رأفت السويركى
حقاً لا يزال جمهور ما يُسمى الإسلام السياسوي يواصل التوغل في
سراديب "كهوف الماضوية" في الفهم والقراءة وإطلاق الأحكام؛ بما يتناسب
مع متوهم مشروعهم السياسوي المستصنع منذ وضع أنموذجه "حسن الساعاتي
البنَّاء" والمتمثل في جماعته الصهيوماسونية المتلبسة قناع العقيدة؛ وهي
تتاجر بالدين الإسلامي البرئ من نهج قطع الرؤوس؛ والقتل والتفجير والتدمير
والجبر!!
ومن يراقب راهناً فضاءات التواصل الاجتماعوي (فيسبوك وتويتر)؛
يشاهد العجب العجاب الدال على تواصل غيبوبة هذا الجمهور؛ وهو يصرُّ على عِلَّةِ
التغافل عن "سيناريوهات إدارة الأزمات" كمنهاجية ابتكرها العقل الغربوي
المتمكن؛ ليعيش واقعه بالتفكر وليس بالوجدان والذكريات و"المرويات"!
*****
لا تزال قطعان جمهور الإسلام السياسوي؛ وتحديداً من عناصر
"جماعة حسن الساعاتي البنَّاء" الصهيوماسونية تنظر إلى مسألة تمكين
"طور طالبان المتحور" من "خناق" دولة أفغانستان؛ باعتبارها
انتصاراً للعقيدة؛ وتغليباً لميليشيات هذا النهج المُستصنع بفعل فاعل لآداء الوظائف
المقررة؛ وفق السيناريوهات مع إتاحة التوهم بأنها انتصرت للعقيدة عبر الجهاد!!
وهذه القطعان المتأخونة التي تعيش في غيبوبة العقل وهاربة إلى
تركيا العثمانلية ( انظروا الصور المرفقة الكاشفة لترديها... حاكم المطيري، سيف
الدين عبد الفتاح، علي القرة داغي، محمد الجوادي، محمد الأحمري أنموذجاً) لا تفكر
في معنى ودلالات الأحداث؛ وتطوراتها بافتقادها المنطق؛ ولا تتوقف لتتأمل ولو للحظة
تلك الصورة المريبة بتسليم ساحة صراع عريضة والانسحاب منها وهي أرض عمليات عميقة
بطريقة مباغتة؛ لمن؟... ليس لجيش مُنظم مُتسلح بأحدث المعدات؛ ولديه مكاتب تفكيره
الاستراتيجوية؛ وليس لجيش يمتلك أحدث الطائرات المقاتلة والقاذفة؛ والمدرعات
المتطورة القادرة على الحسم؛ ولكن لميلشيات فردانية ببنادقها ومفخخاتها؟!!
وكل تلك القطعان التي لا تزال تتزاحم بأجسادها في سراديب التاريخ
وكهف الفهم لا تسعى لأن تدرك آليات التفكير الاستراتيجوي الجديدة؛ الموظفة لتحقيق
الأهداف المطلوبة بأقل الخسائر والتكاليف المتنوعة بغرض تعظيم العوائد المادية
والسياسوية والثروات؛ فتصر على تعميم القراءة الواحدة؛ بأن ما تسميه "انتصار
طالبان" هو انتصار للإسلام؛ وتغليب لنمط "الجهاد" ضد أنظمة الحكم
الكافرة ـ ليس في الغرب الراعي لمقار هذه الجماعة ـ ولكن في دول الإسلام التي
تعاديها لإرهابها الهادم لمستقرات الأوطان.
*****
إن هذه القطعان لا تمتلك تحديد مفاهيمها حول "الإسلام
الحقيقي"؛ فتبقى مغيبة الوعي حول "مشاريع الاختراق" لمشروع العقيدة
السياسوي الأول فور وفاة الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص)؛ بعد انقضاء مرحلة
التبليغ من رب العالمين؛ ولا يريدون إدراك أدوار مثل اليهودوي "كعب
الأحبار"، والمجوسوي "أبي لؤلؤة"، واليهودوي المشهور بلقب ابن
السوداء "عبد الله بن سبأ"، وغيرهم ممن زيفوا بأكاذيبهم ودسائسهم ملامح
مشروعات الإسلام السياسوي بمروياتهم المختلقة؛ والتي فعلت فعلها في تزييف نهج
الدين الحق؛ واستصنعت صورة مهيمنة مزيفة لهذا الدين؛ تجسدها فقط الذقون
"المكنسيِّة" المنسدلة إلى الأرض والبطون المنتفخة بدهون
"التخمة".
