آخر الأخبار

بين "القرآن" و"الحديث"... تتواصل الحوارات والأحاديث!!

 




 

رأفت السويركي

 

أثارت تدوينتي حول قضية نهج تجليس ما سُمي وجرى التعارف عليه بـ "الأحاديث/السنة النبوية" في "كفة" معادلة لـ "كفة" القرآن الكريم تلك التي ذكرها الداعية خالد الجندي بقوله: "القرآن وصل إلينا محفوظاً بتواتر الرواة مثل الأحاديث النبوية"؛ أثارت نقاشات جديرة بالإشادة والتقدير؛ وتقديم الشكر لكل الذين دخلوا في حومة التحاور حول هذه القضية؛ ومنهم أساتذة يعتبرون من علامات الفكر والمعرفة؛ ولهم أسفارهم حول القرآن الكريم ولغته العربية؛ لغة القرآن الكريم؛ وكيفية التعامل مع خطابها في الأزمنة المتتالية (ا.د أحمد يوسف علي؛ وا.د السيد فضل أنموذجاً).

 

المشترك الرئيس بين الطرفين هو الدوران في التحاور حول إشكالية عميقة في ساحة العقيدة ترتبط بنوعي الخطاب (القرآن وروايات الأحاديث) ومدى توافر شروط وضوابط الصورة المحيطة بهما بحكم ارتباطهما بالرسول الكريم ﷺ.

 

*****

 


وإذا كان الخطاب الأول (القرآن الكريم) منذ لحظة النزول "آية آية" على قلب الرسول الأكرم (صلعم) محكوماً بربانيته نصاً مقدساً محفوظاً في اللوح؛ ثم وَقَرَ في الصدور ونُقِشَ في الألواح الأولى/ "الرقاع"وفق ما ذكرته المراجع؛ فإن الخطاب الثاني/ " روايات الأحاديث" أحاطت به إشكالات بنيوية عميقة لا تزال مستحكمة وتمثل مصدرية للتعارض.

 

وهذا ما أثبتته التفاعلات التي حركتها التدوينة بالحضور الثري للعالمين الكبيرين في خطاب لغة الضاد والثقافة العربية: ا.د أحمد يوسف علي بكتابه العميق "في صحبة القرآن" أنموذجاً؛ ا.د السيد فضل بكتابه العميق "تراثنا النقدي ـ دراسة في كتاب الوساطة للقاضي الجرجاني" أنموذجاً".

 

*****

 



إن مفترق التباين تركز في اتجاهين:

 

** الأول "المُحَذِّر" من اعتبار الموضوع في "كفة التناظر" متعادلاً ومتساوياً في الموثوقوية المطلقة الحاكمة لـ "الخطاب القرآني" مع الخطاب الآخر المرتبط بالمرويات والمًسمَّى "الأحاديث / السُّنة"؛ وتمثل الحقل الذي تضخم الخطاب حولها نتيجة تضخم حجمها بإفراط التنظير دفاعاً أو نقضاً لها؛ على الرغم من المشكلات البنيوية التي تحيط به تاريخوياً؛ بدءاً من زمن الرسولﷺ نفسه باعتباره "الرمز/ المَصْدَر" المشترك بين النوعين.

** والثاني "المُنَافِح" بشراسة عن اعتبار هذه "المرويات/ الأحاديث" لا تختلف في قداستها ووزنها العقدوي عن "القرآن الكريم" ذاته؛ على الرغم من كل المُحيط بها من خطابات دارسة اشتغلت على تاريخانيتها وطريقة نظمها؛ ونمط مبناها؛ ومدى مفرداتها الحاكمة لموضوع الانتساب القولي للرسولﷺ .

 

وهذا أيضاً ما فرض نفسه في التدوينة بعد القيام بإشهارها؛ وكان نهجها العمل على تفكيك خطاب محاولة الارتقاء بالمرويات الظنية الانتساب للرسول الأكرم (صلعم) لتكون بقداسة النص القرآني الكريم على الرغم مما يعد ـ اعتواراً في المنطق ـ بتجاوز كل المشهود والمسلم به اليقينوي حول القرآن؛ لوضع الخطاب "الصحيح والضعيف والمكذوب و... و... إلخ" من حيل الفقهاء بالاصطلاحات المُجَلَّسَة في الخطاب العقدوي بشقيه "السني والشيعي" على حد سواء لإثبات معادلته في الوزن القرآني.

 

وإذا كان النص القرآنوي الكريم محكوم بـ (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)؛ فإن النص الآخر بمنطوقه المختَلف بشأنه حسب الراوي لم يكن مجموعاً ومحصوراً ومدققاً أو حتى مكتوباً بمجمله ولكن جرت محاولات تجليسه وتقعيده بعد قرنين من الزمان على أكثر تقدير بمحاولات البخاري ومشابهيه.

