آخر الأخبار

شؤون أخلاقية : ابن الراوندي وتمظهراته التاريخية ..

 


 

 

علي الأصولي

 

عرف عن ابن الراوندي وهو أبو الحسين احمد بن يحيى الراوندي، بأنه أشهر عالم في التأريخ الإسلامي عارض القرآن الكريم صراحة،

 

 

فقد كان بادء أمره حسب المنقولات التاريخية من رجال المعتزلة، كان متكلما معتزليا، لم يكن احد من أبناء عصره احذق منه في علم الكلام، جليلة ودقيقه حيث كان حسن السيرة جليل المذهب كثير الحياء،

 

فقد وصفه الذهبي في - سيرة أعلام النبلاء - تحت ترجمة ابن الرواندي قوله: عدو الله .. ونقل الثناء عليه قال البلخي: لم يكن في نظراء ابن الراوندي مثله في المعقول،

 

ثم ختم شمس الدين الذهبي ترجمته بعبارة: لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضي الله عن البلادة مع التقوى، انتهى:

 

عاش ابن الراوندي في العصر العباسي تحديدا في القرن الثالث، بدأ بتأليف كتب غايتها الطعن بالإسلام ونبيه(ص) بل والطعن في عامة النبوات إنكار لأصل النبوة، ثم ارتقى بالتسافل حتى وجه سهامه لله تعالى، إذ اعتبر ووفقا لفهمه أنه ظالما،

 

وهذا التحول من بعد الكلام والاعتزال إذ صار الرجل فيلسوفا إلا أنه - ألحد وتزندق - وان قيل أنه تاب في أواخر أيام حياته بعدما أوشك على الموت،

 

ومن غرائب استدلاله لإبطال النبوة كما في كتابه - الزمر - أنه قال: ان الذي يأتي به الرسول أما أن يكون معقولا أو لا يكون معقولا، فإن كان معقولا فقد كفانا العقل بإدراكه فلا حاجة لرسول، وأن كان غير معقول فلا يكون مقبولا ، انتهى:

 

وكما ترى: إن استدلال ابن الرواندي هو العزف على وتر حكم العقل وإدراكه لقبح الظلم مثلا وحسن العدل، كما هي المعزوفة التي نسمع تردداتها في الواقع المعاصر عند عامة الربوبيين، إلا أن الاستدلال لم يتجاوز الحسن والقبح العقليين إلى مسائل الغيب فسوف لا يجد لها جوابا إلا عند الرسول(ص) وقنواته الحصرية،

 

ما أريد بيانه: هو ان سبب مشكلة ابن الرواندي ليست فكرية واشتباهات فلسفية أدت بالرجل إلى الدخول لمتاهات لها أول وليس لها آخر ، بل أن مشكلة ابن الرواندي نفسية بحتة،

 

فقد ذكر ابن النديم: انه وبسبب تنحيت ابن الراوندي من مجالس العلماء وعلى حد تعبير ابن النديم - جفاه أصحابه - الذين عاش في أوساطهم ردحا من الزمن مدافعا عن الدين بلسانه ومؤلفاته وكان شرسا معتزليا جلدا مع الخصوم، نعم: بسبب إقصاءه عن المشهد اندفع يثأر لكرامته المجروحة بتأليف ما يبطل رأي المذهب المعتزلي إلا أنه توسع في هذه التأليفات والمقالات حتى شملت الدين الإسلامي بل عامة الديانات،

 

نعم: الإقصاء من مشاهد العلم والعلماء بحق أو بباطل مع الاعتقاد بأنه أولى فيه من غيره، حيث الادون في الواجهة والأعلى خلف الأسوار تسبب أزمة نفسية عند صاحبها تحرق الأخضر واليابس وتأتي بعجائب المقولات وغرائبها ثأرا للكرامة المستباحة، ما لم تكن هذه النفس مهذبة بعنايات أخلاقية فائقة، وموطنة ذاتها على الصبر مهما كانت النتائج وتبريرات الإقصاء، ومن فهم فقد فهم ومن لم يفهم نسأله الدعاء ..

 

إرسال تعليق

0 تعليقات