آخر الأخبار

"الشيخ" خالد الجندي... في فاصل تسويق بضاعة "قبيلة حَدَّثَنَا"!!

 

 

 

 


 

رأفت السويركى

 

-----------

خالد الجندي: "القرآن وصل إلينا محفوظاً بتواتر الرواة مثل الأحاديث النبوية" المصرى اليوم

------------------------------------------------------------

 

 

ما قاله عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر المشهور بالشيخ خالد الجندي خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون" على فضائية "dmc"، السبت الماضي عن أن "القرآن وصل إلينا محفوظاً بتواتر الرواة مثل الأحاديث النبوية"؛ يمثل إحدى محاولات التذاكي من "موظفي التدين" وهو يدلي بدلوه في قضية تمثل مربط اختلاف تاريخاوية عميقة بين من تُطلق عليهم تسمية "القرآنيون" ومن يوصفون بـ "قبيلة حدثنا" حسب تعبير "المفكر جمال البنا".

والدخول في "مغارة" عبارة الشيخ خالد الجندي تلك التي نشرها الموقع الإليكتروني لصحيفة "المصري اليوم" توفر إمكانية التعرف إلى حِيَل هذا التوجه في سعيه لمواصلة الهيمنة على عقول الجمهور؛ خاصة ممن لا يقرأ ولا يتفكر ـ وحسب التعبير المصري الدارج ـ "يبصم بالأصابع العشرة على ما يقوله هؤلاء!!

 

** "اكتشاف المغارة":

 

- يتوهم الشيخ خالد الجندي أنه بقوله هذا يحسم قضية قطعت قروناً من الخلافات العقلانية والمروياتية والسياسوية؛ فضلاً عما شهدته من المحاججات العميقة والمجادلات الهائلة؛ إذ أن كل طرف من المتصارعين له أسانيده وأدلته. لذلك يمارس الشيخ الجندي قناعاته بتغليب مسلكية التوجه الذي ينتمي إليه؛ وهو يضع ما تُسمى "الأحاديث/ السنة النبوية" في "كِفَّة" تعادل وزناً الكفة التي يوضع فيها "القرآن الكريم".

 

- ويظن الشيخ خالد الجندي بسعادة تملكته وسيطرت على تعبيره؛ أن منطقه الذي يتفاخر به قد حَسَمَ تلك المسألة العويصة في الحقل العقدوي؛ وأنه أفحم بقوله كل مخالفي قناعاته؛ عندما قام بمناورة الربط بين قضيتين مختلفتين عبر ما أسميه "مشترك أسلوب الرواية"؛ وممرِّاً أنها ـ أي الرواية ـ أوصلت آيات القرآن إلينا وسيبقي نصاً محفوظاً إلى أن تقوم الساعة؛ وبواسطة الأسلوب ذاته ـ أي الرواية ـ وصلت إلينا كذلك ما توصف بالسنة القولية والفعلية.

- ولكن الشيخ خالد الجندي بذلك الجهد في حقيقته يضع سُلَّمَاً خَشَبَويَّا متهالكاً ليقفز به من فوق حواجز صعبة؛ منها أن تواتر "نهج الرواية" الذي يقول به في نقل القرآن الكريم منذ نزوله محكوم بأنه "كلام الله" الذي يبقى محفوظاً بالضابط الإلهي (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)؛ وليس "كلام الرسول" (وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا)؛ حتى وإن قدَّم أصحاب ذلك الرأي الحجة بأنه صلعم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)؛ غير أن هذا النص الكريم مرتبط بخصوصية الرسول فقط باستقبال الوحي القرآني رسالة الله المحددة؛ وتكليفه بتبليغها كما نزلت على قلبه الشريف؛ لذلك فهو لا ينطق عن الهوى فيما يقوم بتبليغه.

 

- وما يكشف عوار حجة الشيخ الجندي بالربط بين ما ذكره عن روايات نقل القرآن الكريم وروايات ما سُميت الأحاديث النبوية أنه لم تتفجر قضايا تتعلق بالتشكيك في النص القرآني المقدس؛ أو الادعاء ـ حاشا لله ـ بمكذوبية آية أو ضعف أخرى؛ بل كان النص بمجمله ومجزوئه تأكيداً وإثباتاً وتسليماً ورضوخاً محفوظاً وسليماً بأمر الله.

