علي الأصولي
وقع الكلام بل النزاع بينهم - أي علماء الإمامية - في طهارة أو عدم
طهارة دم المعصوم وما في حكمة - إدرارهم ونجواهم -
والأصل في زمن الغيبة هو عدم الابتلاء في مثل السؤال والبحث عن
الإجابة وتجشم العناء.
نعم: قد نتصور في زمن الحضور - قديما - كان للسؤال وجه وجيه أما
بلحاظ ملاقاة الدم بالحرب او بالحجامة ونحو ذلك. أو بلحاظ حب الفضول وتعميق
المشاعر عقديا. بل وقد نتصور الابتلاء في عصر ظهور الإمام الحجة - عج - بنفس
الملاك السابق. نعم ما نحن فيه من زمن فهو بحث للترف اقرب ليس إلا.
ولذا أفاد التبريزي الأنصاري - اللمعة البيضاء - بما حاصله: عدم
جواز البحث في حال الغيبة لأن المعصوم غير حاضر حتى يؤخذ منه الأحكام الشرعية.
فباب العلم مسدود في حال الغيبة. انتهى:
أقول: وعدم الجواز لا يؤخذ بإطلاقه نعم يمكن القول بعدم الجواز
بعنوان ثانوي أما إغلاق البحث والسؤال والملف بقول مطلق مشكل. لأن السؤال الممنوع
نصا، هو البحث في كنة الذات الإلهية فقط وفقط. وما دون الذات فالباب مفتوح ما لم
يترتب عليه عنوان آخر قاض بغلقه.
وكيف كان: الأصل في الدماء - مطلق الدماء - النجاسة نصا، بلا تخصيص
لدم دون آخر. والدم بحسب النصوص يجب أزالته قبل الشروع في الصلاة مثلا التي من
شرائطها الطهارة من الخبائث ومنها الدم ما لم يكن مشمولا بحكم العفو على تفصيل في
الفقه.
بالتالي: وعلى ضوء القاعدة والأصل الأولي لا تختلف دماء المعصوم عن
غيره فهي داخلة ضمن جملة الدماء. فيكون من جزيئات القاعدة ودليل هذا القول إطلاقات
الأدلة. والسيرة والمسيرة.
التبربزي الأنصاري. حاول الإجابة عن المسألة ورغب أن يقف في الوسط
اذ قال: إن معنى النجاسة في الشيء ليس إلا وجوب الاحتراز عنه في الصلاة مثلا. أو الأكل
والشرب ونحو ذلك.
ووجوب الإحتراز فيه أما من جهة خباثة في نفسه ذاتا أو صفة، أو من
جهة المصالح الخارجية، فدم المعصوم - ع - يجب غسله البتة بحسب القواعد الشرعية من
جهة المصالح الخارجية، إذ لو بني على عدم غسله مثلا بالحكم بالطهارة لزم الهرج
والمرج في الشريعة، فكان يقول بعض الناس بطهارة دم سلمان، وبعضهم دم أبي ذر. ومريد
العالم الفلاني بطهارة دمه، ومريد العارف الفلاني كذلك، وكذا في البول والغائط من
الخاصة أو من العامة،
وهذا باب عظيم يدخل منه الشيطان. فيفسد على الناس أحكام الدين
والملة، كما ترى أن مع استقرار الحكم ظاهرا بنجاسة الدماء مطلقا، يحكم بعض السفهاء
في عصرنا بطهارة دم العارف الفلاني وبوله وغائطه فكيف إذا كانت هناك روزنة - منفذ
- للدخول في هذه المسألة، فسدوا الباب من صدر الشريعة. وحكموا بإطلاقات كلامهم بوجوب
غسل الدماء بالمرة وكانوا - ع - يغسلون الدم ونحوه من أنفسهم أو من غيرهم، انتهى
كلام التبربزي الأنصاري.
وهو كما ترى: يرى الأصل في دماء المعصوم الطهارة نظريا وعمليا وجوب
أزلته لعنوان ثانوي فقط. مع ان التبربزي الأنصاري لم يستطع كغيره الاستفادة من
طهارة الدم من خلال أقوالهم وأفعالهم، لذا كان اللجوء لفهم آية التطهير مدار أنظار
من ذهب للطهارة - طهارة دم المعصوم - مع أن الاستفادة من آية التطهير - تكلف ظاهر
- حتى لو استعانوا بطول وعرض أحاديث الفضائل والمقامات والمنازل،
ويمكن رد دعوتهم بمفاد آية - إنما أنا بشر مثلكم - ومعلوم جدآ
لوازم البشرية حتى لو كان - يوحى الي - فالإيحاء لا يلازم عدم وجود اللوازم.
بالتالي لا ملازمة بين نجاسة الدم ونجاسة الذات.
فليس بالضرورة نجاسة الدم تفضي الى نجاسة الذات. فالقول بنجاسة دم
المعصوم لا يعني الخدشة في ذاته والكلام طويل،
وكيف كان: إذا حررنا محل النزاع سهل المطلب وهان، وهو الوقوف على
معنى وحقيقة النجاسة وهل هي اعتبارية أم واقعية، فبناءا على الاعتبار فالأمر سهل.
وبناءا على الواقعية فالخلاف قائم.
وعليه نحن مع اعتبارية مطلق النجاسات والدم منها.
بتعبير آخر: إن النجاسة بل والطهارة لم تستعمل قرآنيا في معناهما
اللغوي - الذي هو - القذارة للنجاسة وما لها من تحقق خارجي تكويني. والطهارة هو
للتنزه - بل كان الاستعمال القرآني لمفردة النجاسة اعتباري واصطلاحي. بالتالي لا
وجود لها الا في عالم الاعتبار دون عالم التكوين والحقيقة. ولذا نجد عدم رفع الحدث
بالماء المضاف أو الممزوج وعدم رفع نجاسة الدم بماء الملح بلحاظ عدم التطهير إلا
بماء مطلق هذا لأن الشارع هو من اعتبر هذه الاعتبارات بينما يمكن غسل اليد بالماء
الذي مزج بالصابون بلحاظ الناحية الصحية. وإن كان الشارع لا يرى طهارة الغسل
بالماء الممزوج بالصابون الذي يريد منه الغاسل الدخول للصلاة. ويوجد مقال مطول في
- نصوص معاصرة - جدا مهم وما نحن فيه. والكلام طويل تركناه رعاية للاختصار ..
0 تعليقات