د/ احمد ديبان
وتظل معركة المزرعة الصينية، التى قادها المشير محمد حسين طنطاوى،
وكان وقتها برتبة مقدم، حسب العشرات من المراجع المصرية والأجنبية، فضلًا عن
شهادات لا حصر لها لقادة عسكريين مصريين، بل وأيضًا لبعض قادة إسرائيل نفسها،
واحدة من أهم وأخطر البطولات المصرية فى حرب أكتوبر 1973، وذلك نظرًا لتأثيرها
الكبير سواء من الناحية التكتيكية على أرض المعركة أو من الناحية النفسية بين
الجنود، بما أسهم فى تحقيق الانتصار المدوى على العدو الصهيونى.
وحسب المراجع والشهادات وجميعها منشورة ومتاحة للجميع، والتى ننقل
منها ملخصًا وافيًا دون أى تدخل من كاتب هذه السطور، فلقد أوجدت هذه المعركة فكرًا
عسكريًا جديدًا يجرى تدريسه الى الآن فى جميع الكليات والمعاهد العسكرية العليا،
وكتب عنها أعظم المحللين العسكريين ومن بينهم محللون إسرائيليون.
المعركة ببساطة عكست تكتيكات غير مسبوقة
ومبهرة قام بها ونفذها قائد الكتيبة 16 من الفرقة 16 مشاة، وهو آنذاك وكما
أشرنا أعلاه، المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوى.
بدأت مهام الكتيبة يوم 6 أكتوبر بعبور المانع المائى لقناة
السويس فى نصف ساعة فقط، وكان المفترض أن تعبره فى ساعة، ثم بدأت الكتيبة فى
التقدم باتجاه الشرق وحققت مهامها الأولية باستيلائها على رؤوس الكبارى الأولى وصد
وتدمير الهجمات المضادة التى وجهت إليها.
كانت حصيلة ذلك تدمير 5 دبابات من قوات العدو، وعزل النقطة
القوية بالدفرسوار وحصارها، ثم قامت الكتيبة بتطوير الهجوم فى اتجاه الشرق
وتحقيق مهمة احتلال رأس الكوبرى النهائى، مع الاستمرار فى صد وتدمير الهجمات
المضادة للعدو.
أما أهم المعارك التى
خاضتها هذه الكتيبة فكانت معركة المزرعة الصينية، ومنطقة المزرعة الصينية يرجع
تاريخها إلى عام 67 حيث تم استصلاح هذه الأرض لزراعتها وتم إنشاء بعض المنازل
بها وشقت الترع وقسمت الأحواض لزراعتها، وكان يطلق عليها أيضًا قرية الجلاء.
بدأت المعركة فى هذه المنطقة عندما استنفد العدو الإسرائيلي جميع
محاولاته للقيام بالهجمات والضربات المضادة ضد رؤوس الكبارى فبدأ تفكيره يتجه إلى
ضرورة تكثيف الجهود ضد قطاع محدد حتى تنجح القوات الإسرائيلية فى تحقيق اختراق
تنفذ منه إلى غرب القناة، وكان اختيار القيادة الإسرائيلية ليكون اتجاه الهجوم
الرئيسى لها فى اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى فى قطاع الفرقة 16
مشاة وبالتحديد فى اتجاه محور الطاسة والدفرسوار، وبذلك أصبحت المزرعة الصينية هى
هدف القوات الإسرائيلية المهاجمة فى اتجاه قناة السويس على هذا المحور.
خلال هذه الفترة ركزت
القوات الإسرائيلية كل وسائل النيران من قوات جوية وصاروخية ومدفعية باتجاه تلك
المنطقة، وكان الهدف من الضرب وخاصة فى مقر تمركز الكتيبة 18 هو تدمير الكتيبة
أو زحزحتها عن هذا المكان باتجاه الشمال بأى وسيلة.
بدأت معركة المزرعة الصينية يوم 15 أكتوبر حيث قام العدو بهجوم
مركز بالطيران طوال النهار على جميع الخنادق وقيادة الكتيبة وكان الضرب دقيقا
ومركزًا، كما سلطت المدفعية بعيدة المدى نيرانها بشراسة طوال ساعات سطوع الشمس،
واستمر هذا الهجوم حتى الغروب، ومع ذلك لم يصب خلال هذا الضرب سوى 3 جنود فقط،
وكان ذلك بسبب خطة التمويه والخداع التى اتبعتها الكتيبة، وقبل أى ضربة جوية كانت
تحلق طائرات لتصوير الكتيبة، وبعد التصوير مباشرة كانت تنقل الكتيبة بالكامل
لمكان آخر فيتم ضرب مواقع غير دقيقة.
وفى الساعة الواحدة من صباح يوم 16 أكتوبر قام العدو بالهجوم فى
مواجهة الكتيبة 18 مشاة وأمكن صد هذا الهجوم بعد تدمير 10 دبابات و4 عربات
نصف مجنزرة، ثم امتد الهجوم علي الكتيبة 16 الجار الأيسر للكتيبة 18 مشاه
وكانت بقيادة المقدم محمد حسين طنطاوى، وكانت قوة الهجوم عليه من لواء مظلى ومعه
لواء مدرع وكتيبة، ونتيجة لقرار قائد الكتيبة تم حبس النيران لأطول فترة ممكنة
وبإشارة ضوئية منه تم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة 16 مشاة ضد هذه القوات
المتقدمة واستمرت المعركة لمدة ساعتين ونصف الساعة حتى أول ضوء، وجاءت الساعات
الأولى من الصباح مكسوة بالضباب مما ساعد القوات الإسرائيلية على سحب خسائرها من
القتلى والجرحى، ولكنها لم تستطع سحب دباباتها وعرباتها المدرعة المدمرة والتى
ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها طوال اليومين التاليين.
وقد وصف الخبراء هذه المعركة بأن قالوا أن الكتيبة 16 مشاة
والكتيبة 18 مشاة تحملت عبء أكبر معركة فى حرب أكتوبر، إن لم تكن أكبر معركة فى
التاريخ الحديث من حيث حجم المدرعات المشتركة بها، كما كان لهذه المعركة أكبر الأثر
فى نصر أكتوبر المجيد وإعطاء العدو الإسرائيلي درسًا لم ولن ينساه.
0 تعليقات