آخر الأخبار

ثغور المرابطة.... طـه عبد الرحمن

 


 

 

أبو أحمد المهندس

 

كـتـب الفيلسوف المغربي الكبير " طـه عبد الرحمن " في كتابه المهم ( ثغور المرابطة - مقاربة ائتمانية لصراعات الامة الحالية ) قائلا :-

 

( الغرض من الثقافة من منظور أسلامي، هو أنتاج ينهض بالعمران ، العمران الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وو … ، ولا ينهض بهذا العمران إلا الإنسان الذي اختار حمل الأمانة، قال تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } ، وبذلك تكون الثقافة هي ائتمان الإنسان الحامل للأمانة، ائتمان على نفسه وعلى الكائنات والموجودات الأخرى في هذا العالم ، وهذا الائتمان هو الذي يورث الإنسان القدرة على النهوض بواجب الأمانة .

 

والمثقف الذي يتعامى عن الآيات الكونية و التشريعية لا يكون إلا مثقفا منسلخا عن الأمانة ، والتفكر في هذه الآيات يجعل المثقف يدرك خطورة معاداة الإنسان -الآية ، وكيف ان هذه المعاداة تتعدى الإنسان - الآية ، الى غيره من الكائنات ، وهكذا فكلما حرم المثقف نفسه من هذا التفكر الآياتي، كلما حرم الاهتداء الى التصدي الى أعداء الإنسان - الآية.

 

ومهمة المثقف المؤتمن، هي القيام بعملية تحويل جذري في الرؤية الى العالم مستبدلا الرؤية الاحتيازية (التملكيه) الى رؤية تضادها وهي الرؤية الائتمانية التي تقتضي جعل العقل أمانة ، والحق أمانة ، والعدل أمانة ، والحرية أمانة ، فضلا عن كل الأشياء المحسوسة في هذا العالم . بحيث لايحترز من شيء احترازه من ان يتفكر في الأشياء بطريقة الحيازة !!!

 

واذا عرفت ان الدين يتكون من القيم الصفاتية المأخوذة من الأسماء الحسنى ، فأعلم ان هذه القيم هي عينها التي أودعت فطرة الإنسان-الآية ، ومقتضى (ميثاق الأمانة) هو ائتمان الإنسان-الآية ، على هذه القيم المثلى المشتركة بين الدين ، تشريعا والإنسان ، فطرةً ؛ واذا ثبت ان الدين والإنسان بحكم هذا الميثاق كلاهما يحمل القيم الصفاتية ، وجب ان تكون الثقافة التي هي الائتمان على الإنسان-الاية ، مؤسسةً على الدين ، لذلك غلب على تعريفات الثقافة تحديدها بكونها مجموعة المثُل والقيم التي تميز المجتمع ، بل نجد من استعمالات الفعل (ثقف) ما يدل على معنى "التقويم" ، كما في قولنا؛ ثقف المعوج، أي قومه وسواه .

 

ورب معترض يقول ؛ ان القيم الدينية ليست أساس الثقافة أو يقول ان الثقافة قد توجد بغير هذه القيم !!

 

اذ الجواب عن هذا الاعتراض او ذاك هو : ان أصول القيم ليس مأخذها الا الصفات الإلهية ، لأنها كمالات، ولا كمال في غير هذه الصفات ، اما فروع هذه القيم فقد بُنيت على هذه الأصول ، وهذا البناء قد يكون صحيحا او فاسدا ، والثقافة سواء أقرت بالأصل الديني لقيمها او أنكرته ، تبقى مدينه للدين بوجود القيم فيها ، حتى ولو اتخذت لها قيم مضادة لقيمه ، فلولا إمكان القياس على القيم الدينية ، ما توصلت الثقافة الى تقرير أضدادها ، جاعلة من الكمالات نقائض ومن النقائض كمالات .

 

وحينها ، يتبين ان المثقف المؤتمن الذي يجعل من القيم الدينية أساس القيم الإنسانية التي تحملها الثقافة ، انما يفتح الثقافة على آفاق تتعدى المجتمع الواحد الى غيره من المجتمعات ، اذ لاينفك ، وهو يضفي القيم على الأشياء، يتوسل بالصفات الإلهية التي أخذت منها هذه القيم ، كأنما يقُوم هذه الأشياء بهذه الصفات نفسها بلا واسطة ، ومثل هذا التقويم المباشر لا أوسع منه نطاقا ولا أبلغ منه تأثيرا ….)

 

إرسال تعليق

0 تعليقات