محمود جابر
الأسئلة التسع ...
القارئ للعديد من كتب السير والكتب التى تتحدث عن القرآن جمعا
وتدوينا، ومن يستمع لكل من يتحدث عن عملية جمع القرآن من روايات أهل السنة وفى
مساجدهم ودروسهم ووعظهم، يؤكد حقيقة يؤمن بها الشيعة الامامية وغيرهم ان هناك
عملية جمع حدثت بعد رحيل النبى، وتم خلال هذه العملية استبعدا الإمام على واستبعاد
مصحفه، وهذا الحديث عند كلا الفريقين أمرا يقينيا لا يشك فيه إلا النادر القليل
ممن لهم اهتمام بهذه القضية .
والجميع يستند فى هذه القصية على ما رواه البخارى فى باب: قوله:
لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية [التوبة: 128]
4679 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني ابن السباق أن زيد
بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - وكان ممن يكتب الوحي قال: أرسل إلي أبو بكر
مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر
يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن؛ فيذهب كثير من
القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف
أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عمر: هو والله خير.
فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن
ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم. فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت
تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو
كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف
تفعلان شيئا لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر هو والله خير،
فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت
القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة
آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم حريص عليكم [التوبة: 128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها
القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت
عمر.
هذا الحديث وغيره مما سبق يفتح باب كبير للعديد من الأسئلة التى تحتاج إلى جواب :
الأول : هل فارق رسول الله الدنيا، ولم يجمع القرآن، ولم يدونه، ولم يرتبه،
ولم يحصّنه، ولم يحكم الأسوار حوله، ولم يطمئن إلى حفظه، وصيانته من الضياع؟
الثاني: هل شُغل رسول الله عن جمع القرآن وتدوينه، مع أنه بعث بالقرآن،
وبعث لأجل القرآن، وماعاش إلا للقرآن، وما لبث بعد اكتمال نزول القرآن إلا قليلا،
حتى ودّع الناس، ولحق بالرفيق الأعلى؟
الثالث : هل تلهى رسول الله عن جمع القرآن، وهو على علم وبصيرة بما وقع
للأمم السالفة بعد رسلهم، حيث ضيعوا ما جاءوا به من كلام الله تعالى، وتلاعبوا به،
وأحدثوا فيه ما أملت عليهم أهواؤهم، من تحريف وتبديل!
الرابع: وصى رسول الله قبل موته بآل بيته، وبالأنصار، وبالنساء، ولو انه لم
يجمع القرآن، لكان وصى المسلمين بجمعه، فهل الذاكرة الروائية تحفظ حديثا أو رواية
صحيحة أو ضعيفة أو آحاد أو منقطعة للمسلمين بان يجمعوا القرآن؟
الخامس: فى خطبة الوداع تروى كتب السنة والشيعة بأن النبى أوصى بالتمسك
بالكتاب والعترة، فالعترة معروفة – سواء تمسكوا بها أو لا لكنها معروفة محددة-
ووصى قبلها بكتاب الله تعالى فكيف أحال النبى قومه على عمل غير مكتمل أو غير مجموع
أو غير معروف أوله من آخره – وفقا للروايات فى اختلاف الترتيب والآيات والسور؟!
السادس : إذا كان القرآن لم يدون فى حياة النبى ، ورأى أبوبكر وعمر ضرورة
تدوينه، فهل يُعقل أن يُسند هذا الأمر الخطير العظيم إلى شخص واحد يتولاه، فالأمر
كان جللا، وكان خطيرا جدّ خطير، وكان يتطلب أن يجمع له الأنصار والمهاجرون، بل
يجمع له المسلمون كلهم، ثم تشكل لجنة تضمّ ناسا يكونون موضع ثقة وتقدير عند
الجميع، وهم ينجزون هذا العمل العظيم بتعاون الجميع، حتى يكون هذا العمل عملا
جماعيا، ولا يكون عملا فرديا، فإن العمل الفردي لن يكون مثل العمل الجماعي في
دقّته وجودته، ولن ينال ثقة الجميع؟
وللأسف الروايات كثيرة فى ان الجمع لم يكن يحظى برضى الجميع !!
السابع : إن سلّمنا- ولا مبرّر له – أن أبابكر وعمر استبدّا بالأمر، دون
القوم، وأسندا جمع القرآن إلى شخص واحد، هو زيد بن ثابت الأنصاري، فماذا فُعِل
بماجمعه زيد بن ثابت؟ تقول الروايات إن الصحف التي جمع فيها القرآن كانت عند أبي
بكر، حتى وفاته، ثم عند عمر، حتى حتى وفاته، ثم عند حفصة بنت عمر. وهذا يدل على أن
تلك الصحف ما انتسخت، وما نشرت، وما وصلت إلى أيدي الناس. بل بقيت حبيس بيت
الخلافة، فهل كان هذا الجمع لزينة بيت الخلافة، أم كان للناس، حتى يكون كل شخص مع
كتاب الله؟ وإذا كانت تلك الصحف حبيس بيت الخلافة، فماذا فعل الناس؟هل بقوا بغير
قرآن؟ أم جمعوا القرآن لأنفسهم مرة أخرى بعد جمع زيد بن ثابت؟ وهل كان هذا الجمع
أيضا جمعا فرديا كالسابق، أم كان جمعا جماعيا؟
الثامن : موضوع الرقاع والاكتاف والعسب واللخاف !!
يقول زيد بن ثابت عن عملية الجمع : "فتتبعت القرآن أجمعه من
الرقاع و الأكتاف والعسب وصدور الرجال"؟
فهل كان يُكتب القرآن في أيام الوحي على الرقاع والأكتاف والعسب، واللخاف؟
وهل استُخدمت تلك الأشياء لكتابة القرآن فقط، أم استخدمت لكتابة أشياء أخرى غير
القرآن؟ هل كتبت المعلقات ، أو قصائد فحول الشعراء على العسب واللخاف؟ هل كانت
العهود والمواثيق بين القبائل، وبين المسلمين واليهود، وبين المسلمين وقرى، كلها
كانت تكتب على الرقاع والأكتاف؟
فهل كانت ( اللخاف والعسب والرقاع ) تعتبر من أدوات الكتابة عند العرب ؟
رغم ان القرآن يقول على عملية الكتابة (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ
مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
فالقرآن يحيلهم على آداة معروفة لى الكتابة وليست مجهولة، اداة متوفرة ومشهورة
وليست نادرة !!
والرق كان عندهم متوفرا، وهو جلد رقيق يكتب فيه، وكان أسهل في الكتابة، وأسهل في
القراءة، وأسهل في الترتيب، وأسهل في المراجعة، وأسهل في الحمل والنقل، فما الذي
صرف المسلمين عن الرق إلى غيره؟
والعرب كانوا يستعملونه عادة، وكانوا يذكرونه في شعرهم، كما قال الأخنس بن شهاب
التغلبي:
لاِبْنَةِ حِطَّانَ بنِ عَوْفٍ مَنازِلٌ ** كما رَقَّشَ العُنْوانَ في الرّقّ
كاتِبُ
وقال طرفة بن العبد:
كسطور الرق رقشه ** بالضحى مرقش بشمه
التاسع : ماذا قصد زيد بن ثابت؟ حينما قال: "حتى وجدت من سورة التوبة
آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما".
هل نسي المسلمون كلهم تلك الآية إلا واحد؟! وإن نسي المسلمون كلهم
تلك الآية ، فمن يضمن ألا يكونوا قد نسوا غيرها؟!!
وللحديث بقية
1 تعليقات
الاسئلة التسع تحتاج الى تامل كبير
ردحذف