آخر الأخبار

أزمة المسلمين مع القرآن : الاستشراق والقرآن (7)

 





محمود جابر

 

مثلت سرديّات السيرة النبويّة و مدوّنات الحديث والتـراث الفقهيّ الإسلاميّ الأساس المرجعيّ للدّراسات الاستشراقيّة الكثيرة الّتـي اهتمّت بالإسلام المُبكّر، تلك السرديات التى يؤمن بها أغلب المسلمين والتى طرحناها فى المقالات السابقة، والتي منها:


- عدم معرفة النبى بالقراءة والكتابة (أٌمى).

 

- أن القرآن حوي ناسخا ومنسوخا

 

- ان النبى رحل عن الدنيا ولم يجمع القرآن.

- أبو بكر أو من جمع القرآن

 

- أن عثمان قام بجمع القرآن جمعة ثانية

- ان الصحابة اختلفوا فى القرآن

 

- وجود روايات تتحدث عن فقد آيات من سور وإضافة آيات إلى سورة فى الجمعة الثانية لم تكن موجودة قبلها.

 

- اختلاف الصحابة فى بعض الآيات والكلمات

 

- التدوين الأول لم يعرف الشكل ولا النقاط وان هناك خلاف فى الرسم والشكل والنقاط

 

- ان تدوين وترتيب سور القرآن كان محل خلاف ..


وهذه عينة من القضايا التى كان وما يزال يؤمن بها قطاع عريض من المسلمين، بل، إن كتب التراث تحوى العديد من تلك القضايا والإشكالات حول القرآن، فضلا من ان هناك قطاع ليس بالقليل يؤمن بان جمع الصحابة – القرآن الحالي- ليس هو القرآن الذى نزل على النبى بتمامه!!



الاستشراق والقرآن:



أبصرت الدراسات القرآنية النور إجمالا في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر متأثرة بشكل خاص بالمنهجية التاريخية النقدية التي شقت طريقها في عصر التنوير ومورست في دراسات حول الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قام بها علماء بروتستانت في ألمانيا بعيدا عن أي تأثر ديني وبروح علمية بحثه لا تتعلق بقدسية أي نص، حيث انكب بعض علماء اللغات السامية على دراسة القران محاولين اكتشاف الوقائع التاريخية المرتبطة به وكيفية حدوثها وعلاقتها بنشوئه ومصيره بعد ذلك.

 

مثل تاريخ القران واحدا من تلك المجالات الاستشراقية التي لاقت انتشارا واسعا وشهرة كبيرة في هذا المجال النقدي، ويأتى المستشرق الألماني ثيودور نولدكه فى مقدمة هؤلاء المستشرقين المهتمين بمجال القرآن، معالجا مسألة نشوء القران الكريم وجمعه وروايته، كما ناقش مسألة التسلسل التاريخي للسور واقترح ترتيبا لها يختلف عن ترتيبها بحسب زمن نزولها، مشروع نولدكه سعى الى تأريخ النص القرآني معالجته كوثيقة من وثائق التاريخ الإنساني معتمدة في الدراسة على البحث اللغوي والفيلولوجيا وكذا بعض الأحداث التاريخية التي تشير إليها بعض النصوص والآيات، وربطها بعضها ببعض بهدف تشكيل قاعدة تاريخية يمكن الاستناد عليها في إعادة ترتيب زمني للسور والآيات ترتيبا تخمينيا يؤدي بدوره إلى فهمها بشكل أفضل.

 

مصدر القران والوحي الذي تلقاه النبى:

 

لم يشكك نولدكه في صدق النبي، بل اعتبره نبيا حقا وأنه كان مستغرقا تماما بالدعوة حيث أمن بأن الله الذى اصطفاه من أجل تبليغ الرسالة والهداية لقومه ودعوتهم الى الإيمان بالله، فتمتعه بشخصية قوية جعلته يؤمن بحقيقة ما دعي إليه، وإيمانه بنبوته وذكاءه العملي الشديد مكناه من التجريد المنطقي، مما جعله يعتبر ما حرك نفسه امرا موحى به منزلا من السماء، واعتبر هذه الغريزة التي تحركه صوت الله الذي يقوم عليه الإسلام، فأعلن عن سور أعدها بتفكير واع بواسطة استخدام قصص من مصادر غريبة مثبتة وكأنها وحي حقيقي من الله، وبما أنه لم يكن في وسعه الفصل بين الروحانيات والدنيويات، فغالبا ما استعمل سلطة القران ليفرض أمورا لا علاقة لها بالدين مع عدم إغفال الترابط القوي الذي كان عليه الدين ونظام المجتمع، فالنبي استقى معارفه من الكتابات العقائدية والطقوس وليس من الكتاب المقدس، فالقصص المستقاة من العهد القديم تشبه الهجادا ( الأساطير اليهودية المقدسة)، والأخرى المستقاة من العهد الجديد أسطورية الطابع وتشبه ما يسر في الأناجيل المنحولة، فالمصدر الرئيس للوحي الذي نزل على النبي حرفيا هو بدون شك ما تحمله الكتابات اليهودية، وتعاليم محمد في جلها ذات أصل يهودي كما هي تعاليم عيسى عليه السلام، مثالا على ذلك:

 

-الشهادة التي هي بالأصل مستقاة من عبارة يهودية من كتاب صموئيل الثاني(22-32):” لأنه من هو إله غير الرب”.


