كتب – مارك أمجد
أثناء عاصفة سبتمبر 1981 لم يكتف الرئيس السادات بعزل البابا
شنودة، إذ إن قوائم الاعتقالات الواسعة شملت 8 أساقفة و24 قسيسا. أي 32 رجل دين
مسيحي وهي حقيقة تاهت بمرور الزمن.
في هذا الكتاب صفحات من ذكريات سجون سبتمبر يرويها الأساقفة
والكهنة. وبعضها لا يخلو من الطرافة رغم مرارة الظلم الذي استشعروه. أحد الأساقفة
أطلق على المعتقل “شيراتون المرج” وآخر كشف عن سر فرح القديسين في السجن. وحكايات
عن المعيشة. ومظاهر الحرمان خلف القضبان.
ولعل واقعة ترسيم القمص عبد المسيح بسيط في المعتقل كانت السابقة
الأولى والأخيرة من نوعها. لكنها ليست الفريدة أو الوحيدة التي تثير الدهشة بين
روايات الأساقفة.
يوضح الكتاب في بداية صفحاته جو الاحتقان الطائفي الذي ساد مصر في
السبعينات والثمانينيات، وعلى رأسها أحداث الخانكة والزاوية الحمراء. ثم ينتقل
لعلاقة البابا بالسادات وكيف أنها ازدادت سوءا حينما عارض البابا الرئيس ورفض أن
يذهب الأقباط للقدس، قبل إخوتهم المسلمين. وقد اعتبرها السادات حركة سياسية من رجل
دين، فأمر بوضعه تحت الإقامة الجبرية بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وهناك، كان
يمارس البابا دوره الرعوي كما هو؛ فكانت تأتيه أفواج من المصلين كي يتبركوا، وكان
يلقي العظات ويعقد الندوات، كما ألّف حسبما يذكر الكتاب 16 مؤلفا: منهم “الوجود مع
الله” و”السهر الروحي” و”حروب الشياطين”.
أيضا يوجّه الكتاب إصبع الاتهام للرئيس السادات بخصوص الحالة التي
وصلت إليها مصر حينها، إذ أطلق العنان للجماعات المتشددة التي قتلته في النهاية،
ويستند في ذلك لما كتبه الدكتور عبد العزيز رمضان في “جماعات التكفير في مصر”
وأيضا محمد حسنين هيكل في “خريف الغضب”.
وبأجواء دافئة ننتقل داخل زنازين الأساقفة والقساوسة في سجن المرج،
فنراهم وهم يصلون قداس الميلاد ويصنعون من الأقفاص مذبحا ويعكفون على قراءة
الإنجيل وترجمة مؤلفات الآباء والصلاة والتسبحة باللغة القبطية غير المفهومة
للحراس. وطريقة تعامل الضباط معهم والتزامهم سياسة الحياد والقدر القليل من
المعلومات.
حتى يأتي اليوم الذي تنقلب فيه الأوضاع ويسمعون عبر الراديو
الترانزيستور خبر مقتل الرئيس على المنصة لحظة احتفاله بنصره.
وبعد مقتله انتقلنا إلى العنابر بليمان وادي النطرون وذلك في عربات
المسجونين، وكانت العنابر على أحسن ما يكون؛ لأن العنبر الذي ألحقنا به كان مستشفى
ومن 16 أكتوبر سُمح لنا بالجرائد والأكل المدني والزيارات، ولم يحدث في داخل السجن
أي نوع من أنواع المعاملات المهينة إلا مرة واحدة كانت هناك شدة مع القس إبراهيم
عبده الذي رفض الأكل ورمى به من باب الزنزانة فسُجن انفراديا لمدة يوم واحد فقط.
وهكذا يحكي في كل فصل، قسيس ما أو أسقف، تجربته الشخصية مع رفيق
زنزانته، أو بمفرده.
الكتاب من النوع التوثيقي إذ إنه عبارة مع مواد أرشيفية جمعها
روبير الفارس. صدر هذا العام عن مؤسسة أخبار اليوم قطاع الثقافة في 90 صفحة من
القطع الكبير.
0 تعليقات