 

*****

 


والسؤال المرتبط بهذه القضية: إذا كان الخليفة عثمان بن عفان (رض) أنجز مسألة "المصحف الجامع" والموثوق به وهو وحي الله على قلب رسوله والذي أبلغ به البشرية بالحق؛ فلماذا لم يُنْجز الخليفة نفسه مشروع جمع المنقول من الروايات المنسوبة للرسول نفسه من غير القرآن الكريم؛ والتي يصفونها بالسنة المحمدية قولاً وفعلاً طالما أن هذا الأمر مقدسٌ.

 

فهل يعقل أن يُقصِّر هذا الخليفة المبشَّر بالجنة ومن أوائل الصحابة الذين أسلموا قبل بدء المسلمين الاجتماع في دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ وهو الذي جمع المصحف هل يمكن أن يقصر في الأمر عن حفظ روايات أقوال الرسولﷺ غير القرآنية؟ ألا يعني هذا ـ لمن يتفكر ـ أن عثمان بن عفان (رض) كان متيقناً ومدركاً لدلالة غضب الرسولﷺ عند علمه بكتابة غير القرآن من بعض المحيطين به والمستمعين لأقواله والمشاهدين لأفعاله؛ وألا يعني امتناعه عن جمع الروايات هو الالتزام بأمر الرسولﷺ ألاَّ يكتبوا عنه غير القرآن الكريم؟!

 

وحين يتم نفي القول بغضب الرسولﷺ من كتابة تلك المرويات؛ فهذا لا يحتاج دليلاً لمن يتساءل عن دليل غضبه؛ وبالمنطق نفسه يمكن توجيه السؤال إليهم: "لماذا لم ينقل الرواة عن الرسولﷺ قولاً يأمر الناس بكتابة ما يرويه من دون القرآن"؟. ولو كان ذلك حقيقياً لرأيت كل راوٍ يُصَدِّر مروياته بقول الرسول الأكرم على سبيل المثال: "اكتبوا عني ما أقوله لكم".

 

إن أبلغ الشهادات بنفي الكتابة ما ورد عن أبي سعيد الخدري بقوله: "جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى "، وفي رواية عنه قال: "استأذنَّا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا ".

 

*****

 


ومن يتابع نسق دفاعات إباحة كتابة المرويات يجد "حرفية" من يسمونهم "أهل العلم" في دورانهم المشهود لتأكيد موافقة الرسولﷺ على ذلك بقولهم: إن النهي كان مخافة اختلاط الحديث بالقرآن؛ وقد نسخ هذا الحكم بالإباحة الناسخة لأحاديث المنع، وذهب إلى هذا الإمامان النووي وابن حجر، وطائفة كبيرة من أهل العلم.

 

وهذا يستدعي بالضرورة التساؤل: متى توقف نزول الوحي على الرسولﷺ؟ ومتى توفي وانتقل للرفيق الأعلى حتى ينقضي أمره بالمنع أو ما يسمونه الحكم بنسخ عدم الكتابة لغير القرآن من أقواله؟

وإذا كان هؤلاء ـ أهل العلم ـ يروجون بأن منع الرسولﷺ للكتابة كان مخافة "الاختلاط والاشتباه" بين القرآن والمرويات؛ وهذا حقاً يمثل "العِلَّة" لأمر المنع حسب اصطلاح أهل العلم أنفسهم؛ ولكنهم قاموا بممارسة لعبة التأويل فقالوا: أن النهي كان عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة. والسؤال الواجب طرحه عليهم بالضرورة: لماذا لم يقل الرسولﷺ لهم: "اكتبوا هذا في صحيفة وذلك في صحيفة أخرى"؟

 

*****

 


ويواصل "أهل العلم" كما يصفون أنفسهم المناورات بقولهم "أن النهي كان في حق من يوثق بحفظه مخافة أن يتَّكل على الكتابة، وأما الإذن فهو في حق من لا يوثق بحفظه". والسؤال الواجب طرحه عليهم بالضرورة كذلك: ألم يكن كتبة الوحي محددين بالإسم ويعرفهم الرسولﷺ حق المعرفة؛ من يحفظ ومن لا يحفظ؟ إنها من الحيل المشهورة في التأويل.

 

وفي الأمر نفسه حين المحاججة بأن الاعتداد بروايات طلب الرسول عدم كتابة الأحاديث لم تأتِ من القرآن ولكنها مما تسمى مرويات الأحاديث؛ وهذا الاحتجاج بها وفق اقتناعهم يمثل اعترافاً بالروايات من الرافضين لها. غير أن ما ينبغي أن يتفكروا حوله: أليس من واجب العلماء أن يتذكروا قاعدة المنطق القائمة على أن مقارعة الحجة بحجة من نسيج نوعها ذاته أبلغ.