-التهجد ( صلاة الليل) وبعض أشكال الصلاة ووصف الوحي بالفرقان مشتق من اللغة الآرامية المسيحية.


-السور كتشابه ما ورد في سورة مريم الآية 17 بإنجيل الطفولة الفصل الأول… كما نجد جملة قصيرة جدا اقتبست حرفيا من العهد القديم في سورة الأنبياء اية 35:” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون“.

 

قال نولدكه أن مشاهير شعراء القرن الذي سبق ظهور الإسلام يشي تفكيرهم وتقييهم للأمور بأنهم كانوا يلمون بالمسيحية رغم أنهم حافظوا على وثنيتهم، لذا وجب الأخذ بعين الاعتبار التأثير المسيحي على النبي الى جانب التأثير اليهودي، أي أن الإسلام في جوهره دين يقتفي اثار المسيحية وهو الصيغة التي دخلت بها المسيحية الى بلاد العرب كلها، ويؤكد هذا الربط بسهولة الأحكام الصادرة عن أشخاص عاصروا محمد صلى الله عليه وآله وهو ما يفسر لجوء بعض أتباع النبي الى ملك الحبشة المسيحي.

 

تطرق نولدكه إلى الحجج التي تؤيد أن محمد صلى الله عليه وآله كان لا يستطيع القراءة والكتابة واعتبرها واهية، كما أن جعل جملة ” النبي الأمي” تعني نقيض “أهل الكتاب”، وهذا يفيد أن المراد بالكلمة ليس عكس القادرين على الكتابة، بل عكس من يعرفون الكتاب المقدس كما ورد في سورة البقرة الآية 73، أي أن محمدا لم يكن يعرف الكتب المقدسة القديمة بل عرف الحقيقة بواسطة الوحي بالقران.

 

عرض نولدكه ملاحظة المستشرق فلهاوزن التي تقول:’ كيف لرجل وجد في محيطه عشرات من الرجال الذين استطاعوا القراءة والكتابة ألا يعلم بها، وبوصفه تاجر من أجل تسجيل البضائع والأسعار والأسماء.

 

 في حين يرى المستشرق شبرنغر أن محمدا عالم بالكتب وأنه قرأ كتابا حول العقائد والأساطير بعنوان – أساطير الأولين – وهو الوصف الذي أطلقه بنو قريش على قصص محمد وتعاليمه المفيدة روحيا، وأضاف أن صحف إبراهيم هي الآيات 36 و37 من سورة النجم والآية 19 من سورة الأعلى

 

ورجح نولدكه أن محمدا قد تلقى أهم أجزاء تعليمه من اليهود والمسيحيين شفويا كما جاء في سورة الفرقان:{وقال الذين كفروا إن هذا أفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} والمعنيون هم معاصرو النبي سلمان وورقة ويسار وبلعام، ليخلص بالقول أن مصادر تعاليم محمد كانت الاعتقادات الدينية التي اعتنقها قومه أما الطقوس والممارسات في الكعبة والحج فقام بتعديلها لتلائم تعليمه معيدا إياها إلى أصول إبراهيمية كما بدل قصص الأنبياء اليهود ونصب نفسه ( محمد رسول الله) ووضع نفسه في مرتبة أسمى من نوح وإسرائيل ولوط وموسى وهارون وعيسى وادعى لنبوته معنى ختاميا بأنه ( خاتم النبيين).

 

تطرق نولدكه للأنواع التي يأتي بها الوحي والذي لا يقصد به القرآن فحسب بل كل الهام تلقاه النبي وكل أمر إلهي وجه إليه، وهي كما جاء في كتاب شهاب الدين القسطلاني (المواهب اللدنية):


الحلم، وحي جبريل في روع النبي، جبريل في هيئة رجل (دحية بن خليفة الكلبي)، صليل الجرس، جبريل في صورته الحقيقية والتي ظهر فيها مرتين فقط، الوحي من السماء كما ترتيب الصلوات، الله نفسه من وراء حجاب، الله كاشفا عن نفسه.

 

وأضاف أخرون جبريل في هيئة إنسان آخر، والله ذاته مظهرا نفسه لمحمد في الحلم.

