آخر الأخبار

بوابات الأموال القذرة!! (42) الشجاعة والشرف

 

 







كانت الشجاعة عند "عبد الناصر" قرينة الشرف.. وكانت "العزة" قرينة "الكرامة".. وكان العمل هو سبيل الترقى.. وكان الشعب هو المعلم.. وكان الإيمان بالله عنده محله العقل والقلب والروح.




نصر القفاص

 

عندما أصدر "قاسم أمين" كتابه "تحرير المرأة"فى نهاية القرن التاسع عشر.. أشعل رجال الدين الدنيا من حوله نارا.. اعتبروه إباحيا.. فاسقا.. فاجرا.. بدعوى أنه طالب بنزع حجاب المرأة.. والحقيقة أنه لم يقل ذلك نهائيا.. بل دافع عن الحجاب, واعتبره أصلا من أصول الأدب.. ورغم ذلك كانت الصحف تتناوله على أنه زنديق.. كافر.. متساهل فى عرضه وشرفه.. وبعد هذه المرحلة بسنوات كتب "أحمد لطفى السيد" ليقول: "ما علمت رجلا يخاطر بنفسه, ويرهن حياته لإحياء أمته بهذه الشجاعة.. كما فعل قاسم أمين"!!

 

وعندما أصدر الشيخ "على عبد الرازق" كتابه "الإسلام وأصول الحكم" تم إعلان الحرب الشاملة عليه.. وصفوه بكل ما تتصور من سباب واتهامات.. جردوه من علمه وعزلوه من عمله, وهو أحد علماء الأزهر وكان قاضيا.. بعدها أصبح وزيرا, ورفض التفريط فى أموال الأوقاف تنفيذا لتوجيهات وتعليمات "الولد الذى حكم مصر" وشهرته "الملك فاروق" وقدم استقالته راضيا لرفع الحرج عن رئيس الوزراء – آنذاك – "محمود فهمى النقراشى"!!

 

وعندما أصدر الدكتور "طه حسين" كتابه "فى الشعر الجاهلى" قامت الدنيا حوله ولم تقعد.. عاش أزمة استمرت لست سنوات, حتى قرر مجلس الوزراء برئاسة "إسماعيل صدقى" تشريده.. وعاد بعدها "طه حسين" وزيرا للمعارف.. رافضا التنازل عن حريته أو التفريط فى علمه.. لذلك أصبح "عميدا للأدب العربى" وهو عميد كلية الآداب المفصول!!

 

مازال بيننا من يردد أن "قاسم أمين" طالب بأن تخلع المرأة الحجاب.. وبيننا من يرفعون الصوت ضد الشيخ "على عبد الرازق" لمجرد أنه أثبت علميا خرافة الخلافة كنظام حكم.. وبيننا من يناصبون "طه حسين" العداء لأنه أول من قال عن "الحركة المباركة" التى انطلقت يوم 23 يوليو 1952.. أنها ثورة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. لذلك ليس غريبا أن تسمع "جامعى أعقاب السجائر" يقولون عن "عبد الناصر" أنه كان شيوعيا!!

 

