عز الدين البغدادي
رغم تأصل قضية الثأر عندهم إلا أن العرب في الجاهلية كانت لديهم
مفاهيم ومقدسات، ومنها احترام "الأشهر الحرم" حيث لا يجوز فيها القتال
بأي حال، حتى إن الرجل كان يلقى قاتل أبيه فلا يتعرض له احتراما لهذه الأشهر، ولما
جاء الإسلام أقر حرمة هذه الأشهر فقال تعالى: ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر
شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيّم فلا
تظلموا فيهن أنفسكم )، ولهذا كان مما عظم جريمة بني أمية بقتل الحسين وقوعها في
شهر حرام، كما قال الشاعر:
قتل الحرام من الأئمــــة في الحرام من الشهورْ
منذ يومين دارت فيها معاركة عنيفة بين عشيرتي آل بايش (الهلالية)
والدبّات، وأدت المعارك الى خسائر بشرية وخسائر مادية كبيرة، ثم تجددت معارك بين
عشيرتي الهلالية والعظيمات، ولم يلتفت أحد بل ولا يعرف معظم هؤلاء أنه حتى أهل الجاهلية
كان يرفضون رفع السلاح في هذه الأشهر.
في كل سنة تجد الآلاف وربما عشرات الآلاف من المشايخ والمبلغين
ينتشرون في كل قرية ومسجد وحسينية وهم يقدمون الوعظ والإرشاد للناس، لكن لم تستطع
كل هذه الحركة ان تقدم وعي الناس قليلا نحو احترام الدم والقانون والشرع، مما يبين
أن عملهم ليس فيه فائدة في غالبه -والنادر قليل- غير تعميق أفكار المتخيل الديني
التي ليس لها أصل شرعي حقيقي.
لكن هل ستجد من يناقش سبب ذلك؟ هل ستجد من يتعامل مع المنبر ومع
الكلمة كمسؤولية وشرف؟ هل يمكن ان تجد من يقر بما حصل من خطأ أو قصور؟ وأخيرا: هل يؤشر
هذا على نجاح المنبر أو فشله في تقديم خطاب ديني ناجح؟
عموما أنا لا أعول على الخطاب الديني بأي حال لتغيير الأمور رغم أن
هذا جزئيا من مسؤوليته، لأن أمورا كهذا لا يصنعها الا عمل عميق يغير ثقافة
المجتمع، ويجعل الدولة هي الجهة الوحيدة التي تحتكر القوة العادلة، لكني أقول هذا
من باب بيان فشل الخطاب الديني الذي كان يفترض ان ينجح في ترسيخ بعض القيم
الايجابية.
وهذا أمر طبيعي جدا فالمنبر الذي لا يعرف إلا نشر الخرافات و إشاعة
ثقافة الجزع والبكاء لا يمكن أن يزرع قيما إيجابية بناءة.
النتيجة ببابك…. والله المستعان
0 تعليقات