الطعام الشهي لأنه خاص بالقصور وليس من باعة عربات
"الفول والفلافل والكشري وبقالات الممبار والكرشة والكوارع"!!
- من قواعد الحفاظ على الآداب المستنة أن يكون تناول الطعام باليد
حسب - ابن حجر الهيتمي ، أحمد ابن محمد في الفتاوي الفقهية الكبري - "لأن
الأكل بالملاعق بدعة قبيحة إن أصابها شيء من لعابه ثم ردها للطعام، أو إن كان فيه
نوع تكبر أو تشبه بالأعاجم، وإلا فلا وجه لقبحها"!!
- ومن الكراهة المتوارثة في استخدام "الملعقة " أنها
تخالف ما قعَّده السلف الذين لا تزال تهيمن ثقافتهم على عقول المغيبين في الوقت
الراهن بدعاوى "أنها تدخل في فم المتحلق حول الطعام فيردها إلى طبق الطعام
مرة تلو الأخرى. والأعجب اعتبار "الملعقة أداة رفاهية" مرفوضة!!
- ومن المتوارث في ثقافة تناول الطعام تناول "الأكل بثلاثة
أصابع"؛ وقال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض: "الأكل بأكثر منها
من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة".
وغير الملتفت إليه في هذا الأمر أن طرق تناول الطعام الحديثة
تتجاوز هذه الثقافة الماضوية ابنة زمانها؛ فتهتم بثقافة السلامة والصحة والوقاية
وتحافظ على آداب تناول الطعام التي يتبعها "الكفار" من المنظور السياسوي
العقدوي الماضوي؛ وذلك بتخصيص آنية وأطباق خاصة لكل شخص من الآكلين؛ فتنتهي كل تلك
التخوفات المتوهمة ممن غزوا القصور ومباني الحكم بالسلاح أو عبر الصناديق بفعل
فاعل يقوم بتوظيفهم.
وإذا كانت الصورتان الكاشفتان لثقافة طرائق تعاطي الطعام تكشفان
تأثير فقه الغزو والبطنة والمطاعمة على مسلكي جماعتي "الإخوان"
و"طالبان"؛ وتقدمان صورة لكيفية ممارستهما الحياة بتحقيق فقه الغزو بعد
التمكن داخل قصور المغلوبين بالقوة أو بالصناديق؛ فإن الظاهرة المكملة لهذه الصورة
البائسة يكتمل إطارها الناظم بعدم الالتزام بقواعد البروتوكول وآدابه.
إن الجلوس على الأرض لتلبية حاجة البطنة قد تكون لها مبرراتها.
ولكن طرائق استخدام الآثاث في هذه القصور يفضح مسلكيات هذه
الجماعات الكهفوية والماضوية القناعات بعيداً عن العقيدة المظلومة في صورتها التي
يقدمونها ويروجونها.
وما طريق التمكن بالغزو من قصور الحكم سوى الكاشف عن تغييب ملمح
السلوك المدينوي الحديث في الحياة لدى هذه الفرق ذات التفكير الكهفوي. إذ يغيب
البروتوكول المستقر والمتعارف عليه عند استخدام المقاعد؛ بما يمثل ظاهرة مثيرة
للدهشة من بشر لا يزال الكثيرون يجهلون كيفية الجلوس بها واستخدام هذا النوع من
الأثاث.
والتساؤل الذي تطرحه هذه المسلكيات المثيرة للدهشة هل يمتنع على
المجاهدين/ الغزاة الجلوس في مقاعد الكفار الفاخرة وفق الطرق الاعتيادية
البروتوكولية بوضع القدمين على الأرض؛ وكذلك الأمر برفض التحلق حول موائد الطعام
الفاخرة ذات الكراسي الأنيقة مع وجود الطهاة ومن يقدمون الأطعمة بأناقة المناولة؟!
في "قصر الرئاسة" المصري الفخم الذي عاشت فيه "أسرة
محمد علي" وآخرها الملك فاروق ثم الرؤوساء الذين مارسوا إدارة الدولة المصرية
منه بدءاً بجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك ابتليت البروتوكولات
الرئاسوية في إطار ابتلاء مصر بمجئ المتأخون "محمد مرسي" ليجلس على
المقعد ذاته. وليته بجماعته احترم تاريخ هذا القصر الذي حافظت عليه قواعد بروتوكول
متبعة ومقننة حين إقامة ذلك الرئيس وأسرته وكذلك استقبال ملوك ورؤساء دول العالم
ضيوفاً.
إن المرحلة المزرية التي مرت بها القصور الرئاسوية المصرية في عام
تمكن "جماعة حسن الساعاتي البنَّاء" لم يُكْشف النقاب كثيراً عما شهدته
من ممارسات هابطة ومخالفة لقواعد البروتوكول المتبعة؛ ليس سوى القليل الذي ذكرته
بعض المواقع الإعلاموية مثل:
** أزال محمد مرسي مندوب تلك الجماعة "الكثير من اللوحات
الفنية والرسوم النادرة من القصور الرئاسية خلال العام الذي تولى فيه الرئاسة؛ حيث
أصدر أوامره بتخزين العديد من المقتنيات النادرة في القصر الرئاسي التي يعود
تاريخها الفني إلى أكثر من 200 عام منذ عهد أسرة محمد علي، وتغيير بعض قطع الأثاث
النادرة من حجرات قصر الاتحادية، بدعوى أنها قديمة ومتهالكة".
** وحسب ما نشر في أجهزة الإعلام "فإن محمد مرسي، لم يخضع
للمراسم والبروتوكولات الرئاسية سوي مرتين وبعدها رفض الخضوع لها، ومنها مراسم
تناول الطعام مع الرؤساء واستقبال الضيوف والقاء الخطب، وكان يستنكر دوماً تقديم
الطعام بمقادير معينة وفقاً للبروتوكلات الرئاسية المتبعة للحفاظ علي صحة الرئيس،
وطلب أن يكون الطعام كاملاً غير مجزء".
** ونشر كذلك أن محمد مرسي "لم يكن يتناول الطعام علي المائدة
المخصصة لتناول الطعام هو وأسرته وفق المتبع وباستخدام أدوات المائدة، بل كان
يفترش الأرض هو وأسرته أثناء الوجبات الثلاث، وحتي في الولائم التي يطلبها كان
الطعام يقدم بطريقة افتراش الأرض". كما قام بتبديل قوائم المأكولات
والمشروبات لتكون أكثر دسامة من "البط والأوز" في وجبات يومية.
*****
إن تفكيك خطاب الصور المرفقة يكشف مدى التردي الحضاروي لجماعات
الإسلام السياسوي الماضوية التفكير والمسلك؛ والتي يفضحها نمط آدائها في إدارة واستخدام
أمكنة الحكم في الدولة الحديثة... "جماعة الإخوان" و"جماعة
طالبان" أنموذجاً. إذ تمارس هذه الجماعات الشعبوية الهابطة وهي تطبق مسلكيات
"فقه الولائم"... في "قصور المغانم". وليتها تركت تلك القصور
واعتبرتها من الآثار الإنسانوية وشدت أعمدة وأربطة الخيام بديلاً عنها لتقود منها
الدولة الحديثة التي غزتها وتغلبت على حكوماتها بفعل فاعل؛ كما حدث في مصر
وأفغانستان؛ وإنها من مضحكات هذا الزمان!!
0 تعليقات