آخر الأخبار

مشروع منخفض القطارة

 

 


 

 

بدأ المشوار في عام 1916على يد البروفيسور \"هانز بنك\" أستاذ الجغرافيا في جامعة برلين .. ثم انتقلت العدوي إلي البروفيسور \" جون بول \" وكيل الجمعية الملكية البريطانية الذي نشر دراسة عنه في عام 1931 ..

 

وفي العام نفسه لم يتردد حسين سري باشا وكيل وزارة الأشغال في عرضه أمام المجمع العلمي المصري ( المجمع الذي احرق).و يقع المشروع بالقرب من مدينة العلمين عند مارينا ..

 

ويتلخص في شق مجري مائي بطول 75 كيلومترا تندفع فيه مياه البحر المتوسط إلي المنخفض الهائل الذي يصل عمقه إلي 145 متراً تحت سطح البحر .. فتتكون بحيرة صناعية تزيد مساحتها علي 12 ألف كيلومتر .. ومن شدة اندفاع المياه يمكن توليد طاقة كهربائية رخيصة تصل إلي 2500 كيلووات/ ساعة سنويا توفر 1500 مليون دولار ثمن توليدها بالمازوت ..

 

ويستخدم المطر الناتج عن البخر في زراعة ملايين الأفدنة التي تحتاج شمه ماء كي تبوح بخيراتها .. ولن تبخل البحيرة بالطبع في إنتاج كميات هائلة من الملح والأسماك .. كما أنها ستخلق ميناء يخفف الضغط علي ميناء الإسكندرية .. بجانب المشروعات السياحية .. وتسكين ملايين المصريين القادمين من وادي النيل الضيق وخلق فرص عمل لهم. كان المشروع مبهرا فى فترة حكم الثورة ... فاستدعي عبد الناصر خبراء من شركة سيمنس الألمانية لعمل الدراسة الميدانية الأولية في عام 1959..

 

وفي العام التالي اتفقت مصر وألمانيا الغربية علي أن يقوم البروفيسور \" فرديك بازلر \" وفريق من جامعة دار مشتاد التي يعمل بها علي القيام بالدراسات النهائية خلال خمس سنوات .. وقدرت تكاليف المشروع علي مدي 15 سنة بنحو 4657 مليون دولار .. منها 800 مليون دولار لشق القناة باستخدام التفجيرات النووية السلمية .. وهي الطريقة الرخيصة والنظيفة والمناسبة والمثالية. وتبدو التكلفة شديدة التواضع إذا ما قيست بحجم الأموال التي أهدرت في بناء قري الساحل الشمالي والتي وصلت إلي 15 مليار دولار !!! ..

 

إن حجم هذه الأموال كان يمكنه تنفيذ مثل هذا المشروع الهائل ثلاث مرات .. وكان سيخلق بجانبه مجتمعات سياحية حقيقية .. وليست مجرد أبنية خراسانية يستعملها أصحابها ثلاثة أشهر في الصيف ثم يغلقونها لتنعي من بناها . لكن قوى الغرب كانت تقف بالمرصاد للمشروع .. فالولايات المتحدة رفضت أن تستخدم مصر الطاقة النووية استخداما سلميا خوفا من أن تنقلب في ظروف التوتر الحادة مع إسرائيل إلي استخدمها عسكريا .. وراحت تضغط وتناور وتلعب من تحت المنضدة ؛ وأجبرت ألمانيا الغربية علي التسويف ؛ وهو ما عطل المشروع سنوات طوال. قبل معركة أكتوبر ..

 

عاد المشروع يبرق في عين أنور السادات ؛ فوضعته وزارة الكهرباء علي رأس سياستها ؛ وفي 25 يوليو 1973 قرر مجلس الوزراء اعتبار المشروع مشروعا قوميا يستحق الأولوية وجري توقيع اتفاقية مالية وفنية مع حكومة ألمانيا الغربية لدراسة المشروع ؛ وقدم بنك التعمير في بون 11.3 مليون مارك منحة لتمويل الدراسات النهائية ؛ وكانت الدراسات المطلوبة عن التفجيرات النووية وتأثيرها علي الزلازل ، وعن المياه الجوفية والمناخ والبيئة وضمان استمرار توليد الطاقة بجانب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية المتوقعة .