 

فحين يحتج المتحفظون تجاه الرواية بمروية تمنع منعاً حاسماً كتابة غير القرآن عن الرسول؛ فهو نوع من الحجاج بخطاب الآخر نفسه؛ أي بالاعتماد على الرواية ـ التي تمثل نهج الآخر ـ لإقناعهم بما يعتمدونه في قناعاتهم من جنس الرواية. لذلك فإذا جرى نفي نفي منع كتابة غير القرآن فهذا إثبات للنفي نفسه؛ ويصبح التساؤل مشروعاً حول مصداقية قبول اعتمادهم على الرواية في إقامة حجة القبول بها معادلا للخطاب القرآني. إذ لا ينبغي نفي حجة ما يعتمدونه نهجاً في الاقتناع.

 

*****

 

إن الملفت لمنطق تقديس المرويات هو الاحتجاج بالقول أن القرآن الكريم بنصه "يدل على السنة" كما ورد في المحاورات حول التدوينة احتجاجاً بقوله تعالى:" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون". وقال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم".

 

والسؤال لماذا يتم تصدير التصور بأن من يناقش وينقض قداسة "المرويات" ينفي ما دعا إليه القرآن الكريم؟ فكل تلك الآيات الكريمة توضح من دون لبس ما يُراد من طقوس وشعائر العقيدة؛ وطاعة الرسولﷺ حولها واجبة؛ وأن الذكر قد بيَّن كل الواجبات؛ إذ المقصود الأساس من خطابه هو تبيان مفهوم الإيمان وقواعده والتوحيد ونفي الشرك والفسوق والعصيان إلخ. وما يؤكد ذلك بالأمر القرآني الذي يمثل الفضاء الإيمانوي المفتوح هو: "وما آتاكم الرسولﷺ فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وبلاغة ووضوح هذا الأمر يغنيان عما تكدس من المرويات بكل عللها؛ والتي لم يتم توثيقها والتثبت منها وقت قولها؛ لتصبح علماً بكل علله بعد قرنين من الزمان على أقل تقدير!

 

*****

 

إن ما يلفت الانتباه في قول فريق "خطاب المرويات" هو انتزاع الاصطلاح القرآني "الحكمة" وحصره فيما يصفونه بمقصودهم "السنة القولية/ الأحاديث". وهم بذلك يتجاهلون ما يعرفونه بأسباب النزول؛ ويحتكرون فهم مُراد القرآن؛ كما ورد في الآيات: ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).

 

وهنا نذهب إلى "تفسير الطبري" بحرفه لكشف حقيقة هذا الاتجاه؛ إذ ورد ما يلي: "وأنـزل الله عليك الكتاب والحكمة"، يقول: ومن فضل الله عليك، يا محمد، مع سائر ما تفضَّل به عليك من نعمه، أنه أنـزل عليك "الكتاب"، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة "والحكمة"، يعني: وأنـزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملاً ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده (78)، "وعلمك ما لم تكن تعلم" من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائن، فكل ذلك من فضل الله عليك، يا محمد، مُذْ خلقك، (79) فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك، بالتمسك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنـزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن. ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه، واتبعت هوى من حاول صدَّك عن سبيله". انتهى/الطبري.

 

وما يلفت الانتباه لدى أصحاب هذا التوجه لإثبات يقينية الرواية كما يقتنعون؛ يميلون للتلويح بما ورد من أقوال حول "ما يُسمى بالقراءات الشاذة وهي من الآحاد غير المتواتر، ووجودها لم يقدح في صحة القرآن ولا تواتر القراءات العشر...".

 

والواجب الالتفات في استخدامهم لهذه الحجة أنهم يتجاهلون ما اصطلح على تسميته بـ "العرضة الأخيرة للقرآن" والتي عرضها الرسولﷺ في عام وفاته على "جبريل"، وقد أجمع عليها الصحابة كلهم؛ ومنهم من كان يكتب لنفسه اجتهاداً نسخة من القرآن بعضها لم يكن منضبطاً بنمطية المراجعات، لذلك الأمر كان الحفظ الموثوق فقط ممثلاً في جهود الجمعين "البكري/ أبو بكر الصديق"، و"العثماني /مصحف عثمان" رضي الله عنهما؛ تلبية لضرورة تفرضها خشية موت حفظة القرآن في "حروب الردة" على الرغم من وجوده مكتوباً في الرقاع.

 

ولحسم هذه القضية نذكر ما أورده الدكتور إبراهيم الجرمي في كتابه "معجم علوم القرآن" بأن "مصاحف الصحابة" المكتوبة لأنفسهم :"لم يتوخوا فيها مطابقتها لما ثبت في العرضة الأخيرة؛ ولذا خالفت المصحف الإمام الذي أجمعت عليه الأمة كلها، وأغلب الظن أن القراءات الشاذة غير المقروء بها مردها إلى هذه المصاحف الخاصة التي اتحدت كلمة المسلمين على عدم القراءة بما تضمنتها و لم يعنوا بها فانمحت آثارها ولم يبق منها شيء إلا بعض مرويات في كتب المصاحف وبعض كتب الحديث والتفسير". وبهذا القول يقطع الدكتور الجرمي قول كل خطيب!!

 

*****

 

ويكفي أن أمهات الكتب العربية الراصدة لهذه المراحل التاريخوية ذكرت بوضوح مطلق ما يجعل الحذر واجباً في هذه القضية... كما يلي:

 

** في كتابه "تذكرة الحفاظ" للإمام الذهبي: "روت السيدة عائشة، أن أبا بكر جمع عن النبي خمسمئة حديث، ثم بات ليلته يتقلب، ولما أصبح قال لعائشة: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك".

 

** وفي كتاب " تذكرة الحفاظ" أيضاً يقول الذهبي: جمع أبو بكر الصدّيق الناس بعد وفاة نبيّهم فقال: "إنكم تُحدِّثون عن رسول الله ﷺ أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه".

 

** وفي "تذكرة الحفاظ" أكد الذهبي: عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه ابن عبد الرحمن أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلعم، وكان قد حبسهم في المدينة حتى أطلقهم عثمان.

 

** وفي كتابه "مختصر تاريخ دمشق" يذكر ابن منظور: عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة. وكان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض عمر!

 

** وفي كتابه "البداية والنهاية" لابن كثير... أن عمر بن الخطاب قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة.

 

** وفي كتابه "تقييد العلم" للخطيب البغدادي ورد : حدثنا القاسم بن محمد: أن عمر بن الخطاب، بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها، وقال: " أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي " قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار، ثم قال: "أمنية كأمنية أهل الكتاب ؟".

 

** وفي كتابه "أضواء على السنة المحمدية" يذكر الشيخ محمود أبو رية: كان الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة وأهل الفتيا منهم يتَّقون الرواية عن النبي ويهابونها، بل كانوا يرغبون عنها، إذ كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يؤدوا كل ما سمعوه عن النبيﷺ على وجهه الصحيح".

 

** وفي كتاب "شيخ المضيرة"، يتصدى محمود أبو رية لتفنيد اعتمادية أبو هريرة كمرجعية للروايات لكون مرافقة أبي هريرة للنبي ﷺ كانت أقل من سنتين، وقد ظل مقيماً في البحرين حتى وفاة الرسول العام 11هـ. وعلى الرغم من ذلك يعدُّ أبو هريرة واحداً من أكثر الصحابة روايةً عن الرسول ﷺ.

 

** وفي كتابه "تأويل مختلف الحديث" يذكر "ابن قتيبة" أن العديد من الصحابة منهم عمر وعلي وعائشة والزبير وعبد الله بن مسعود وجّهوا سهام شكوكهم إلى بعض مرويات أبي هريرة.

 

** وفي كتابه "جناية قبيلة حدثنا" رصد المفكر "جمال البنا" تاريخ رواية وجمع "الأحاديث النبوية" والظروف السياسية والتاريخية التي أحاطت بمرحلة تدوينها؛ وتحويلها من "مرحلة الشفاهة إلى مرحلة التدوين". ورد على من يسمون " أهل الحديث" بقوله أنهم: "يستدلون بأن الرسول ألقى خطبة فأعجبت أحد المستمعين من اليمن، فسأل أن تكتب له، فقال الرسول "اكتبوا لأبي شاه"... إن هذه الأحاديث إذا صحت ــ وفي النفس شيء عن رواية عبد الله بن عمرو ــ فإنها لا تعدو إلا استثناء من المبدأ العام ولشخص واحد، ولذا لا تـُعد حجة في التصريح بكتابة الحديث".

 

وهي كلها شهادات ينبغي تقدير أهميتها.

 

*****

 



وإذا كانت هذه الكتابة تتلمس الخطوط العامة للحوارات الثرية التي أحاطت بالتدوينة المفككة لكلمات الداعية خالد الجندي"القرآن وصل إلينا محفوظاً بتواتر الرواة مثل الأحاديث النبوية"؛ فإنها تدرك انفتاح فضاء العقيدة بقاعدة التفكر (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).

 

لذلك نضع في مكانة التقدير كل من شاركوا في الحوار لعرض أسانيدهم؛ بعيداً عن التصنيف المريض بالـ "مع" أو "الضدية" حيث لا كهنوتية في الإسلام. وعلى حد قول الشيخ خالد الجندي نفسه في برنامجه "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة "dmc": "أنهم ليسوا رجال دين، ولا يوجد كهنوت أو رجال دين أو تمثيل لله في الإسلام".

 

إرسال تعليق

0 تعليقات