علي الأصولي
لا خلاف مع الاتجاه الإخباري وممنوعية التفسير بالرأي. وهذه كبرى
مسلمة ومن الأصول الموضوعية بلا كلام.
ولكن ان ندعي ان إمكانية فهم الآيات القرآنية على ظاهرها تحت خانة
الكبرى الممنوعية. فهذا فهم ليس بالصحيح. لأن حمل اللفظ على ظاهره ليس من صغريات
هذه الكبرى.
بلحاظ كون التفسير نحو كشف عن أبهام ولا إبهام في الظهور النصي كما
هو واضح.
وأما ان الروايات الناصة على ان فهم القرآن الكريم مختص بالنبي(صلى
الله عليه وآله) ومطلق المعصوم(عليه السلام). بدعوى - إنما يعرف القرآن من خوطب به
- فالروايات جميعها- على مبنى التشدد السندي - مرسلة - وان أغمضنا النظر عن الجهة
السندية فهي محمولة على فهم تأويله وواقعه وتفصيله.
وإلا نفس القرآن خاطب الناس بلفظ الناس - يا أيها الناس - وخاطب أهل
الإيمان منهم بلفظ - يا أيها الذين آمنوا - فكيف تتم مخاطبة أصناف ويدعى خطاب غيرهم
بالخصوص. بالتالي: مع الخطابات القرآنية العامة لا يمكن توجيه الخطاب بالخصوص
بالفرد النادر.
نعم: حصل اشتباه عند الاتجاه الإخباري بمقولة التأويل وبمقولة ان
للقرآن بطن أو بواطن على ما نصت روايات المذهب وهذه الروايات لا يستفاد منها بحال
من الأحوال عدم حجية ظاهر القرآن الكريم.
وحسب حدود فهمي: ان خطابات القرآن الكريم الأصل فيها وفي غايتها
وفي هدفيتها هو إفهام الآخر القارئ المستمع المتلقي. لان المتكلم عندما يتكلم يريد
بكلامه الإفهام لا الإبهام والإبهام - والكلام في الأصل الأولى كبراه - وبالتالي
فهم الآخر مشروط بالقدرة بالآن أو الاستقبال.
ولهذا سمعنا في الأصول في حجية القطع واليقين بأدلة الاستنباط أو
التشريع هم الفقهاء لا عامة الناس وهذه حجية إقتضائية قبل تحصيل القدرة على الفهم.
إذن: نصوص القرآن الكريم كما هي نصوص أهل العصمة (عليهم الصلاة
والسلام) مراتب وطبقات. ومحاسبة الناس بلحاظ إفهامهم ومستواياتهم وما يفهمون من
كلام.
ولهذا يقال: لا تضاد أو تناقض بين الظاهر والباطن خلافا لجملة من
مدارس التصوف. التي ادعى أربابها ان شريعتهم الباطن دون الظاهر فكانت نتائج افهماهم
وسلوكياتهم مخزية.
فنحن بالتالي: تبع آل الله. وقول صادق العترة (عليه السلام) لا
ظاهر بلا باطن ولا باطن بلا ظاهر ..
خلاصة القول: إن كل ما فهم من القرآن الكريم ظاهرا او باطنا فهو
حجة بشرط عدم كون هذا الفهم معنى مستنكر ومعارض ومتعارض مع قواعد الدين وبيانات
المعصومين(عليهم الصلاة والسلام). وعليه فحجية الباطن نفس حجية الظاهر بشرط عدم
مخالفة الدين كما ذكرنا.
وغاية الافتراق بين الفهم الظاهري والفهم الباطني. هو كون الأول -
الفهم الظاهري - حجة عامة - والفهم الثاني - الفهم الباطني - حجة خاصة. يعني لا
يمكن من خلال الفهم الباطني وحجيته الشخصية ان تكون دليلا للحكم الشرعي ولذا
قالوا: إن الكشف ليس بحجة. فهو ليس دليلا من أدلة الاستنباط كما قرر في محله.
وبالجملة: دلالة آية التطهير دليل على إمكانية ووقوع الوصول لباطن
القرآن الكريم بناءا على عدم وجود الرجس في ذواتهم (عليهم الصلاة والسلام) فآية
التطهير مثلا:
موضوعها أهل البيت (عليهم السلام) ومحمولها التطهير، والطهارة: اما
ان تكون بمعنى مطلق الطهارة او الطهارة المطلقة، والحق هو الثاني. مع تنزيههم
بالجملة من الأول. كونهم (عليهم الصلاة والسلام) على الأغلب على وضوء وطهارة واحتياط
وتحرز من النجاسات الظاهرية.
بالتالي: لا تلبس لمطلق الطهارة إلا بمقدمات ومقامات نحو الكمال. وأما
الرجس فهو مطلق الرجس لا الرجس المطلق كما في المعنى الطهاراتي السابق. هذا ما
ذكره المرحوم الشهيد الصدر الثاني.
وعلى ضوء هذا البيان يفهم أن كل غير معصوم فهو بالأصل رجس. ولا
يشمله دليل الطهارة المطلقة بحال من الأحوال. وهذا الأصل لا يعني ان الفرد غير
المعصوم مجبرا في البقاء في أصله.
لوجود إمكانية ومقدمات
كمالية والسير والحركة تجاه الكمال بشرط عدم مفارقة المعصوم على طريقة القول مني
في جميع الأشياء قول آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وكيف كان: دعوى البقاء في
خط المعصوم وحكومة الكتاب. دعوى عريضة وكل يدعي وصلا بليلى ومن هنا لا حقيقة لإتباع
المعصوم إلا بأثر سلوكي وفكري والأفق ببابك ولا مزيد.
وكما ترى: هذه التفرعات البحثية التي ذكرناه مبحوثة تفصيلا في
الأصول والكلام والعرفان والأبحاث القرآنية. نعم: ذكرنا موضع الحاجة منها بدون
الخوض في تفصيلاتها وتفريعاتها لعدم الثمرة في هذا البحث.
0 تعليقات