وما نمط "طالبان الطور ما قبل التحور" الذي استولدته
مكاتب التفكير الاستراتيجوي الأميركية من جذر تنظيم "القاعدة" المستصنع؛
وإكسابه الخبرات في الواقع ( من منظور العَداء طيلة عشرين عاماً مع إتاحة التدريب
غير المباشر له عن بُعد لتقوية شوكته)؛ وصولاً إلى إطلاق "الطور المتحور
والمُعدَّل جينوياً"؛ ومنحه "المشروعية السياسوية" لبدء توظيفه
لاحقاً بـ "التفاوض معه في الدوحة"؛ وإغرائه بتوفير مناخ التمكن له
بسيناريو الاجتياح المريب لأفغانستان؛ وهي الدولة الحبيسة ذات طبيعة الأرض الجبلية
الوعرة ـ وكل ذلك ما كان يحدث ـ إلاَّ بغرض تجهيزه لآداء "وظائف
جيوبولوتوكية" جديدة على المستوى العولموي في الإقليم المحيط بأفغانستان
(طاجكستان /أوزبكستان /تركمانستان من الشمال وإيران من الغرب والصين ـ طريق الحرير
ـ من الشرق، باكستان من الجنوب).
*****
والسؤال المنهاجوي المهم والذي يتجاهله أغلبية المتأخونين الراقصين
والمطبلين لتمكين طور طالبان المتحور من أفغانستان هو: لماذا هكذا بالطريقة
المريبة سمح الراعي الأميركي المهيمن (والمنهزم في الظاهر) لميلشيات طالبان
بالحصول على كمية العتاد العسكريتاري الأميركي المخيفة تلك؛ وبل من جميع الأنواع
التي تعجز الجيوش التقليدية في دول عميقة عن الحصول عليها في ظروف مواجهات ميدانية
مع الجيش الأميركي؟
دعونا نتأمل ما تم إشهاره في تقارير رسمية حول ذلك العتاد؛ للتعرف
إلى ملامح "السيناريو الأميركي" بجعل "الطور المتحور" من
طالبان رقماً له وزنه العسكريتاري بترسانة ضخمة من الأسلحة التي سمح بوقوعها في
أيدي تلك الميليشيات:
** "كان لدى الجيش الأفغاني أكثر من 40 مروحية أميركية الصنع
من طراز "إم دي-350" (MD-350)، وأكثر من 30 مروحية من طراز بلاك هوك "يو إتش-60" (UH-60)، وأكثر من 23 طائرة هجومية من نوع
"سوبر توكانو إيه-29" (A-29 Super Tucano) صالحة للاستخدام، تم تحديث بعضها لإسقاط قنابل موجهة
بالليزر". ( تقرير مكتب المفتش الخاص بوزارة الدفاع الأميركية).
** "لدى سلاح الجيش الأفغاني الجوي أسطول يضم 167 طائرة، من
بينها مروحيات هجومية". (خدمة أبحاث الكونغرس).
** " قامت واشنطن بتزويد الجيش الوطني الأفغاني بما قيمته
أكثر من 212 مليون دولار من المعدات العسكرية". (تقرير مكتب المفتش العام
بالبنتاغون).
** "امتلاك الجيش الأفغاني مجموعة واسعة من الأسلحة الغربية
الصنع، بما في ذلك البنادق الهجومية الحديثة، ونظارات الرؤية الليلية التي تدعم
الميليشيات بالقتال الليلي، والمركبات المدرعة، والمدفعية، وطائرات الاستطلاع
الصغيرة المسيرة". (خدمة أبحاث الكونغرس في يونيو/حزيران الماضي).
** " النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جيم بنكس كشف
في وقت سابق عن سيطرة طالبان على عتاد وآليات عسكرية من بينها أكثر من 200 طائرة
مروحية، وأسلحة متنوعة تقدر قيمتها بأكثر من 85 مليار دولار".
** "التقييم الاستخباراتي الأميركي الراهن يشير إلى أن طالبان
سيطرت على أكثر من ألفي عربة مدرعة؛ منها ما هو من طراز "هامفي" (Humvee) الأميركي، وما يصل إلى 40 طائرة قد يكون من
بينها طائرات من طراز "يو إتش-60 بلاك هوك" (UH-60 Black Hawk) وطائرات مروحية هجومية وطائرات عسكرية
مسيرة من طراز "سكان إيغل" (Scan Eagle). ( تقرير لوكالة رويترز).