فى رسالته للزعيم السوفيتى "خروشوف" صارحه بأسباب رفضه للشيوعية.. وقال "عبد الناصر" بوضوح: "أما حديثكم عن دور الله فى المعركة, والتساؤل الذى ورد فى خطابكم.. وتكرر قبل خطابكم فى بعض إذاعاتكم, فى معرض التساؤل عما فعله الله وما فعله الاتحاد السوفيتى.. فإنى أسمح لنفسى أن أقول, إننا لا نفصل الدور الذى قام به الله فى معركتنا عن الدور الذى قمنا به بأنفسنا.. ذلك أن إيماننا العميق هو أن روح الله كانت فى قلوبنا.. تشد عزائمنا وتقوى بأسنا.. وليست هذه يا سيادة الرئيس محاولة للتبشير بالدين.. إنما هى محاولة لإظهار أن المقاييس المادية وحدها لا تكفى لوزن الأمور فى كثير من الأحيان.. ولو أن المقاييس المادية وحدها تم تطبيقها فى ظروف العدوان, لكان حتما علينا أن نستسلم ولا نقاوم.. وأين هو العقل الذى يقبل أن يقف شعب صغير, فى مواجهة دولتين من الدول العظمى معهما دولة ثالثة من صنائعهما.. جاءوا من كل ناحية حولها, وسدوا مداخل البحر.. وكان لابد يسدوها بأساطيلهم.. وسيطروا على الجو.. وكان حتما أن يسيطروا عليه.. وإنك لتذكر أن المعلومات, التى توافرت لديكم أثناء ما ذكرت – كما ورد فى إذاعاتكم – بأن ما اشترك من طائرات عدونا فى العمل ضدنا, وصل إلى أكثر من ألف وخمسمائة طائرة.. وكنا وحدنا فى مواجهة هذا كله.. وحتى من الناحية الجغرافية, لو تصورنا جدلا أنكم أردتم وقتها أن تسيروا جيوشكم لنجدتنا.. فكيف تصل إلينا, وبيننا وبينكم بحار وبلاد تعيش فيها دول بعيدة عن موضوع النزاع.. ودعنى أعود فأكرر أننا نقدر موقفكم ونفهم دوافعه.. ولم يخطر ببالنا فى أى وقت أن نطلب منكم – أو نتوقع – أن تدخلوا حربا عالمية من أجلنا!! ونحن ندرك أنكم تزنون الأمور حق وزنها.. وما من منطق يرضى أن تتولى تجارب بلادنا, أن تفرض عليكم موعد الحرب العالمية الثالثة.. إنما لظروفكم اعتباراتها الخاصة, ولمقاييسكم أسبابها.. ولابد أن يكون أصدقاؤكم أول من يفهم ويقدر.. وقد كنا – ومازلنا – يا سيادة الرئيس نعتبر أنفسنا من أصدقائكم.. لذلك حاولنا أن نكون أول من يفهم ويقدر"!

 

الذين يتعاملون الحقيقه على أنها "دجل وشعوذة" لا يختلفون عن الملحدين حين ينكرون وجود الله.. ويجوز القول أنهم أكثر خطورة على العقول.. والذين لا يحترمون شعوبهم, وينصبون أنفسهم أوصياء عليهم.. تلعنهم الشعوب فى سرها, وتبصق عليهم بعد رحيلهم!! والذين لا يقيمون وزنا للتاريخ, ويشاركون فى تزوير وقائعه.. يرتكبون جرائم لا تسقط بالتقادم.. والذين يعتقدون أنهم قادرون على قلب الحقائق, يشبهون الذين يمارسون لعب "الثلاث ورقات" فى الموالد الشعبية.. وكل هؤلاء هم الأولى برعاية القائمين على نظام "الأوف شور" المالى والسياسى!! وكل هؤلاء يبحثون عن فتات الذين يشاركون فى نهب مقدرات بلادهم.. لأنه فى أسواق "الأوف شور" كل شى يتم حسابه بالمكسب والخسارة.. فهل يختلف هؤلا عن رؤية "خروشوف" للدين؟! وهل يكشف رد "عبد الناصر" فى هذه الزاوية عن رئيس لدولة.. أم تاجر يتعامل مع الأرقام على أنها دينه وفلسفته؟!

 

نترك الإجابة على السؤال للذين يفهمون.. والذين يقرأون بحثا عن الحقيقة.

 

نتجاهل "جامعى أعقاب السجائر" والذين يتاجرون "بالروح بالدم" لإرضاء الزعيم!!