 

يرى نولدكه أن الكيفية الثالثة ( صورة دحية الكلبى) ظهرت في العام الخامس للهجرة، والسادسة من رواية الإسراء والمعراج، والخامسة تفسير آخر لما جاء في سورة التكوير والنجم، أما الكيفية الرابعة فقد روي أن محمدا كثيرا ما اعترته نوبة شديدة لدى تقبله الوحي وكان يخفض رأسه ويشحب وجهه أو يشتد احمراره ويتفصد جبينه عرقا حتى في أيام الشتاء وهذه النوبة نتيجة لمعاناة محمد نوعا من الصرع كما سبق للبيزنطيين أن زعموا، وبما أن الغيبوبة كانت تعتريه فجأة حين كان غارقا في تفكير عميق، فقد اعتقد أن قوة إلهية كانت تحل فيه ولم يكن الوحي يتضح له إلا بعد أن يفارقه الملك، أي بعد عودته الى وعيه الكامل إثر اضطراب شديد.

 

كما أن هذا الوضع الجسدي والنفسي المضطرب الى درجة المرض يفسر الاحلام والرؤى التي رفعته فوق مستوى العلاقات البشرية كما في الكيفية الأولى الشيء الذي يجعل من الإسراء والمعراج مجرد حلم، والشكل الأدبي الذي عبر بواسطته النبي عن مضمون الوحي متأثر بقوة السكرة النبوية على أسلوب الكاتب، وحين ضعف الثوران النفسي الهائل مع مرور الوقت صارت السور أكثر هدوء حيث كانت في البداية تحركها طاقة شعرية معينة وأضحت بشكل تدريجي أقل خفة. ثم أضاف أن النبي معلم ومشرع لا غير.

 

استبعد نولدكه أن يكون محمد باعتباره متفوقا وواثقا من نفسه أن يكون تابعا لأحد معاصريه، أو أن يكون هناك توافق خداعي بينه وبين شخص آخر، لكنه أكد أن النبي استمد وحيه من العبرية ككلمة سورة التي تعني بالعبرية سلسلة، وكلمة قران المقصود بها مقرا، من قرأ –أملى –أدى –تلا وفي الأصل السرياني قرا قريانا أي أن المصطلح لم يتطور في اللغة العربية بل الكلمة مأخوذة عن تلك الكلمة السريانية ومطبقة في الوقت نفسه على وزن فعلان فرقان.

 

 كما استعمل نوعا من الشعر اسمه السجع وهو كلام مجزأ الى أجزاء قصيرة، يتبع اثنان منها أو أكثر قرينة واحدة، على ألا تلفظ المقاطع الصوتية التي تأتي في ختام الأجزاء المختلفة بحسب القواعد الدقيقة المتبعة في قوافي الشعر، بل بإتباع علامات الوقف واتخاذ قرينة أكثر تحررا من القافية، وهو الأسلوب الذي هيمن على أقوال الكهان القدماء، استعمله مدخلا عليه بعض التعديلات، كما انه استعان بصحابته المدونين في ذلك، حين أملى مطلع سورة المؤمنون على عبد الله بن أبي سرح الذي كان يستخدمه أحيانا ككاتب للوحي، والذي أصيب بالاندهاش في وصف قدرة الله الخالق فصاح:” فتبارك الله أحسن الخالقين” فأمره النبي بأن يكتبها لأنها هكذا نزلت، أي أن كلمات عبد الله بدت لمحمد ملاءمة فاتخذها في هذا الموضع ارتجالا!!

 

وما قاله نولدكه هنا لم يتفترى به على النبى بل هو كلام وروايات وجدت فى المدونات الحديثية، والتى وصف بعضها للأسف بالصحيح


تطرق نولدكه الى موضوع الأحرف السبعة التي جاء بها القران واعتبر ضربا من العبث القول بأن المقصود هو سبع لهجات، لأن القبائل كانت متقاربة، فلربما كان المقصود المواضيع السبعة كالقصص والتشريع والتحريم …أو المعاني السبعة كالظاهرة والباطنة والمؤولة…ويمكن اعتبار لا قيمة للرقم سبعة ويمكن أن يشير لعدد مجهول، ثم صرح انه من الصعب على النبي حفظ كل آيات القران فجعل القراءات لسقوط أو إضافة شيء حفظه الصحابة.





وأشار الى أن المنسوخ يختلف عما غيره محمد، وهو يقارب الفكرة المسيحية القائلة بنسخ الشريعة اليهودية بواسطة الإنجيل، واعتبر منسوخا الآيات التي نسخت نصا وبقيت حكما، أو التي نسخت حكما وبقيت نصا، والتي نسخت نصا وحكما معا بالإضافة الى كل ما ضاع قسرا عن إرادة النبي أو أهمل سهوا فلم يضم الى جمع القران الذي قام به خلفاؤه، وكذا الآيات التي فقدت فائدتها العملية بفقدان الداعي اليها (الآيات التي طلب فيها من محمد تحمل الاهانات بصبر والآيات التي تحكي تبدل أحواله تماما فلم يعد ممكنا الحديث عن سريان فعلي لها).



وللحديث بقية




أزمة المسلمين مع القرآن (6)





















 

إرسال تعليق

0 تعليقات