علي الأصولي
الغاية والغرض والهدف من وضع الفلتر السندي على الموروث الروائي هو
لكشف وكاشفية صحة المرويات أو النقولات الدينية.
بالتالي: لا يؤخذ برواية
وحديث وخبر إلا بشرط المرور والعبور وتجاوز هذا الفلتر والغربال.
بالنتيجة: ما ترشح من هذا الفلتر يقبل ويحكم بصحته وما لم يترشح
يرد عندهم وفق هذا المنهج. ودونك ما نحن فيه - والبحث عن صحة او عدم صحة تفسير
الإمام العسكري(عليه السلام - الذي بسببه وببركته عقد هذا الكلام والدخول والولوج
لهذا البحث الذي نحن بصدده.
وبما أن الغاية من وضع مجهر ومشرط البحث السندي هو للحكم على صحة
النص المتني أو الحكم على سقمه وبالتالي عدم اعتباره كما هو المعمول بينهم
مشهوريا.
فسوف يخضع هذا المجهر لعملية تتقيبية وغربلة واسعة النطاق للوقوف
على دعوى صحته ومشرعيته وأهليته ودقته وضبطه. وفق ميزان وحكومة الكتاب وبيانات
المعصوم.
وهذه العملية البحثية ليست سهلة بطبيعة الحال لكون القانون السندي
هو المعمول به منذ أكثر من ألف سنة على المستوى السني والمشهور الشيعي الإمامي.
وهذا القانون يمثل خط الدفاع المتين لحفظ الحديث والسنة. وقد وظفت فيه الأوقات
وصرفت فيه الأعمار لتشييد بناءه وأحكام أساساته وتقعيد مبتنياته.
وبالجملة: وظيفة هذا القانون هو البحث عن صفات الراوي وأهليته
وضبطه ووثاقته وعلمه وصدقه وعدالته ونحو ذلك. مما سوف تعرفه في قابل البحث إن شاء
الله.
ولادة هذا المنهج وميلاده في مدرسة الخلفاء وتحديدا في عصر التابعين.
هذا ما صرح به التابعي محمد بن سيرين. كما في - سنن الترمذي - الصحيح الجامع ج ٥ -
حيث نص: - كان في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة سألوا عن
الإسناد - نعم: هذا النص يكشف عن وقت النظر في الأسانيد ومبررات هذا النظر وقصته.
حتى جاء عبد الله بن المبارك بدعوى غريبة مفادها - الإسناد عندي من
الدين - ثم برر دعواه بقول - لولا الإسناد لقال ما شاء ما شاء - رجع صحيح مسلم ج ١
–
إذن: وقع البحث عن الإسناد في عهد ابن سيرين المتوفى سنة (١١٠)
هجرية. وصار الإسناد من الدين في عهد ابن المبارك المتوفى سنة (١٨١) هجرية. يعني:
اقل من مائة سنة بين ظهور وولادة الإسناد وبين صيرورته دينا بحسب نص ابن المبارك.
وبدأ عصر التصنيفات - الجرح والتعديل - في نهاية القرن الثاني
للهجرة الى القرن الثالث وما بعده. حتى صار بعد عدة أجيال دين يدان الله به. وهذا
الدين الذي كان وصار عليه الناس لا علاقة له بدين المعصوم كما هو الواضح.
والملاحظ على معطيات ومخرجات هذا المنهج هو دخول الإسقاطات في
التقييمات. ذوقية وإستحسانية وأهواء نفسية وتعصبات عقائدية وميول سياسية وقومية
وقبلية ونحو وذلك من الأمور التي نتوقف بتأمل كثيرا فيها وهذه التقيمات. مثلا: روى
البخاري المعاصر للإمام العسكري ع في صحيحة عن (453) رجلا ولم ينقل حديثا واحد عن الإمام
العسكري (عليه السلام).
إذن: نحن ما بين مشروع المعصوم وما بين مشروع الناس. نعم: المشروع
الكبير للمعصوم هو الدين بيان الدين والمحافظة على الدين. ولما كانت المحافظة من
الضرورة بمكان حتى لا ينتقض غرض الدين. وجد المعصوم أدوات الحفاظ على الدين سواء
كان المعصوم حاضرا أو غائبا.