 

نواصل قراءة رسالة "عبد الناصر" الذى راح يشرح فهمه للاستعمار وأهدافه, فقال: "كل الفارق بين محاولات الاستعمار القديمة, ومحاولاته الجديدة.. هو الفرق بين محاولة قتل فرد بالرصاص.. وقتله بالجوع.. ربما كان القتل بالرصاص أكثر صخبا.. لكن محاولة القتل بالجوع هى الأشد قسوة!! وفى الوقت نفسه بدأت – كما تذكرون – محاولات عزلنا عن باقى الدول العربية المحيطة بنا.. واشتد الحصار الاقتصادى علينا.. بذرت الشكوك بيننا وبين إخواننا.. بل ولفقت ضدنا الأدلة المزيفة.. ما أكثر ما تردد أننا نتدخل فى الشئون الداخلية لهذا البلد أو ذاك من البلاد المحيطة بنا.. قيل أننا نتدخل فى شئون لبنان الداخلية, وقيل فى الوقت نفسه أننا نتدخل فى شئون الأردن الداخلية.. بل جرى الادعاء إلى حد اتهامكم معنا, فى مؤامرة تستهدف السيطرة على الأردن.. واتخذوا ذلك ذريعة للقيام بانقلاب على الحكم الوطنى فى الأردن.. وقيل فى ذلك الوقت أننا نتدخل فى شئون المملكة العربية السعودية, وفى شئون السودان. وفى شئون ليبيا.. وفى شئون تونس.. ومن عجب يا سيادة الرئيس أنكم أكملتم الطريق إلى الحد الذى اتهمتونا فيه بالتدخل فى شئون الاتحاد السوفيتى الداخلية!!

 

وياله من طريق طويل.. ذلك الذى قطعه تدخلنا المزعوم فى الشئون الداخلية لغيرنا, منذ بدأنا نحاوله فى الأردن.. وحتى وجدنا الجرأة على أن نمارسها مع الاتحاد السوفيتى نفسه.. وعلى أية حال فقد كان موقفكم من تهم التدخل التى وجهوها لنا فى الماضى, تختلف عن موقفكم الآن.. وكان واضحا فى ذلك الوقت أنكم تعرفون دور الاستعمار وتدركون خطته.. كانت إذاعاتكم وصحفكم وتصريحاتكم شخصيا, من أكبر العوامل الفعالة فى المؤامرة الموجهة إلى عزل مصر عن العالم العربى, والتى اشتهرت باسم مشروع إيزنهاور"!

القتل بالرصاص أكثر صخبا من القتل بالجوع!

 

حاول الاستعمار وخدمه قتل الشعب المصرى بالرصاص وبالجوع.. فشلوا فى زمن "عبد الناصر" فكان زمن "الأوف شور" وتفجير العالم العربى بالسلام الضائع!!

 

لم تحقق إسرائيل خلال ربع قرن من الصراع المسلح.. نصف ما حققته بالسلام المزعوم.. فرض "عبد الناصر" العزلة على إسرائيل وقت أن كان مهزوما كما يقولون.. وفرضت إسرائيل نفسها بعد انتصارنا الحاسم.. الذى لا يقبل أدنى شك أو تشكيك.. والفرق الوحيد كان سببه موت "الرؤية والمنهج"!! كان غياب "عبد الناصر" ومنهجه سببا فى أن يخدعنا "خدم الأوف شور" بأن "الأمن والاستقرار" هما الثمن الوحيد لكى نرهن أمامهما حريتنا وعقلنا ووطننا.. ثم سقطت ليبيا والعراق واليمن وسوريا, وتتعرض لبنان والسودان وتونس والجزائر والسعودية للمصير نفسه بسلاح "الأوف شور"!! وكل هذه الدول اتهمته زورا وبهتانا بأنه يتدخل فى شئونها الداخلية!!