** "الجنرال الأميركي المتقاعد جوزيف فوتيل الذي أشرف على
عمليات الجيش الأميركي في أفغانستان خلال الفترة من العام 2016 ــ
** "الجنرال الأميركي المتقاعد جوزيف فوتيل وآخرون يؤكدون إن
الأسلحة الخفيفة التي استولى عليها المسلحون - مثل البنادق الآلية وقذائف
"المورتر" وقطع المدفعية بما فيها مدافع "هاوتزر"- قد تعطي طالبان
ميزة في مواجهة أية مقاومة قد تستجد في معاقل معروفة بمناهضة الحركة مثل وادي
بنجشير شمال شرقي كابل". (وكالات).
** "قال مسؤولون أميركيون إن التوقع العام هو أن أغلب الأسلحة
ستستخدمها عناصر من طالبان نفسها؛ وهذا ما جعل عناصر الميليشيات الطالبانية تبدل
بنادقها من نوعية AK-47 إلى بنادق M16 أو M4 الأميركية، لكن من السابق لأوانه الحكم على ما تخطط له الحركة مثل
احتمالية تشارك العتاد مع دول منافسة مثل الصين". (وكالات).
** "قبل ساعات من استكمال القوات الأميركية انسحابها من مطار
كابل أسقطت منظومة "سي رام" (C-RAM) الدفاعية الأميركية عدة صواريخ موجهة استهدفت المطار، ما يطرح
تساؤلات حول مصير هذه المنظومة وغيرها من المعدات والأسلحة التي احتفظت بها القوات
الأميركية داخل مطار كابل لحمايتها قبل إقلاع آخر طائرة عسكرية أميركية من
المطار". (وكالات).
** "خلال إعلانه عن مغادرة آخر جندي أميركي الأراضي الأفغانية
قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي "لقد اخترنا
إبقاء تلك الأنظمة تعمل حتى اللحظة الأخيرة، إنه إجراء معقد، ومستهلك للوقت كي يتم
تدمير تلك الأنظمة حتى لا يُعاد استخدامها، لذا قمنا بنزع سلاح تلك الأنظمة حتى لا
تستخدم مرة أخرى"!! (وكالات).
** "قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن واشنطن ليست
لديها صورة كاملة عن عدد الأسلحة الأميركية المفقودة، لكن من المؤكد أن قدراً لا
بأس به منها وقع في أيدي طالبان". (وكالات)
*****
والأسئلة المشروعة وهي تفكك الخطاب المسمى "هزيمة القرن
الأميركية" عديدة؛ لأنها تكشف نمط "السيناريو الجديد" المتفق عليه
بين "طالبان المتحورة" و"الولايات المتحدة الأميركية" عبر
"طاولات الدوحة"؛ هذه الأسئلة تقول:
- ماهي التحولات العملياتية إذن التي ستشهدها الأرض نتيجة تغيير
طالبان نمط تسليحها من البنادق إلى عتاد أميركي متطور؛ إذا كانت خصماً منتصراً على
الأميركيين؟!
- ولو افتراضنا جدلاً حقيقة "تمثيلية الهزيمة
العسكريتارية" الأميركية؛ فهل كانت ستقبل أميركا بافتقاد تكنولوجيتها
المتطورة هذه؛ وربما بدافعية خشيتها من وصولها إلى الصين والروس وإيران إلخ؛ هذا
لو كانت طالبان خصماً حقيقياً؟!
- هل تضمن العسكريتارية الأميركية عدم استخدام هذه الأسلحة
المتطورة ضد قواتها حين مواجهتها عند تنفيذ التهديد المفتعل بعودة الجيش الأميركي
إلى أفغانستان لو لم تلتزم طالبان بالسلام؟!
- أليس من المخادعة قول الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة
المركزية الأميركية "يحتوي مطار كابل على ما يقدر بـ73 طائرة، وتلك الطائرات
لن تطير مرة أخرى، ولن يتمكن أحد من تشغيلها، وبالتأكيد لن يكونوا قادرين على
الطيران بها مرة أخرى"! فهل تعجز العقول الصينية والروسية وغيرها عن تقديم
خبرات الإصلاح وإعادة التشغيل لهذه الأسلحة ـ إذا شاءت ـ طالبان الانتقام من الخصم
الأميركي المهزوم كما يُقال؟!!
- ألم يكن من الأجدر أن تكلف الولايات المتحدة الأميركية سرباً أو
أسراباً من طائراتها لتدمير أغلبية الأسلحة المتبقية من قواتها وقوات الجيش
الأفغاني (الطائرات والمدرعات) حتى لو كانت هياكل بدل تركها غنيمة سهلة؟ اللعبة
مفضوحة؛ والغرض الحقيقي هو لسماح بتحديث تسليح الميليشيات ونقلها من العمل ضمن نمط
العصابات إلى نمط الجيوش؛ وهكذا تقول السيناريوهات المسكوت عنها!!
- لماذا لم تقم العسكريتاريا الأميركية بدل ترك غنائم الأسلحة
الأميركية بتفعيل ما يُعرف باتفاقات استرداد الأسلحة ذات الوزن الفعال بالنقل إلى
قواعد أميركية قريبة أو مناطق عمليات مغايرة؛ أو إعادة تدويرها أو التبرع بها عبر
التوزيع للأصدقاء بدلاً عن تركها للأعداء؛ إذا كانت طالبان المتحورة لا تزال من
الأعداء؟
- وإذا كان "التقرير الفصلي للمفتش العام للبنتاغون الصادر في
30 يوليو/تموز الماضي، يذكر أن القوات الأميركية تمكنت من إرجاع أكثر من 90% من
عتادها وأسلحتها بحلول 5 يوليو/تموز الماضي، عبر984 رحلة جوية لطائرات النقل من
طراز "سي-17" (C-17) من أفغانستان، وتم تسليم أكثر من 17 ألف قطعة عسكرية إلى إدارة
الشؤون القانونية (وكالة لوجستيات الدفاع) للتخلص منها، وتسليم 10 مرافق حيوية -
بما في ذلك مطار قاعدة باغرام- إلى وزارة الدفاع الأفغانية". فإن ما تبقى من
أسلحة الجيش الافغاني في حوزة طالبان كمية مخيفة وتركها يثير الدهشة!
- إن مظاهر ما وصف باحتفالات عناصر طالبان بالنصر أثبتت أنهم كانوا
يحوزون "مدافع أميركية الصنع وعربات مدرعة، ومروحيات وطائرات مسيرة من طراز
"بلاك هوك" (Black
Hawk)؛
فضلاً عما يقال حول الأجهزة التكنولوجية المتطورة، ومنها "الأجهزة
البيومترية" التي يحتفظ الجيش الأميركي في داخلها على معلومات وسجلات الأفغان
الذين ساعدوا الأميركيين والحلفاء". (وكالات).
- أليس من المتوقع ـ في حالة ادِّعاء هزيمة أميركا ـ أن تقوم
طالبان المنتصرة بتجنيد عناصر من الجيش الأفغاني الهارب لإعادة تشغيل وإصلاح هذه
المعدات؛ واسترداد فعاياتها المنتزعة؟!
- ألم تضع العقلية الأميركية ـ المهزومة كما يقال ـ تضع في تقديرها
إمكانية بيع طالبان نوعيات من هذه الأسلحة المتطورة إلى الجماعات الموصوفة
بالإرهاب عبر تجار السلاح في العالم؟!
- وفي حالة حقيقة ـ إدِّعاء الهزيمة الأميركية ـ ما الذي يمنع
الخبرات الاستخباراتية غير الأميركية من استئجار بعض العقول العسكريتارية
الأميركية نفسها لتقديم أسرار إعادة إصلاح تلك المعدات؟ والسينما الأميركية مزدحمة
بمثل هذه النوعية من الأفلام الكاشفة لهذا النمط من الاختراق الاستخباراتي؟!
*****
قضية تسليح "الطور المتحور من طالبان" تجسد سيناريو
"مسرحية أميركية ساخرة" لا تحتاج إلى إثباتات أكثر من ذلك؛ فهدفها هو
تجهيز "الميليشيات العنيفة" المنتسبة للإسلام السياسوي لكي تندرج في
لُعبة سيناريوهات جديدة تناسب الأطراف المتشاركة؛ فالدولة الأميركية لم يعدْ
مُناسباً لها في "عصر العولمة" خوض معارك عسكريتارية جديدة بكلفتها
المخيفة؛ لذلك تُحلُّ بديلاً عنها معارك "ساحات الاقتصادات" مع الصين
وروسيا.
ولكن الجماعة العقدوية السياسوية... "المتأخونون المتأفغنون
أنموذجاً" لم تتخل عن متوهمها الماضوي بنشر أكذوبة التأسلم السياسوي عبر ما
يُسمى "الجهاد"؛ ليس في بلاد الغرب الراعية لهذه "الجماعة
الإرهابوية"؛ ولكن بغرض هدم تكوينات الدولة "الوطنية/ القومية"
المستهدَفَة لإقامة مُتَوَهَّم "دولة أستاذية العالم"...
فهل تدرك "القطعان الشعبوية" من جمهور الإسلام السياسوي
حقيقة اللعبة بما تدعيه من انتصار الأفغان بالإسلام عبر الجهاد؟!!
0 تعليقات