آخر الأخبار

خارج الفقه : القرآن الكريم ظاهرة لغوية اجتماعية ..

 

 


 

 

 

 

علي الأصولي

 

 

لا شك بأن ميلاد القرآن الكريم في أحضان المجتمع العربي للغة وثقافة وجغرافية.

 

واللغة بالأصل - أي للغة - هي ظاهرة اجتماعية تأخذ شكلها العام من الجماعة وتفاهماتهم الكلامية اللغوية.

 

ولما كانت أصل اللغة وجدت للتفاهم والتواصل بدون الدخول لمتاهات التأويل. جرى القرآن الكريم على هذه السيرة.

 

نعم: التاؤيل في اللغة له حضوره والترميز والمرموزات كما ان للفصاحة والبلاغة لها حضورا ملحوظا في أدبيات اهل اللغة.

 

وعليه: فإن الاستعمال التأويلي والترميزي في القرآن الكريم له من الحضور الملحوظ في آياته.

 

وهذا كله لأن القرآن الكريم نزل بلغة بشرية وكما ان هذه اللغة خاضعة لطرائقهم الكلامية والتواصلية. كذلك القرآن الكريم إنساق وفق هذه اللغة وطرائقها التفهيمية.

 

ولذا نجد مفردات قرآنية من قبيل (لعل - و - عسى) مع إيمانا المطلق بأن القرآن الكريم الذي يمثل الله سبحانه وتعالى. أنه لا يغفل ولا يشتبه ولا ينسى ولا يجهل. وما كانت هذه المفردات وغيرها - وما يجري مجراها - نزلت ووجدت تماشيا ومراعاة للغة.

 

النداء القرآني .. نحويا وبلاغيا ..

النداء - المخاطب - هو طلب الإقبال بحرف ينوب مناب الفعل - ادعو - لفظا او تقديرا - والمطلوب بالإقبال يسمى بالمنادى. والمراد بالإقبال هو التوجه سواء كان بالوجه او بالقلب.

 

والنداء عند النحاة: يختص بالأسماء. وهو تصويتك بمن تريد إقباله عليك لغرض التخاطب بحرف من النداء من قبيل - يا - أيا - هيا - أي - الهمزة - وأكثرها - استخداما - يا - مثل يا طالب العلم - ووجه اختصاصه بالأسماء هو كون المنادى مفعول في المعنى - لأن معنى يا زيد - أنادي زيدا أو أدعو زيدا - والمفعولية من خصائص الاسم.

 

والاختصاص بالاسم ليس حرف النداء بل هو النداء نفسه. إذ لا ينادى إلا من يجيب.

 

وبلاغيا: النداء نوع من أنواع الإنشاء ودلالته عندهم للتنبيه على أمر عظيم. او عظم الأمر - يا أيها الرسول بلغ - ويستعمل لغاية تنبيه الاشتراك بين المؤلف والقارئ كما وظف هذا الاستعمال - إخوان الصفا - في رسائلهم وارداة تكريس التغيير المفاهيمي وبالتالي التحول الثقافي والعقائدي عند المتلقي.

 

وهكذا هي أساليب القرآن الكريم عندما يستهدف بنية ثقافية لغرض تصحيح مساراتها. فالخطاب القرآني بالأصل موجه للحاضرين - خطاب مشافهة - او قل - خطاب مواجهة - نحو قوله(يا ايها الناس اعبدوا ربكم) وبما ان الأحكام عامة وبما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وبما ان المورد لا يخصص الوارد وبما ان القرآن يجري بين الناس كمجرى الشمس والقمر . فالكلام عام وشامل للمخاطبين وغيرهم سواء وجدوا بذلك الزمن او غيره من الأزمان.

 

الأصل عدم تاريخية النص القرآني ..

 

ومنه تعرف قيمة دعوى تاريخية النص او تاريخانية النص عند بعض الاتجاهات الحداثوية التنويرية المتطرفة التي اخذوا بها عريضة. بلا مستند الا الاستحسانات والأمزجة التي تشكل بمجموعها انحرافا عن الفهم السليم للغة وللتشريع وفلسفته.

 

تاريخية النص تعني عندهم ان النص القرآني او عموم النصوص القرآنية الكريمة. مختصة بمرحلة زمنية تاريخية للبشرية وبالتالي: عدم صحة إسراء وعدم صحة شمول وعدم تعميم هذه النصوص لإزمان أخرى. يعني لا يصح حمل النصوص القرآنية الى جميع الأزمنة ولجميع الحضارات لعدم الإطلاق الازماني.

 

وقد عقدت جملة من المقالات للرد على هذه الدعوى فيما مضى. وقلنا هناك: إن الأصل هو الإطلاق وعدم الأصل يحتاج الى دليل برأسه. ولذا أن جاء نص ما فالأصل فيه هو الإطلاق ما لم يقيد بمخصص أو نحو ذلك.

 

نعم: سمعنا في الأصول بأصالة الإطلاق وهذه الأصالة أصل لفظي يتمسك به في حال او ظرف الشك في إرادة المتكلم للإطلاق. من قبيل - أكرم العلماء - وهو كما ترى ظاهرا في الإطلاق ما لم نحتمل إرادة خصوص العدول من العلماء. وهذا الاحتمال يطرد بالأصالة - أصالة الإطلاق - لعدم وجود قرينة تدل عليه. وبهذا يتم إحراز ان ما كان ظاهرا من كلام المتكلم بنحو الظهور الإقتصائي هو ما كان مريدا له جدا.

