محمود جابر
الفقه هو الفهم والفطنة فى معرفة الشيء
والفقه على مستوى الشرع الإسلامي
هو معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلّفين بالوجوب والحظر
والندب والكراهة والإباحة، من كتاب الله ومن السنة الشريف .
وعليه فإن فهم الحكم الشرعى للمكلف هو ما حقل هذا العلم .
وهو قائم على فهم مراد الله تعالى فى كتابه وهذا الفهم لا يتأتى
الا من خلال معرفة دقيقة بألفاظ وآيات الكتاب والسنة الشريف.
والفهم هو وعاء شامل يشمل المعارف يشمل كافة فنون المعرفة الموصلة
لفهم الكتاب واستخراج أحكامه مع تفاوت فى الفهم والعقل والثقافة والبيئة ومن هنا
فان مدار الحكم الشرعى قد يتغير من عقل الى آخر ومن فهم الى آخر ومن زمن الى زمن
ومن بيئة الى بيئة
وبما ان الحكم الشرعى يتوقف على الفهم فان الفهم يتوقف على
الاعلمية والاعلمية قد تختلف من ثقافة الى أخرى
وعليه فان حقل الفقه وان كان لمعرفة مراد الله تعالى وتكليف المكلف
الا ان الحكم فيها ليس حكما قدسيا لانه وفقا لمنهجه فهو نسبى
إن الفقه كحقل معرفى وتشريعى يعرف من خلاله مراد الله تعالى من
العباد سواء على مستوى العقيدة أو العبادات والمعاملات.. وان كان الكلام سيكون عن
الفقه العبادى والمعاملاتى حصريا دون الفقه العقائدى الذى أصبح يعرف بعلم الكلام .
بدأ وضع أسس الفقه الإسلامي فى القرن الثاني الهجري، وكان الشافعى
سباق إلى هذا الحقل، كان ذلك فى عصر الدولة العباسية التى ظهر فيها الشعوبية
واخلاط الناس من العجم وغير العرب، كان وقد بدأت قبيل الشافعى مدرسة عربية جديدة
تقول بالترادف الفظي كان منهم الكسائى والخليل بن أحمد وسيبويه، وقد ألقت هذه
المدرسة بظلالها على الفقه، فقد جوز الشافعى ومن سار على دربه رواية الحديث
بالمعنى دون اللفظ او التهاون فى التشديد اللفظى للحديث النبوى.
كما أن الشافعي كان من مؤسسي مفهوم عصر النبوة، وهو ما يماثل مفهوم
( دولة الاسترشاد) أى أن ما جرى خلال العصر النبوى وما تلاه من عصر الخلفاء هو
نموذجا تشريعيا يجب القياس عليه واعتباره جزء من التشريع كالقرآن والسنة + الإجماع
+ القياس.
وكان احد الإشكالات التى خلفتها هذه المدرسة حصر الإسلام فى أتباع
النبى محمد، وكان هذا الإشكال احد ثمرات مفهوم الترادف فى اللغة الذى لم يفرق بين
الإسلام والإيمان، فالإسلام يعنى الإيمان بالوحدانية، والمعاد، والإيمان الذى يعنى
برسالة النبي محمد، وهنا فقدت رسالة الإسلام عالميتها وحصرت فى المؤمنين وفقط على
اعتبار أنهم المسلمين !!
فى الفترة التى ظهر فيها الشافعى كانت المعارك السياسية على أشدها
ما بين العباسيين ( الحكام) والطالبين (المعارضة)، وكان الجو مفعم بهذا الصراع
وكان لابد ان يكون للسلطة أثر فى بناء الفقه خاصة فيما يتصل بالسياسي والأسس
الفقهية للحكم، ومن هنا ظهرت فكرة انتحال الأحاديث
لبناء الشرعية لكل من السلطة والمعارضة على السواء وان كانت السلطة كانت الأكثر
استخداما لهذه الأحاديث المنتحلة.
وكان للغة عامل متداخل مع الفقه وخادم للأغراض السياسية، وخاصة
فيما يتعلق بالمواريث تأسيسا على قول الله تعالى ( يوصيكم الله فى أولادكم) والأولاد
فى اللفة وفى قاموس المصحف الشريف هو الذكر والأنثى أى مجمل الأولاد، بيد ان
العباسيين ومن معهم من اللغويين أسسوا لمقولة أن الولد هو الذكر وليس – الذكر والانثى
– وبهذا المقولة اخذ الشافعى فقه وبنى عليه ولو انه ذهب كما هو حال المصحف وقاموسه
لما بقى للعباسيين شرعية سياسية وفقهية!!
إن ذهاب اللغويين بالقول بالترادف، وتجويز رواية الحديث بالمعنى،
ويفسر آيات التنزيل على وجه ظاهري يدخل بمعظمه تحت بند التشخيص، وينطلق في فهم
الآيات من ذات الآلية التي ينطلق منها في فهم الشعر الجاهلي رغم أن أجمل الشعر
أكذبه.
لهذا تم الأخذ بالترادف بين : وبين جاء وأتى، وبين الأم والوالدة
والأب والوالد، وبين الشاهد والشهيد، وبين العباد والعبيد، وبين الحظ والنصيب،
وبين النهي والتحريم، وبين النبي والرسول، وبين الحرب والقتال، وبين الغزو
والجهاد، وبين الفعل والعمل، ولم يقتصر منطلقهم هذا في الترادف على المفردات، بل
امتد أحياناً ليشمل الجمل والتراكيب والصياغة، حين قرأوا قوله تعالى {للذكر مثل حظ
الأنثيين} النساء 11.
ففهموها وطبقوها كما لو أنه سبحانه قال “للذكر مثلا حظ الأنثى”، وحين
قرأوا قوله تعالى {فإن كن نساء فوق اثنتين} النساء11. ففهموها وطبقوها كما لو أنه
سبحانه قال “فإن كن نساء اثنتين فما فوق”.
لقد تواكب تدوين الحديث والتفاسير، وتأسيس أصول الفقه مع تدوين كتب
اللغة وتقعيدها، وتأسيس أصول النحو والصرف فيها. ولكن، كما انتصرت مدرسة الحديث
(الشافعي) على مدرسة الرأي (أبو حنيفة)، وكما انتصر النقل على العقل، فقد انتصر
القالب النحوي القواعدي على الدلالة والمعنى في النظم. وأهمل بالتالي الجانب
البلاغي حين اعتبرت البلاغة وجهاً جمالياً للفظ لا علاقة له بالدلالات والمعاني فأهمل
بذلك دور المتلقي للبلاغ، الذي يتوجه إليه الخطاب في الآيات أساساً.
إن عوار الاعتماد على النحو القواعدى دون البلاغة والأخذ بالترادف جعل الفقهاء
يساوون بين قول الله تعالى{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} البقرة 282 وبين “ولا يأب الشهداء إذا دعوا” وهذه مساواة باطلة
أقل ما يقال فيها أنها زعم باطل بإمكان تبديل قول الله في كتابه العزيز، ووهم
بوجود زوائد في التنزيل الحكيم، استبعادها أو تجاهلها لا يغير من المعنى زيادة ولا
نقصاً، تعالى الله عما يصفون.
وهذا عين شكوى النبى فى سورة الفرقان حين قال التنزيل الحكيم على
لسانه صلى الله عليه وآله ( وقال الرسول يا رب أن قومى اتخذوا هذا القرآن
مهجورا)...
يتبع
0 تعليقات