محمود جابر
تفاوتت آراء المستشرقين حول مفهوم الوحي وتفسيراتهم له، كما
تفاوتوا في تقويم الرسول والرسالة، وبما أن الحديث متجه فى الأساس لكتاب تاريخ
القرآن ومؤلفه الباحث الالمانى تيودور نولدكه، فقد حاول نولدكه تصوير القران الكريم
ككتاب عادي لنبي عادي ...
وللحقيقة أنا اعذر نولدكه وغيره من المستشرقين، لأنهم لم يفترى أحد
منهم على القرآن، فهم جمعوا ونقلوا ما فى كتب المسلمين من روايات حول القرآن
والنبي، ووفقا للمنهج العملي المتبع تكون نتائجهم سليمة وصحيحة ...
فالكلام حول جمع القرآن في الروايات تخضع لتناقض روائى عجيب غريب،
ألقى بتبعته على القرآن الكريم ، والقرآن وعلى الدارس غير المسلم، فضلا عن إن ما
قاله فريق كبير من المستشرقين له مثل عند بعض المسلمين – للأسف.
هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض الآخر تسفر عن هذه النتائج
المتضاربة.
أ ـ مات النبي صلى الله عليه وآله والقرآن كله على العسب واللخاف
والرقاع والأكتاف ، ولكنه لم يجمع في مصحف ، وقد راع أبا بكر كثرة القتل في القراء
بعد وقعة اليمامة في السنة الثانية عشرة للهجرة ، فاستشار عمر في الأمر، فأقرا معا
جمع القرآن من الصحف إلى المصحف، أو من العسب واللخاف والأقتاب إلى الصحف، وكلفا
بالمهمة زيد بن ثابت.
ب ـ أن عمر بن الخطاب كان أول من جمع القرآن بعد النبي صلى الله
عليه وآله بعد أن سأل عن آية فلم يجب إليها ، ونهض بالمهمة زيد بن ثابت.
ج ـ أن أبا بكر مات، وعمر قد قتل، ولم يجمع القرآن بعد، أي أن
المسلمين في حالة فوضى من شرائع دينهم، وكتاب ربهم.
د ـ أن عثمان كان أول من جمع المصحف تارة، وأول من وحد المصحف تارة
أخرى.
ه ـ أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وأن
جامعيه كانوا من الكثرة بحيث يعدون تارة، ويخصصون تارة أخرى، ولا يحاط بهم سواهما.
هذه الروايات وأمثالها تمثل دهشة وحيرة لأي قارئ أو باحث، ولو لم
يعمل بجهد وصبر وإيمان لن يصل أبدا إلى أى نتيجة صائبة.
وهذه السلسلة البحثية تعنى بالاستنباط القائم على أساس الاجتهاد
الفكري والمعرفي والمنهجي، والاستقراء التاريخي للأحداث وللروايات وقبلهم منهج
القرآن الكريم وآياته.
فقضية جمع القرآن بعد النبى صلوات الله عليه وآله، روايات يعتريها
التناقض والتضارب فى تعيين زمن جمع القرآن، وهو زمن متردد ما بين أبو بكر وعمر
وعثمان، أى طوال حوالي ربع قرن من الزمان لم تحسم قضية الجمع وآيات القرآن!!
ومما يثبت هذا التضارب والتضاد ان روايات الجمع بعد النبى، لها ما
يعارضها فى ان النبى اضطلع بهذا العمل فى حياته، كما ان القرآن ذاته يتحدث عن
الجمع وهنا نقول بضرس قاطع ان آيات القرآن تجب ما يقابلها ويعارضها.
فضلا عن وجود روايات – كما اشرنا- تثبت جمع النبي للقرآن فى حياته،
ومن جملة تلك الروايات:
(1) روى البخارى أن من
جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله أربعة ، فعن قتادة ، قال سألت
أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول صلى الله عليه وآله ؟ قال : أربعة كلهم
من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .
(1) ـ ما ت النبي صلى الله
عليه وآله ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ابن جبل ، وزيد بن
ثابت ، وأبو زيد .
(3) ـ أورد البيهقي عن ابن
سيرين ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة لا يختلف فيهم :
معاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد. واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبو
الدرداء ، وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري .
(4) عن الشعبي ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ستة
: أبي ، وزيد ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية وقد أخذه
إلا سورتين أو ثلاثة. قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان .
٥ ـ وجمع على عهد النبي صلى الله عليه وآله بعض من الصحابة القرآن
كله ، وبعض منهم جمع القرآن ، ثم كمله بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وذكر محمد
بن إسحاق في الفهرست : « إن الجمّاع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله هم :
علي بي أبي طالب ، وسعد بن عبيد بن النعمان، وأبو الدرداء، عويمر بن زيد ، ومعاذ
بن جبل بن أوس ، وأبو زيد ثابت بن زيد ، وأبي بن كعب ، وعبيد ابن معاوية ، وزيد بن
ثابت » .
٦ ـ وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي ، أن الأعداد المتقدمة هم الذين
عرضوه على النبي صلى الله عليه وآله واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ،
ولم يتصل بنا فكثير. وأما الذين عرضوا القرآن على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فسبعة : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وأبي بن كعب ،
وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء.
وقد أكد الحافظ الذهبي نفسه الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وآله
فقال : وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ، كمعاذ بن جبل ، وأبي زيد ، وسالم مولى
أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، وعقبة بن عامر .
٧ ـ روى الخوارزمي في مناقبه عن علي بن رياح ، قال : جمع القرآن
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله علي
بن أبي طالب، وأبي بن كعب .
٨ ـ أخرج بن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي ، قال : جمع القرآن
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل ، وعبادة بن
الصامت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو أيوب الأنصاري .
٩ ـ قال الحارث المحاسبي ، فيما أكده الزركشي : « وأما أبي بن كعب
، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل : فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه
متظاهرة » .
١٠ ـ أخرج البيهقي ، وأبو داود ، عن الشعبي ، قال : جمع القرآن على
عهد النبي صلى الله عليه وآله ستة : أبي ، وزيد ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وسعد بن
عبيد ، وأبو زيد. ومجمع بن جارية قد أخذه إلاّ سورتين أو ثلاثة .
١١ ـ ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن : قيس بن أبي صعصعة ، وهو
خزرجي يكنّى : أبا زيد .
١٢ ـ قال أبو أحمد العسكري : لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن
عبيد. وقال ابن حبيب في المحبر : سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي .
١٣ ـ قال السيوطي : ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن ، ولم
يعدها أحد ممن تكلم في ذلك ، فأخرج ابن سعد في الطبقات : أنبأنا الفضل بن دكين ،
قال حدثنا : الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي أم ورقة بنت عبد الله
بن الحارث ـ وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يزورها ، ويسميها الشهيدة ـ وكانت
قد جمعت القرآن .
وهذه روايات وأخبار متعددة تدل على ان هناك عدد كبير من الصحابة مختلف الأعمار
والانتماء جميعهم جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
والجمع لا يعنى شىء سوى التدوين، بيد ان هناك من يقول ان الجمع هو
الحفظ الشفاهى، بيد أن لا توجد ثمة دلالة لغوية تقول ان كلمة جمع تعنى الحفظ
الشفاهى فى الصدر.
والفرق بين الجمع والقراءة والحفظ جلي لا يحتاج معه إلى بيان ، قد
ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات : القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فعد
الخلفاء الأربعة ، وطلحة ، وسعداً ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وسالما ، وأبا هريرة ،
وعبد الله بن السائب ، والعبادلة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة.
ومن الأنصار : عبادة بن الصامت ، ومعاذ الذي يكنى أبا حليمة ، ومجمع بن جارية ، وفضالة بن عبيد ، ومسلم بن مخلد .
فالروايات تدل على وجود عدد كبير حول النبى يكتب ويؤلف ويحفظ فقد رواى زيد بن ثابت
قال:« كنا حول رسول الله صلى الله عليه وآله نؤلف القرآن من الرقاع » . ودلالة
التأليف ، تعني الجمع والتدوين ، وضم شيء إلى شيء ، ليصح أن يطلق عليه اسم التأليف.
والأمر لم يعد يحتاج إلى جهد فى التفسير والمعنى اللغوى إذا ان
التاريخ يثبت تداول نسخ القرآن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، والكلام
يحتاج إلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى...
وللحديث بقيه
0 تعليقات