ناجى عباس
كيف سيتعامل العالم مع الحكام الجدد في أفغانستان؟ هل يمكن ان
تتعاون دول العالم المتنفذة بالفعل مع سلطة طالبان في أفغانستان؟ وما هي المصلحة
التي ستفرض ذلك؟ وكيف سيجري التوفيق بين طروحات محاربة الإرهاب، والتعاون مع سلطة
توصف طيلة أكثر من عشرين عاماً بأنها إرهابية؟ وما الذي سيعنيه ذلك على تيار الإسلام
السياسي في المنطقة العربية؟ أسئلة تطرح نفسها بشدة اليوم على كل من له مصلحة
مباشرة في منطقة جنوب شرق آسيا..وهذا ينسحب ليس فقط على الدول الغربية، بل أيضاً
على الصين وتركيا وروسيا والهند وباكستان وغيرهم.
الدوائر السياسية الغربية كانت تعلم منذ خمس سنوات على الأقل ان
طالبان عائدة لا محالة الى الحكم في أفغانستان، وكانوا يتحدثون في الدوحة مع ممثلي
طالبان عن صورة " الحكومة التي يريدونها حين عودتهم الى الحكم وضمانات عدم الإضرار
بمصالحهم "، فلا أحد يستطيع " او يريد " استمرار رعاية وارضاع دولة
مفككة مثل أفغانستان الى الأبد..ومنظومة الفساد التي أدراها أمراء الحرب طيلة
الوقت - برعاية كاملة من الحكومة الأفغانية - منعت من استعادة أفغانستان لما يُسمى
"مؤسسات وهياكل الدولة الموحدة " فظلت أفغانستان مجموعة امارات متناثرة
يسيطر عليها أمراء الحرب - برغم كل ما فعلته واشنطن وحلفاؤها هناك على مدى عشرين
عاماً، ولذا كانت حركة طالبان متأكدة من عودتها الى السلطة، وتعلم ان واشنطن
وحلفائها غير معنيين الا بمعرفة" نوع الدولة " التي سيؤسسونها، وبكلمات
أخرى " دول العالم الفاعلة ليست معنية الا بما ستمارسه " افغانستان
الجديدة تحت حكم طالبان خارج حدودها" - أما السياسة الداخلية فهذا شأنهم
يفعلون فيه ما يريدون..وهذا تحديداً هو الاتفاق غير المكتوب بين الولايات المتحدة
وحلفائها وحركة طالبان، وكان الغرب طيلة الوقت في مباحثاته في الدوحة أو خارجها
يسعون لمعرفة ما إذا كانت حركة طالبان ستنسجم مع النظام الإقليمي الداعم للاستقرار
في آسيا الوسطى؟ أم أن أفغانستان تحت حكم طالبان ستتطور الى منصة لنشر التطرف
الإسلامي العالمي مرة أخرى ؟
وحقيقة الأمر فالإجابة على هذا السؤال الآخير لم تكن تعني دول
التحالف الغربي فقط، بل أيضاً روسيا والصين، وبدرجة أقل الهند وتركيا. لأن كل هذه
الدول لها مصالح مباشرة في الحفاظ على العلاقات مع " دولة أفغانية معتدلة
مهما كانت التكاليف - سواء كانت تحت حكم طالبان أو غيرها..والقلق كان عاماً بشأن
ما يمكن أن تعنيه حكومة قوية ومتطرفة في آن واحد تحكم كل الأراضي الأفغانية.
طالبان والدولة الإسلامية.
حكم الزعيم السابق لطالبان الملا محمد عمر أفغانستان - بحسب
قناعاته - وفقًا للشريعة، وذلك قبل الغزو الأمريكي لبلاده عام 2001، وبالرغم من
ذلك يعلم التحالف الغربي ان أفغانستان في ذلك الوقت وتحت حكم طالبان كانت تطمح
لتأسيس " دولة اسلامية وطنية " وليس "الدولة الإسلامية
الشاملة"، ولم يرفع قادة حركة طالبان في أي وقت طيلة حكمهم للبلاد راية
أفغانية تتجاوز حدودهم الوطنية الأفغانية - كذلك كان الملا عمر قد أعلن عام 1998
أن هدف طالبان هو "إنهاء النكبات في البلاد، واحلال السلام والأمن ، وحماية
الأرواح والثروات الطبيعية والشرف، وفرض الشريعة الإسلامية داخل البلاد، والجهاد
ضد الفاسدين الساعين للسلطة، وان هدف الحركة النهائي هو تحويل افغانستان الى دولة
نموذجية ". هذا هو ما قاله الملا عمر حينها..السعي لدولة أفغانية إسلامية
" وليس لإنشاء الدولة الإسلامية العالمية ...وهذا فرق كبير يفهمه الآن الغرب
ويتعامل معه بواقعية أكبر..فطالبان - كما قال ممثلوها في الدوحة للأمريكان أكثر من
مرة لم تمارس " الجهاد العالمي " بحسب تعريفه الغربي أي الارهاب العابر
للحدود - وبالرغم من أفغانستان نحت حكم طالبان باتت واحدة من أهم ملاذات الجماعات
الإرهابية في جميع أنحاء العالم. لكن لهذا اسباباً أخرى يتوجب منع تكرارها….هكذا
يفكر الغرب الآن لتبرير "واقعية" التعامل مع " أفغانستان
الجديدة"
.....
في منتصف عام 2010 ، تسربت " داعش " أو ما يصفها الغرب
ب" الدولة الإسلامية" الى العراق. قبل ذلك كان هناك العديد من الجماعات
الإسلامية الأخرى مثل " القاعدة وحماس والإخوان المسلمون، وطالبان والجهاد
الإسلامي الفلسطيني ، الجهاد الإسلامي المصري ، بوكو حرام ، حزب التحرير ، وإمارة
القوقاز" وجماعة ابو سيف وغيرهم وغيرهم - لكن أي هؤلاء من وجهة نظر الغرب لم
يشكل تهديدًا منهجيًا عابراً للحدود مثل داعش. ..ولذا كانت الدول الغربية المختلفة
تستخدم بعض تلك الجماعات سياسياً من وقت لآخر. باعتبار - ان الخلافة الاسلامية ذات
أهمية ثانوية بالنسبة لجميعهم - بحسب ماقال أحد الخبراء يوماً في مؤتمر ميونيخ
للأمن والدفاع - ليس لعدم رغبتهم في اقامتها، بل لأنهم كانوا يعتقدون أن الظروف
التاريخية لم تكن تسمح بتأسيسها بعد. .وتكفلت الأجهزة الأمنية الغربية " بمنع
نضوج الظروف الموضوعية تلك " الا بالقدر الذي يسمح بمحاربة الخصوم الدوليين.
بالإضافة إلى ذلك ، هناك اتهامات واتهامات متبادلة داخل التحالف
الغربي نفسه بشأن تشكيل العديد من هذه المجموعات لأسباب سياسية واقتصادية في
استغلال كبير لحقائق جغرافية وعرقية، وبالتالي فتلك الجماعات لم يكن من طبيعة نشأتها
الاهتمام بالهيمنة العالمية - ولا يعنيها ذلك، فمهامها الرئيسية بحكم نشأتها كانت
داخل الحدود الإقليمية، لكن تنظيم الدولة الإسلامية من بدء التأسيس كان مختلفًا -
يتجاوز في مهامه وأهدافه الحدود الاقليمية الى ما ورائها، وينادي بذلك ويهدد
ويتوعد وينفذ تهديداته - رغم ان من سعوا لتأسيس تنظيم الدولة الاسلامية - لم يتصوروه
على هذا النحو - لكن المارد خرج من القمقم رغماً عن صاحبه - وبات على الغرب
التعامل مع واقع جديد - أكثر رعباً لكل الرافضين له - والآن وبعد عودة طالبان إلى
السلطة - بدأت الجماعات العاملة في أفغانستان تعي ذلك ، وتعي مخاوف الغرب من
" احتمالات" التغير النوعي في بنية حركة طالبان - ومطالبة بعض تيارات
طالبان بالتحالف مع داعش أو احدى تنظيماتها داخل افغانستان مثل تنظيم الدولة
الإسلامية في خراسان (IS-K) ، من زاوية
"وحدة الهدف" ..وهذا ما يتوجب امريكياً وغربياً تلافيه بأي ثمن، حتى ولو
كان الاقتراب من طالبان وافغانستان الجديدة ودعمها - حتى تظل بعيدة عن داعش...وجهة
النظر الأمريكية تلك بات تتبناها أهم الدوائر الامريكية، ولم تعد نظرية فقط، بل
وانتقلت ليرى العالم ملامحها في كل تصريحات المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض
..وبات الاعلام الغربي يتناولها من منظور واقعية السياسة والقبول بالأضرار الأقل
اتقاءً للمخاطر الأكبر.
طالبان وداعش
رغم ذلك هل من الممكن بالفعل التحالف بين طالبان وداعش؟
البعض يرى - وانا منهم - ان مثل هذه المخاوف غير واقعية في المدى
المنظور على الأقل..وبالتالي فكل ما يُبنى عليها غير مناسب للطرح باسم الواقعية،
فالعلاقة بين طالبان والدولة الإسلامية علاقة تنافر منذ البداية، ولطالما نظرت
حركة طالبان إلى داعش باعتبارها "قوة أجنبية" في البلاد مشكوك فيها
وتعمل لحساب "طرف ما" لتحقيق أهداف مختلفة تتجاوز الحدود الاقليمية وهذا
ما يتعارض وأهداف حركة طالبان ، وبذا فهي من هذا المنظور خصم سياسي يسعى لانتزاع
السلطة وتأسيس الخلافة - التي لن تكون افغانية بالطبع - كذلك كانت الخلافات
الايدلوجية بين طالبان وداعش كبيرة ، فطالبان تتبنى مبادئ الإسلام الحنفي،
والسلفيون في داعش يعتبرون ذلك من طالبان وأغلب المنظمات الإسلامية القومية كفر وهرطقة،
وهذا تحديداً ما يعتبره حلفاء الغرب " اساساً جيداً " يمكن البناء عليه،
لدفع طالبان لتحقيق مستوى مقبول من التطبيع والاستقرار، ويمكن أن يشمل ذلك
الاستعداد لمحاربة داعش..
من تلك الزاوية سيكون على حكومة طالبان الجديدة مواجهة تحديين
اثنين.. اولاهما هو الحصول على الاعتراف الدولي والشرعية حتى يتمكنوا من الحكم
باعتبارهم جزء من النظام العالمي - وهذه هي رغبتهم التي صارحوا الأمريكان بها في
الدوحة - والتحدي الثاني هو منع داعش والجماعات المتطرفة والمتمردين الآخرين من
تحدي حكمهم أمام العالم، وطرح أنفسهم كبديل - وهذا يستوجب من طالبان التطبيع مع
الغرب بشكل كامل، حتى لا يفكر أحد في استخدام الخصوم كبديل محتمل لحكمهم..خاصة وان
تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يعتبر نفسه جزءًا من خلافة مستقبلية
شاملة، وجزء كبير من قياداته من المقاتلين السابقين في طالبان. بعبارة أخرى، ان
كثيراً من المنشقين عن طالبان يتبنون الأجندة الثورية العالمية للدولة الإسلامية،
وبالتالي يعارضون بناء الدولة القومية المحدودة الا باعتبارها " مرحلة وجزء
من كل يتوجب استكماله لانضاج ظروف تأسيس دولة الخلافة الاسلامية..وهذا ما يعرفه كل
الأطراف صاحبة المصالح في جنوب شرق أسيا أيضاً ويمكن ان يستخدمه بعضهم لتهديد
طالبان.
في اطار ذلك الطرح الأمريكي الغربي بالدرجة الأولى - فإن الاعتراف
والدعم الدوليين قد يجعل التغلب على هذه التحديات أسهل، وعليه يمكن للقوى الأورو
آسيوية مثل روسيا والصين وتركيا وإيران والاتحاد الأوروبي دعم طالبان - حال التأكد
من قدرتها على استعادة الاستقرار وتوحيد الدولة الافغانية - فحينها فقط يمكن
استخدام أفغانستان المستقرة "كحصن" ضد تنظيم الدولة الإسلامية - داعش -
وليس ملجأً لها.
.....
يتبع
0 تعليقات