 

وفي عام 1975 شكلت لجنة عليا للمشروع من 12 عضوا نصفهم من المصريين والنصف الآخر من الألمان وبعد مناقصة عالمية رست الدراسات علي بيت خبرة ألماني هو «لا ماير» ؛ لكن قبل أن تنتهي الدراسات رفعت «لا ماير» تقديراتها المالية للدراسات إلي 28 مليون مارك ؛ وكان واضحا أن الاستخبارات الأمريكية بدأت في الضرب تحت الحزام . ففي ذلك الوقت وصل وفد من هيئة الطاقة النووية في فيينا وشاهد موقع المشروع علي الطبيعة وشعر بجدية مصر في تنفيذه ؛ لكن كان من بين أعضائه من قدم تقريرا للاستخبارات الأمريكية عن خطورة امتلاك مصر لتكنولوجيا نووية تفجر بها المجري المائي الذي سيوصل البحر المتوسط بالمنخفض !!!! وتحولت الضربات تحت الحزام إلي لكمات . فقررت مصر أن تقاضي بيت الخبرة الألماني «لا ماير» أمام لجنة التحكيم الدولية في باريس لتراجعه عن تنفيذ الدراسات المتفق عليها ومطالبته بنحو 17 مليون مارك أكثر مما اتفق عليه ؛ وسافر وفد من الدبلوماسيين والقانونين ؛ لكن قبل أن ندخل في مفاوضات التحكيم ؛ صدرت تعليمات رئاسية بأن يعود الوفد إلي القاهرة !!!!!!!!

 

ومنذ ذلك اليوم من شتاء عام 1979 لم يعد أحد يسمع شيئا عن المشروع إلا عابرا ؛ لقد أسدلت ستارة سوداء عليه وتم التعتيم علية فى وسائل الإعلام بل وأصيب كل من كان شريكا فيه بالرعب منه ؛ وما ضاعف من الرعب ما جري لوزير الكهرباء الأسبق أحمد سلطان الذي لفقت له المخابرات الأمريكية قضية رشوة شهيرة عرفت بقضية « وستنجهاوس » بعد أن عاند واستمر في برنامج محطات الكهرباء النووية ومشروع منخفض القطارة !!!! وبعد أن نجا من القضية بصعوبة أصبحت مثل هذه الأمور بمثابة عقدة نفسية لكل وزراء الكهرباء الذين جاءوا من بعده .

 

وقبل أحداث 25 يناير ؛ تقدم المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية في مجلس الشورى السابق المنحل بطلب مناقشة حول مشروع منخفض القطارة ؛ وكانت مبرراته :" إن مصر تعاني من فقر في الطاقة البترولية سيتحول إلي مجاعة خلال سنوات ليست بعيدة وأن المشروع سيفتح لنا منجما من الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة ؛ كما أنه سيستوعب أعددا كبيرا من العاطلين الذين ضاقت بهم سبل الرزق التقليدية \" لكن طلب المناقشة جري تأجيلها ؛ فقد دخل بذلك في دائرة المحرمات والممنوعات !!!!!! و بدأ الصراع بين أكثر من وزارة حول المشروع ؛ فوزارة السياحة تريد الأرض لبناء كتل من الأسمنت والخرسانة المسلحة تسميها مشروعات سياحية ؛ ووزارة البترول تريد تعطيل المشروع بحجة أن الأرض هناك تبشر بوجود بترول بها ؛ مع أن المشروع لا يمنع البحث عن البترول بل علي العكس يضاعف من فرص اكتشافه كما جاء في الدراسات الأولية ؛ ووزارة الكهرباء تخشي الانتقال من محطات المازوت والغاز الطبيعي إلي المحطات غير التقليدية التي لا تتمتع بالخبرات الكافية في تشغيلها وصيانتها وإدارتها .

 

وكانت التفجيرات النووية مطلوبة فيما مضي لرخصها عن الوسائل الأخرى ؛ أما بعد أن اعترضت ليبيا علي سند في القول بأن الرياح قد تعبث بالغبار الذري الناتج عن التفجيرات فيصل إليها ، فقد تطورت تكنولوجيا شق القنوات بالطرق التقليدية حديثا ؛ بل إن شركة « سويكو » السويدية كانت قد تقدمت بمشروع لوزارة الكهرباء بأجهزة ميكانيكية كانت حديثة ومتطورة منذ 30 سنة ؛ وبالتالي فلندع حفر القناة بالتفجيرات النووية ولنفكر في شقها ولو مثلما شقت قناة السويس بأذرع المصريين ، حتى لا يقال إن حكومتنا تساعد كل من يريد إفقار مصر بحرمانها من مثل هذا المشروع .

 

الجدير بالذكر انه عارض المشروع في الثمانينات بعض العلماء على رأسهم الدكتور فاروق الباز بسبب الاتى : 1- المياه المالحه التي ستدخل المنخفض من البحر ستؤثر على عزوبة المياه الجوفية في الصحراء الغربية . 2- لا يمكن مد قناة من فرع رشيد إلى المنخفض لتزويده بالمياه العزبة وذلك لسببين الأول إن حصة مصر من مياه النيل تقل باستمرار ؛ والسبب الثاني إن المياه التي تندفع من فرعى دمياط ورشيد الى البحر تحمى الدلتا من أن يأكلها البحر وتحافظ على المياه العزبة الجوفية للدلتا .

 

واستطاع بعض المهندسين والعلماء الحاليين حل هذه المشاكل ومنهم :

 

1- الدكتور عمرو أبوا النصر وهو يقول :

"بدلا من أن تضخ تلك المياه المالحة في القناة ومن ثم إلى المنخفض ، فإننا سنضع محطة تحليه على ضفاف البحر المتوسط ويتم ضخ مياه محلاة بدلا من مياه مالحة حيث بدأنا نحن كفريق عمل مصري بالعمل على إيجاد حل لذلك حتى تمكنت من اختراع جهاز لتحليه المياه له قدرة على تحليه 75 مليار متر مكعب من المياه سنويا وتوليد طاقة كهربية قدرها 210 آلاف ميجا وات و7.5 مليار طن من الملح دون الإخلال بالتوازن البيئي ودون تلوث البيئة وليس هذا فقط بل إن درجة نقاوة المنتج تبلغ %99 ـ %100 وليس هذا فقط بل إن تكاليف الإنتاج للمتر المكعب الواحد تكاد تكون معدومة وتم التأكد بالفعل من هذا النظام عمليا وحاز على براءة اختراع رقم 1492 لسنة 2010 وصنف في المرتبة السادسة ضمن أفضل 47 بحثا على مستوى العالم، ويعد أفضل بحث من نوعه وبهذا تمكنا من تطويع البحث في هذا المشروع " 2- الدكتور سامح متري الذي قال الحل الثاني يتمثل في تحلية مياه البحر بواسطة تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP) ، والذي أجريت عليه تجارب عديدة منذ سنوات، وتتكون هذه التقنية من عاكس شمسي ووحدة مركزية اسطوانية الشكل تحتوى على مواد لامتصاص حرارة الشمس وفصل جزيئات الماء عن الملح ، ومروحة لطرد بخار الماء ، ووحدة لتكثيف البخار لينساب الماء العذب الخالي تماماً من الأملاح . وحول كيفية استخدام مشروع منخفض القطارة لهذه المياه العذبة ، أكد أن الماء العذب الناتج من مئات الوحدات الضخمة ، والقابعة بجوار شاطئ البحر المتوسط، تنساب خلال قناة أو أنبوب ضخم إلى حافة منخفض القطارة على بعد 56 كم من شاطئ البحر ، لتسقط هذه الكميات الكبيرة من المياه العذبة على توربينات دوارة ، تقبع على عمق 60 مترا من سطح البحر لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة .

 

مميزات المشروع تصل عوائد المشروع إلى حوالي 200 مليار جنيه مصري ( هذا عائد تحلية مياه البحر فقط واستخدام الملح فى الصناعات ) اما عائد المشروع ككل فهو ضخم جدا لأنه عبارة عن زراعة ملايين الأفدنة وبناء مدن جديدة بمصانع ضخمه لتشغلها الكهرباء الناتجة عن سقوط الماء في المنخفض ؛ ويقوم المشروع بإنتاج مياه نقية صالحة لجميع الاستخدامات ( الشرب ، الري ، والاستخدامات الصناعية ) ما يعادل 57 مليار متر مكعب سنويا و معدل ضخم من الطاقة الكهربائية ما يعادل 210.000 ميجا وات سنويا ، بمعدل إنتاج أكثر بنسبة 100 مرة من إنتاج السد العالي الذي ينتج 2100 ميجا وات فقط ، فضلا عن إنتاج ملح نقى وعالي القيمة لاحتوائه على اليود ما يعادل 7.5 مليار طن سنويا ناهيك عن زراعة ملايين الأفدنة وزيادة الثروه السمكيه وزيادة المنشئات السياحية على شواطئ المنخفض واهم ميزه له هو نقل اكبر قدر من الكتلة البشرية التي في الوادي والدلتا إلى هذه الأرض الجديدة التي ستصبح خضراء

 

 

(منقول بتصرف / شيرين حسين )

 

إرسال تعليق

0 تعليقات