 

- والمؤسف في ذلك الربط بالقسر بين ما وصَّفه بـ "رواية القرآن" و"رواية الأحاديث" أن الشيخ الجندي لم يضع في أسانيد ذلك الربط المتعسف تقديره أن الرسول الكريم كان يراجع ويتدارس مع جبريل الذي: (كانَ يَعْرِضُ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عليه مَرَّتَيْنِ في العَامِ الذي قُبِضَ فِيهِ)؛ وهذا يؤكده ما ذكره ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ يُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ...".

 

- وتناسى الشيخ الجندي أن نزول النص "متفرقاً" لم يترك للذاكرة لحفظه؛ فقد كان يُنقش على الرِّقاع المستخدمة من معطيات جلود وأخشاب البيئة آنذاك. إذ أن الرسول الكريم اتخذ "كتّابًا للوحي" وصل عددهم إلى 46 كاتباً؛ كان منهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت؛ وكان صلعم يدقق ما يكتبونه. والدليل قد أثبته ما ذكره زيد بن ثابت بقوله: "كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكتب وهو يملي عليّ، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سَقْط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس". والموثوق به أنه بعد نزول الوحي على صدره الكريم كان يدعو من كان يكتب له، فيقول له: "ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"؛ ويحدد اسم السورة والمكان الذي توضع فيه تلك الآيات.

 

- والأمر الحاسم الذي يتغافل عنه الشيخ الجندي ورد في "سنن الترمذي" بقول زيد بن ثابت: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرّقاع"؛ والمقصود بتعبير "نؤلّف" ـ حسب لغة العرب ـ "الجمع والترتيب". ما يعني بالمطلق والمؤكد أن القرآن الكريم لم تعتوره أيٌّ من العلل التي تثقل ما يطلقون عليه مُسمى "الأحاديث"؛ لذلك تتهاوى تلك الحجة التي اتكأ إليها الشيخ الجندي على الرغم مما ساقه من المشابهة بالرواية بين النوعين.

 

- إن الحاجز الآخر الأكثر صعوبة والذي يُصرُّ الشيخ خالد الجندي على تجاهله أن الرسول صلعم اعتمد كتابة النص القرآني في الأساس لحفظه وليس الرواية؛ والدليل أنه لم يُراجع أيَّاً من نصوص ما سُمي الأحاديث النبوية؛ كما لا يمكن تجاهل النهي المحدد منه كرسول مكلف بتبليغ القرآن الكريم بقوله الشريف: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"؛ وذلك حفظاً لرسالة السماء وخشية الاختلاط الذي قد يقع بين "نص إلهي" و"نص بشري" الرابط بينها الرسول صلعم.

 

- فلماذا يمارس الشيخ الجندي التمويه باعتبار الرواية أصلاً يُعتدُّ به عند الحكم في هذه القضية/ الإشكالية؟ ولماذا يتجاهل الاقتراب مما ذكره البُخَارِيّ الذي يعتبر الحجة في الرواية "قَالَ صَنّفتُ الْجَامِعَ من سِتّمائَةِ ألفِ حَدِيث فِي سِتّ عشرَة سنة). وقد اختار منهم 7275 "حديثاً".

 

- ولماذا لا يراعي الشيخ الجندي إشكالية الرأي الآخر حول ما يتعلق بالرَّاوية أبي هريرة والذي صحب الرسول الأكرم فقط لثلاث سنوات استناداً لقوله: "صحبت رسول الله(صلعم) ثلاث سنين..." قبل وفاة الرسول في السنة الحادية عشرة للهجرة. والسؤال كيف لأبي هريرة الذي قال عمر ابن الخطاب عنه "أكثر أبو هريرة" كيف نُسب إليه حسب الدراسات أن: "رواياته (8740) على (62169) من مجموع الأحاديث، بما يمثّل (14.05 %) منها"؟!

- ولماذا يتناسى الشيخ خالد الجندي وهو يعتمد الرواية في المقارنة ما يعلمه أهل العقيدة والحديث عن توصيفات "الصحيح" و"الحسن" و"المكذوب" و"المنحول" و"افتئات الرواة الكاذبين" إلخ. ولماذا لا يريد أن يتذكر أو يذكر ما قام به الإمام الشافعي من تجليس لما يُسمى الأحاديث معتبراً إياها معادلاً مماثلاً للقرآن الكريم فأكسب هذه الروايات البشرية طابع القداسة بل اعتبرها فقهوياً أحياناً حكماً على الآيات القرآنية.