 

إنتقل بعد ذلك فى رسالته إلى "خروشوف" لملف التعاون المشترك, فقال: "لقد شاركتونا فى دفع الخطر, حين استجبتم لما طلبناه بإرسال بعثة من بلادنا إلى عاصمة بلادكم.. ترأسها المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الجمهورية.. طلبنا منكم المساهمة فى تمويل مشروعاتنا الصناعية, التى وجدنا أنه لابد لنا من القيام بها لمواجهة الحصار الاقتصادى وحرب الجوع الموجهة إلينا.. وتمكننا بفضل روح التعاون, وبفضل الجهود التى كنتم تبذلونها شخصيا من الوصول إلى اتفاقية للتعاون الاقتصادى تم توقيعها فى 18 نوفمبر عام 1957.. وبمقتضاها وضعتم تحت تصرفنا ما يساوى 62 مليون جنيه قر ضا يتم سداده على آجال طويلة.. ويتم تخصيصه لمشروعات التنمية الاقتصادية.. وينبغى أن أذكر لك هنا ونحن نتحدث بصراحة, أن البعثة المصرية واجهت ما أثار انتباهها.. فقد جرى حديث بين السيد تسائيسيف رئيس قسم الشرق الأوسط فى وزارة الخارجية السوفيتية وقتها, وهو يتولى منصب السفير السوفيتى فى العراق الآن..

 

كان حواره مع ثلاثة من البعثة المصرية هم اللواء حافظ اسماعيل نائب رئيس هيئة أركان حرب الجيش واللواء عبد العزيز مصطفى قائد المشروعات واللواء جمال عفيفى مدير العمليات فى سلاح الطيران.. ودار الحدث فى الكرملين, وسمع ثلاثتهم من تسائيسيف رؤيته أن الحياد الدولى خرافة.. وعلى مصر أن تختار معسكرا دوليا تنضم إليه, وأنها لن تجد القوة الحقيقية إلا إذا انضمت لمعسكر قوى.. ثم أضاف يقول لهم.. لماذا تخافون من الشيوعية؟! تقبلوها ونحن نقويكم وندافع عنكم, لأن الحياد لعب على الحبل لا يطول أمره.. وقد رأى المشير عامر بعد أن نقلوا إليه هذا الكلام, عدم إثارة الموضوع وفضل.. وفضلت معه حين وصلنى الأمر.. ألا نصنع منه أزمة تكدر العلاقات بيننا.. واقتنعنا بالتعاون الذى تحقق, أن تسائيسيف كان يعبر عن رأى شخصى, ومن سوء الحظ وبعد التطورات الأخيرة فى العراق أن تصرفات سفيركم هناك تكشف عن أن ما كان يقوله أكثر من مجرد آراء شخصية.. وأحب أن أؤكد لكم أننا نحن الذين سعينا إلى معونتكم الاقتصادية.. وطلبناها بشجاعة وشرف.. وأؤكد لكم أننا نتمسك بها ولا نعتبرها قيدا على حريتنا.. نقول لك ذلك بشجاعة وشرف أيضا.. والدليل أنها لم تمنعنا من أن نبدى لك رأينا.. بشجاعة وشرف.. فيما بدا لنا من مواقفكم تجاهنا.. وسيظل ذلك موقفنا دائما, من غير ادعاء ومن غير ضعف.. وإننا نتصور أنك خلال معرفتك بتاريخنا تتفق معنا فى هذا الرأى".

 

كانت الشجاعة عند "عبد الناصر" قرينة الشرف.. وكانت "العزة" قرينة "الكرامة".. وكان العمل هو سبيل الترقى.. وكان الشعب هو المعلم.. وكان الإيمان بالله عنده محله العقل والقلب والروح.. لأنه كان يقول ما يؤمن به, ويعلنه على الرأى العام.. بالقوة نفسها والوضوح نفسه الذى كان يتحدث به فى الكواليس وخلال المكاتبات السرية.. كانت أسراره العليا هى المبادىء التى ينادى بها, لذلك كان يصدقه أصدقاؤه وشعبه, ويحترمه أعداؤه والذين يتآمرون عليه!!

 

ويتضح ذلك من تفجير المفاجأة, خلال ما تبقى من الرسالة.. حين أوضح أن الاتحاد السوفيتى كان ضد الوحدة بين مصر وسوريا بقدر ما كانت الولايات المتحدة ضدها..

 

بوابات الأموال القذرة!! (41) الشعب العظيم

 يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات