علاء الدين شهاب
كُتِبَتْ آلاف الكتب في الحديث الشريف بفنونه المتعددة .. في المتن
و الشروح و المصطلح والرجال وغيرها من المواضيع الدقيقة و الشائكة .
ولعل أشهر كتب المتن هي الكتب الستة بالإضافة إلى مسند الإمام احمد
و موطأ الإمام مالك وكتب أخرى مهمة.. بعض تلك الكتب جاءت كجوامع كجامع الإمام
البخاري - الكتاب الأهم لدى المسلمين - وجامع الإمام الترمذي وهو كتاب عظيم جداً ،
كنت قد قرأته قديما بتحقيق العلامة احمد شاكر وليته أكمل التحقيق فهو بصدق أعجوبة
بالتحقيق و العلم الغزير .. بعض تلك الكتب جاء مبوباً على أبواب الفقه كصحيح الإمام
مسلم وكان لايفارقني تقريباً أيام الشباب، وسنن أبي داود السجستاني . وبعضها
دُوِّنَّ على ضوء أسانيد الصحابة الكرام كمسند الإمام احمد وهو أشهرها - بلا ريب -
وله شروحات كالفتح الرباني للإمام الساعاتي وله تحقيقات كثيرة أشهرها تحقيق احمد
شاكر وتحقيق شعيب الارناؤوط وهناك تحقيق كبير قام به الدكتور العراقي ماهر ياسين
الفحل على مابلغني واني متلهف لاقتنائه بشدة وكذلك مسند مسدد ومسند ابن أبي شيبة
وغيرها .
وبعضها كُتِبَ على أبواب الترغيب والترهيب ككتاب الترغيب والترهيب للإمام
المنذري وقد قرأت منه أجزاء وليتني أكملته .
وللمنذري كتاب اختصر به صحيح مسلم اسمه مختصر صحيح مسلم ذكر فيه الأحاديث
بدون أسانيد في مجلد واحد ضخم كنت قد قرأته قديماً وبعضها جاء مبوباً على التزكية والأخلاق
كرياض الصالحين للنووي الذي قرأته مرات عديدة وقرأت شرحه العجاب لابن علان ولم أكمله
للأسف .
أما شرح ابن عثيمين فقد اطلعت عليه، و هو لا يبلغ شأن ابن علان و
لا يدانيه فشتان مابين الكتابين ( هذا رأيي الشخصي طبعاً) ..
وكتب أخرى كتبت لفوائد معينة كأذكار الامام النووي وهو اجمعها و
انفعها وكدت في شبابي ان أحفظه عن ظهر قلب، وعمل اليوم والليلة لابن السني وغيرها
. كما دأب المحدثون على جمع أحاديث أربعينية في مواضيع مختلفة لعل أشهرها أربعين الإمام
النووي وأربعينيات أخرى كتبت في أركان و مستحبات وفضائل متعددة كالحج والجهاد وفضل
الجمعة وأعمال البر وأركان الإسلام وغيرها كثير ...
ولعل أشهر كتب الشروح هما كتاب فتح الباري في شرح البخاري للحافظ
ابن حجر وشرح صحيح مسلم للإمام النووي . والإمامان شافعيان كما هو معروف .
قديما قرأت جل شرح النووي العجيب بمجلداته الضخمة واستفدت منه أيما
فائدة .. ثم فكرت بالبخاري وشرحه وقرأت قديماً أربع أو خمس مجلدات من الفتح ثم
جاءت قراءات أخرى متعددة ... لم أكمل الفتح للأسف في حينها فقد كنت استعير أجزاءه
من بعض الأفاضل واليوم رجعت للفتح بعد طول غياب وتعثر في القراءات . وهو كما قال
عنه الإمام الشوكاني عندما جاء ليشرح البخاري شرحا وافياً فوجد نفسه يحاكي الحافظ
في شرحه فترك القلم وقال ( لاهجرة بعد الفتح ) مستشهدا بالحديث الشريف . ولعمري قد
صدق الشيخ ؛ ففي الفتح ألاف التقارير الحديثية ومئات المسائل الفقهية فضلا عن
اللغة والشعر والشواهد . فلله دره من إمام حافظ ، فقد اتعب من جاء بعده وحير من
رام شرحاً جديداً فرحمة الله عليه . والذي لاحظته من خلال المطالعة وبعض التمحيص
ان الحافظ ابن حجر أكثر غوصاً وتعمقاً من الإمام النووي في مسائل الحديث
والاستخراجات و الرجال والشواهد والأطراف . ولكن من قرأ الكتابين لعله لاحظ ان
النووي رحمة الله عليه كان اكثر تبحراً بالفقه وخلافاته ومسائله وتقريراته ، حتى
انك لتجد نفسك أمام بحر لاساحل له في هذا الشأن .
والنووي على عمره القصير
والذي لايتجاوز الأربعة وأربعين سنة الا انه فاق ابن حجر في الفقه وساد عليه بل
فاق كثير من علماء الامة . ويكفي ان كتابه المجموع يعد المرجع الأول في كتب الفقه
ومقرراته . وكتب النووي مباركة كما قيل وقد لامست ذلك وشاهدته أثناء القراءة . فقد
كنت استشعر طمأنينة عجيبة وأنا أتنقل بين صفحات شروحاته ومجلداته واستشعر ان
البركة ملازمة لصفحاته حتى أنني - صدقوني - أكاد استشعر أنفاسه بين السطور أثناء
القراءة . ويكفي ان كتابه رياض الصالحين يعد الأكثر انتشاراً بعد القران الكريم -
على ماقد قيل -ان لم أخطأ . أما ابن حجر وأنت تطالع شروحاته فكأن الحديث يسري في
دمه وشرايينه ، وكأن رجال السند يقفون أمامه يعرفهم بأسمائهم و سيماهم ، بألقابهم
و كناهم . رجل نذر نفسه للحديث وتجرد لعلومه ورجاله ونافح عنه وذب . يحفظ الشواهد
و الشوارد . ثم هو بعد كل ذلك جميل العبارة ، حلو اللسان ، ذو نفس طويل في الشرح
وغوّاص في المعاني والاستنباطات ولا أرى كتابه الفتح الا كرامة من كراماته أو هو
فعلا كما سماه فتحاً ربانياً و لو لم يكتب غيره لكفاه فانعم به من فتح وانعم بها
من كرامة وأي كرامة !! ……
يتبع
0 تعليقات