محمود جابر
مرة أخرى نعود لموضوع دم الآدمي فى كتب الفقه الإسلامي – سنة وشيعة
- بداية لا يوجد فى كتاب الله تعالى ما يشير لمفهوم نجاسة دم الأدمى وهو مفهوم
توهم مبانيه وأسسه الاستدلالية الفقهاء فالموجود هو النجاسة وحرمة دم الحيوان
((المسفوح)) وفقط وحصريا،،
إن الفقهاء حينما تناولوا أية الدم في القرآن:
(قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ
طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ
لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا)
ولو وقفنا برهة للتفكير فى الآية سوف نجد الآية تتحدث عن الأطعمة
لا عن مطلق الدم، وان الآية أيضا تتحدث عن الدم ( المسفوح) المصفى من البهيمة بجرح
دون ذبحها أو تذكيتها، بالفراغ فى إناء لشربه أو أكله بعد التخثر...!!
فآية الأنعام فى كل الفقه الاستدلالي هى التي قام عليها الفقه الاستدلالي
بالنجاسة، ثم رتب هؤلاء وهؤلاء القول بالنجاسة على مرويات الله اعلم بصحتها أو
بحال رواتها ورجالها...
ومن دون الدخول فى باب تلك الروايات سوف نخوض فى عدد من
الاستدلالات العقلية، تثبت ما ذهبنا إليه، وهو أن الأصل فى الأشياء الحل والإباحة
والطهارة، إلا ما ورد نص صريحا من الشارع بحرمته أو بنجاسته...
ونحن لا نجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة على نجاسة الدم سوى
الدم ( المسفوح) بالطريقة التى سبق ذكرها... ولكنا وجدنا العكس كما سيأتى
ذكره..
أن المسلمين كانوا يصلون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم
الدم الكثير الذي ليس محلا للعفو ، ولم يرد عنه النبى صلى الله عليه وآله أمرا
بغسله، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزا شديدا بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم
التي أصابها الدم متى وجدوا غيرها فإن قيل : إن الصحابة كان أكثرهم فقيرا، وقد لا
يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولا سيما أنهم كانوا في الحروب يخرجون عن بلادهم
فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة فإنه يجاب عنه بـلو كان كذلك لعلمنا منهم
المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء أو البلد وما أشبه
ذلك.
أن الرسول صلى الله عليه وآله لم ينزه المسجد من أن يجلس فيه
الجريح والمستحاضة، وهما أصحاب جرح ينزف، وقد ينجسون المسجد، فلو كان نجسا لجاء
الأمر بالنهي عن دخول المسجد .
ومع هذا فالتراث الروائي يعج بمئات بل الآلاف الأحاديث التى تتحدث
عن ورود الجرحى للمسجد والمرأة المستحاضة حتى فى الاعتكاف .
ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولو استثفرت، ويصح وطئها
وملامسة دم الاستحاضة !! فجواز وطء المستحاضة ودمها ينزل، فلو كان الدم نجسا لحرم
الجماع كما حرم حال الحيض في قوله تعالى: ( قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)
فدم الاستحاضة ليس أذى، فلا يمنع من الجماع، ولا من التلطخ به.
أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب غسله!! ونجد
التناقض بين قوله" أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب
غسله" وبين استشهاده بالرواية "إن المؤمن لا ينجس"فلو كان الشهيد
وحده الطاهر لكان معنى ذلك أن كل الموتى المسلمين نجس لأنهم يغسلون !!
ألا ترى أن العين إذا كانت نجسة فقليلها مثل الكثير، فكيف يقال أن
الدم إن كان قليل لا ينجس الثوب ولا يبطل الصلاة !!
المفترض فى الفقيه أن يبتعد عن الشبهات بعدم إيراد أى أدلة واهية
لا يمكن الاعتماد عليها..
أما ما يخرج الدم من قضية النجاسة ومن مبطلات الوضوء بشكل واضح
وصريح ولا لبس فيه قول الله تعالى فى مبطلات الوضوء:
(وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم)
فلم يذكر الله الدم فى مبطلات الوضوء، ولو كان نجسا ومبطلا للوضوء
فلما سكت عنه الله تعالى فى كتابه !!
يتبع
0 تعليقات