 

بالتالي: الإطلاق الازماني للنص القرآني - عامة النصوص - هو المتعين - والكلام - في حيثية الأحكام الشرعية والأخلاقية - وأما النص القرآني القصصي والنص القرآني العقدي فخارج ما نحن فيه في هذا الكلام.

 

فالأمر والنهي في النص لوحظ فيه الإطلاق والعموم والشمول وكذا حسن العدل وقبح الظلم في النص القرآني لوحظ فيه الإطلاق والعموم والشمول.

 

قراءة القرآن الكريم ..

١) شعائرية.

٢) تفسرية.

٣) تأويلية.

 

القراءة أما أن تكون شعائرية وأما أن تكون تفسرية وأما أن تكون تأويلية. وهذه القراءات الثلاثة هي من وظيفة المعصوم والمعصومين (عليهم الصلاة والسلام) حصرا. فهم القناة الرسمية الناطقة عن الحق تعالى. وما يريد للناس من هداية وتعليم وكمال وصلاح بالتالي أمر دينهم ودنياهم.

 

وعليه: مزاحمة الناطق الرسمي المنصوص من قبل الله تعالى تعدي على حدود الله ويمثل انتهاكا صارخا والخروج عن حكومة الله.

 

إشكالنا مع المختلف الآخر - المذهبي - سواء كان من نصب نفسه بالشورى او من جاء وفق مخرجات الشورى. خلافنا معهم في هذه المفردة وفي هذا اللحاظ وفي هذه الحيثية. يعني ليس لنا مشكلة مع عمر بن الخطاب ولا مع فقهاء مذاهب العامة. ليس بيننا وبينهم مشكلة شخصية لا عشائرية ولا حزبية. نعم: مشكلتنا مع الجميع هو ترتيب أنفسهم في مقامات ليست من الله سبحانه. فلا دليل ولا بينة ولا سلطان مبين ودعواهم لهذه المقامات. مقامات الخلافة ومناصب الفتيا والإفتاء والعقيدة.

 

هؤلاء كما أدعو لأنفسهم إدعاءات عريضة وتبعهم خلق كثير جهلا تجاهلا شبهة غفلة تغافلا. المهم: تم توريط جماهير كبيرة وعلى طول التاريخ لحد هذه الساعة.

 

وإلا أن هذه الشخصيات التي زعمت انها الجهة التمثلية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سياسيا او إفتائيا.

 

هم يقصدهم القرآن الكريم عندما قال (لا يمسه الله المطهرون) مثلا؟

عدم المس الا بكون الإنسان على طهارة كما في الفقه لا يراد في دلالة هذه الآية الكريمة. بل مرادها ودلالتها - عدم النيل - نحو قوله تعالى( اني مسني الضر ) يعني لا يناله الا المطهرون لا يصل إليه الا المطهرون لا يعرف قرءاة الشعائرية - واعني بها القراءة الحرفية - إلا المعصوم والمعصومين (عليهم الصلاة والسلام) ولا يعرف قراءة القرآن التفسرية. إلا أهل العصمة (عليهم السلام) ولا يعرف تاؤيله الا الله والراسخون في العلم كما هو مفاد النص القرآني الكريم.

 

فمن هو المطهر ومن هو الراسخ الثابت في العلم والايمان غير محمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام).

 

والكلام ليس مختصرا على خلفاء العامة وعلمائهم من فقهاء ومفسرين بل يشمل حتى الشيعة أيضا فهم أيضا في نفس الشمول والكلام ومن يتعدى أحدهم حده ولم يعرف قدر نفسه.

 

مثلا: هل صاحب الميزان يعتبر تفسير ميزانه معصوميا؟!

 

نعم: في جملة من الآيات التزم وأحاديث المعصوم التفسرية وبيانات أهل البيت (عليهم السلام) ولكن في آيات أخر ركب مراكب العامة العمياء.

 

ومن هنا شدد المعصوم على من يدعي تمثيله الديني شدد في ذكر مواصفات بوجودها أمكن للناس والرجوع للعلماء والأخذ منهم فهذه رواية الإمام العسكري (عليه السلام) نصت على مواصفات معينة اذ قال: فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه. حافظا لدينه. مخالفا لهواه. مطيعا لأمر مولاه. فللعوام أن يقلدوه.

 

وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم. فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة. فلا تقبلوا منهم شيئا ولا كرامة.

 

وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك. لأن الفسقة يتحملون عنا. فيحرفونه بأسره على غير وجهها لقلة معرفتهم.

 

وآخرون يتعمدون الكذب علينا. ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الى نار جهنم. ومنهم قوم نصاب لا يقدرون القدح فينا.

 

فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة. فيتوجهون عند شيعتنا.

 

وينتقصون به عند نصابنا. ثم يضيفون اليه أضعاف اضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها. فيتقبله المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا. فضلوا واضلوا. وهم اضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي (عليهما السلام وأصحابه) - وسائل الشيعة ج27 - عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام).

 

وفي الختام: لنا وقفه مع الحديث ودلالاته وعدم صوابية ما ذهب إليه كل من السادة الخوئي والخميني والصدر الثاني. بتعليقاتهم حول سند الحديث ومتنه ومصدره - مع بيان أهم دلالاته والى الله تصير الأمور ..

 

إرسال تعليق

0 تعليقات