وطبيعة المشاريع الكبيرة تكون أدواتها ليست غريبة عنها ولا أجنبية
عن فضائها. ولذا كان مبنى ومنهج المعصوم وحماية التراث ونقولاته هو - منهج العرض -
على الكتاب.
ومنهج الناس هو منهج - السند - وكما ترى مشروع الناس في قبال مشروع
المعصوم. نعم: حاولت بعض الاتجاهات الفقهية الإمامية حاولت والتنسيق بين مشروع
المعصوم ومشروع الناس بأخذ - منهج السند والعرض معا - وحاولت بعض الاتجاهات الأخرى
مغادرة مشروع الناس وفق مبنى - جمع القرائن –
وكيف كان: المتحصل أن آلية الحفاظ على المشروع عند المعصوم هي أداة
من سنخ المشروع - منهج العرض - بينما آلية الحفاظ على مشروع دين الناس عند غير
المعصوم هي أداة غريبة وأجنبية عن المشروع فلاحظ. بالتالي: هناك فرق بين الأداة
الاثباتية من جنس المشروع وبين اجنبيتها عن المشروع.
السند والإسناد لغة و اصطلاحا ..
للغة: السند هو كل ما يسند إليه ويعتمد عليه من حائط وغيره. يقال:
فلان سند أي معتمد - أبو الحسين احمد بن فارس بن زكريا (395) معجم مقاييس اللغة -
وهو مأخوذ من السند وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل لأن المسند
برفعه الى قائله أو من قولهم فلان سند أي معتمد - محمد بن إبراهيم بن جماعة (733)
المنهل الروي في مختصر علوم الحديث –
أما الإسناد: فهو مصدر للفعل الثلاثي المزيد - اسند - وذلك من
قولهم أسندت الحديث إلى فلان أسنده إسنادا إذا رفعه - ابن فارس -
اصطلاحا؛ السند هو أولئك الرواة الناقلون المذكورون قبل متن
الحديث. أما الإسناد: فهو حكاية طريق متن الحديث - أين حجر العسقلاني(852). نزهة
النظر شرح نخبة الفكر –
قال أبو علي الجياني احد أئمة الحديث عندهم : خص الله تعالى هذه الأمة
بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها من الأمم: الإسناد والأنساب والإعراب –
قال: الحاكم النيسابوري : فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة
مواظبتهم على حفظه لدرس منار الإسلام .. –
الدفاع عن مشروع الناس حيدر حب الله أنموذجا ..
سئل الباحث اللبناني حيدر حب الله عن شرعية علم الرجال ومستنده من
كتاب وسنة .. فأجاب بما حاصله - كما في موقعه - ليست قيمة أي علم من العلوم كامنة
بأخذ شرعيتها من الكتاب والسنة. فهل لدينا دليل من الكتاب والسنة على صحة العلوم
المكانيكية التي تسير فيها المركبات البرية والبحرية والجوية اليوم؟ وهل لدينا في
الكتاب والسنة دليل على صحة العلوم الفيزيائية أو الكيميائية ..
بالتالي: لا يجب العلم صحيحا أن يأخذ صحته من آية أو رواية
بالضرورة وكذلك علم الفلسفة والكلام والتاريخ والعلوم الطبيعية والإنسانية ..
وارتئ الباحث اللبناني ان يصاغ السؤال بطريقة أخرى وحاصلها:
هل توجد عندنا نصوص تحظر علينا التعامل مع علم الرجال ..
ثم ادعى ان النبي وأهل البيت( صلوات الله وسلامه عليهم) حذروا
الناس من الكذابين وقد مدح أهل البيت (عليهم السلام) جملة من الأصحاب بوصفهم ثقاة ومأمونين
وهذا كاشف على اهتمام ع بهذا العلم ..
وكما ترى: ربط الباحث اللبناني بين مدح هذا الراوي أو ذم ذاك وبين الاهتمام
بالشأن السندي. على ان المدح والذم هو لإيضاح موقفهم من شخوص عاصروهم مدحا أو ذما.
لتعريف الناس بهم. وتشخيص المعصوم على اقل الفروض حسي لا حدسي.
0 تعليقات