 

والكارثة الكبرى التي تورط فيها الشيخ خالد الجندي وهو يشير إليها في متن النص المنشور بقوله:" عقلهم صوَّر لهم أن الآيات القرآنية صحيحة لأنها من رب العالمين، ويطعن في الأحاديث النبوية.. والشيء الكوميدي أن القرآن جاء عن طريق الرواة، فتسمع إذاعة القرآن الكريم، المذيع يقول لك برواية حفص عن عاصم، أو ورش عن نافع، هذه روايات.. النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) لم ينزل عليه القرآن كاملا مرة واحدة".

 

- والسؤال: أليس من المنطق والمؤكد يا شيخ أن الفطرة بعقلها البشري حين نقض قداسة المرويات الحديثية فإنها تعني التمسك بربانية القرآن واعتباره المرجعية الموثوقة؛ لكنك تنتقد اقتناعهم ذلك؛ وتقحم عليه كادحاً ما تزين له بإثبات "نهج الآحاديث" من دون أن تقترب من دلالات أو تتفكر في معنى اصطلاحات ترتبط بالحديث مثل "الصحيح والحسن والضعيف والمكذوب إلخ". فهل هذه الصفات الدالة على إشكاليات هائلة يمكن أن تُلْحَق بالقرآن الكريم وأنت تُصدِّر تلك المقارنة اعتماداً على نهج الرواية يا شيخ؟!!

 

-    ويقع الشيخ خالد الجندي في فخ السخرية غير المنتظرة من رجل دين داعية يفترض أن يأمر الناس بالمعروف ولا يقول: "الشيئ الكوميدي" حين يُخادع بالإشارة إلى الأسماء المنسوب إليها نوع القراءة المصحفية باعتبار هدي التبليغ في الدعوة للأميين يكون بالقول والاستماع: (حفص عن عاصم، أو ورش عن نافع)؛ والتي اشتهرت باجتماع المسلمين في القراءة على حرف واحد من الأحرف السبعة التي أُنزل عليها القرآن الكريم (كما في مصحف عثمان الجامع بموافقة الصحابة). ويتناسى الشيخ الجندي أن أصل المعنى القرآني ثابت بالتنزيه؛ والاختلاف يكون في الشكل فقط ولا يتسبب في الضرر أو يحقق الاعتلال.

 

 

*****

 

 

إن قول الشيخ خالد الجندي: "القرآن وصل إلينا محفوظاً بتواتر الرواة مثل الأحاديث النبوية" يكشف اختلالاً في المنطق الذي استخدمه؛ ويضعه في موقف إشكالوي مرتبطاً بالصورة الذهنوية للرواة غير المنضبطة على إطلاقها؛ فهو يحاول مثل فريق مدرسته الدعوية إكساب ما جرى التعارف عليها باصطلاح "الأحاديث النبوية" قداسة؛ وربطها بمصدرية الرسول صلعم؛ وجعلها تعادل قداسة القرآن الكريم؛ متجاهلاً الضوابطية الإلهية والرسولية الحافظة لذلك القرآن الكريم كما أنزل. فيما تَعَرَّض ما نُسب من أقوال للرسول بخلاف القرآن الكريم إلى "تقولات" غير مصدوقة و"ترهلات" غير محدودة؛ وهو الرسول نفسه الذي مَنَعَ بالإطلاق كتابة أية أقوال أخرى عنه بخلاف القرآن الكريم.

 

ولو كانت ما تُسمى "قبيلة حدثنا" ركزت أقوالها في ذكر وصف ما تتحدد بـ "السُّنَّة الفعلية" لكان ذلك أجدى وأجدر لاتِّبَاعها من قِبَلِ المسلمين كطقوس في ممارسة العبادة مثل "طريقة الصلاة وعدد الركعات" و"نظام الوضوء" و"فعاليات الحج"؛ وليس "المروياتية" التي أفرطت فيها الأقوال المتراوحة بين المتواتر والآحاد؛ والمشهور والمتفق عليه؛ وما على الشرط والصحيح؛ والحسن والضعيف والمكذوب... إلخ من "حيل المتفيقيهين"؛ حيث نشط الداعية خالد الجندي في الفاصل التلفازي لتسويقها للجمهور وهي فقط من بضاعة "قبيلة حَدَّثَنَا"!!

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات