محمود جابر
بعد كل ما سبق ذكره من أثبات الأدلة على عملية الجمع التي قام بها النبي
صلى الله عليه وآله فى حياته وقبل رحيله، علينا أن نأتي إلى ما سمى بجمع الصحابة
سواء كان أبو بكر أو عمر أو عثمان أو على...
وقبل أن نبدأ فى مناقشة موضوع اليوم، علينا أن نستذكر دائما أن النبي
أرسل الكتب والرسائل إلى حكام البلدان والى كسرى وقيصر، وإلى حاكم مصر المقوقس،
والنجاشى، وكتب وثيقة المدينة، وكتب كتابا بينه وبين أهل مكة فى الحديبية كل هذه
الكتب والمواثيق والمراسلات لم تكتب لا على العظم ولا الرقاع ولا العسف ولا كل هذه
الترهات، ولكنها كتبت على أوراق ورق من جلد، فمكة التى كانت تحكم تجارة الترانزيت
فى العالم ما بين جنوبه ( اليمن والبحر الأحمر والمحيط الهندي وإفريقيا وجنوب آسيا
وشرقها) وما بين شمال العالم ( البحر المتوسط والشام ومصر وروما) ... توفر لها كل
مخترعات العصر ومنتجاته فضلا أن معلقات الشعر العربي التى علقت على الكعبة لم تكتب
لا على العظم ولا على سعف النخيل، بل كتبت فى صحف طوال .......
أرجو ان لا تنسوا ذلك أبدا...............
ونختم بسؤال: هل مكاتبات الملوك والأمراء، وقريش كانت أهم من كتاب
الله تعالى حتى تٌكتب تلك على الجلود والرقاع والرق المطوي والورق، ويكتب القرآن
على العظم والسعف ؟!!!
روايات الجمع :
الجمع عند المسلمين حدث سياسي باقتدار، ومعنى انه حدث سياسي أي حدث مفتعل، كل طرف
من أطراف الصراع اخترع لنفسه فضلا فى جمع القرآن حتى يثبت لنفسه قدم فى انه وارث
الحكم والنبوة ...
وأنا ابرأ أصحاب النبي وآله من هذا الكلام، ولكن كل الذين تحدثوا
باسم آل البيت أو باسم الصحابة حاولوا صناعة هذه الأكذوبة التى انطلت علينا
وصدقناها وآمنا بها وكذبنا ما هو صادق وأمين ( القرآن، والنبي)...
إن روايات الجمع متعددة ومختلفة لدى المسلمين، روايات سنية، و روايات شيعية.
كل رواية تحصر فضل جمع القرآن لشخص وطرف على حساب الطرف الآخر الذي
تم تجاهله تماما.
الأمويين كانوا طرفا يستمدون شرعيتهم من الصحابة – كذبا وزورا،
والبوهيين كانوا طرفا يستمدون شرعيتهم من آل البيت كذبا وادعاء..
فنجد تفسير القمي و كتاب
تفسير بحار الأنوار يروون ان النبي أمر علي بجمع القرآن و هو على فراش موته و بدون
ذكر لأي من كتاب الوحي أو الحفاظ للقرآن في جمعه.
وان ما جمعه على بن أبى طالب لم يأخذ به القوم – الصحابة – فتم إخفائه
خوفا عليه من التحريف، وسوف يأتي به الإمام المهدي فى آخر الزمان كما نزل على محمد
صلى الله على وآله، ولم يخالف الشيعة فى ذلك سوى ما ذكره الخوئى وباقر الحكيم،
والصدر الثانى ومحمد اليعقوبى فى العصر الحديث .
أما الروايات السنية وهى الأشهر فى هذا الموضوع والكل يقول بها
ويقرها سنة وشيعة، بان الجمع تم بأمر من ابى بكر وبإلحاح من عمر، ثم تم مرة أخرى
فى عهد عثمان.
و تتضارب الروايات في الكيفية التي جمعت بها الآيات، فتارة ابو بكر و زيد و تارة أخرى زيد و عمر، و
تارة أخرى كل مسلمي المدينة يطلب منهم بالإتيان بما لديه من آيات حفظا أو كتابة في
مشهد فوضوي عبثى يبعث على التشكيك بسلامة النص القرآني وخلل بين في منهجية جمعه.
.. روى زيد بن ثابت. قال:
" أرسل إلي أبوبكر، مقتلَ أهل يمامة، فإذا عمر بن الخطاب
عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء
القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القران، وإني
أرى أن تأمر بجمع القران. قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ قال عمر: هذا
والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى
عمر. قال زيد: قال أبوبكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول
الله (صلى الله عليه وآله) فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان اثقل علي مما أمرني من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبوبكر يراجعني حتى
شرح الله صدري، للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب،
واللخاف، وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها
مع أحد غيره: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا الله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش
العظيم"
حتى خاتمة براءة فكانت
الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر“.
بمراجعة متن الرواية نجد الآتي :
غياب تام للحفاظ الكبار من الصحابة عبد الله بن مسعود، على بن أبى
طالب، عمر بن الخطاب – صاحب المقترح- عثمان بن عفان، أبو أيوب الانصارى، أبى بن
كعب، الزبير بن العوام...
بعض الآيات لا توجد إلا عند شخص واحد !!
من جمع القرآن على عهد النبى :
الروايات تحدثنا أن هناك من الأصحاب من هم اثبت قدما من زيد بن
ثابت فمن هم ...؟
روى البخاري عن قتادة قال “سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد
رسول الله؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت
وأبو زيد”.
و روى البخاري عن أنس بن مالك قال: “مات النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قال
ونحن ورثناه” ..
.... انظر ورثناه ... أي المصحف المكتوب فى عهد النبى !!
روى النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال : “جمعت
القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي — فقال : اقرأه في شهر”.
إذا كان لدى عبد الله بن عمر نسخة من القرآن مكتوبة ومجموعة فى عهد
النبى !!
روى السيوطي في “الإتقان” عن ابن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي
أنه قال: “جمع القرآن على عهد رسول الله خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل, وعبادة بن
الصامت, وأبي بن كعب, وأبو الدرداء, وأبو أيوب الأنصاري”.
رواية البيهقي عن الشعبي أنه قال: “جمع القرآن في عهد النبي ستة:
أبي وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعيد بن عبيد وأبو زيد, ومجمع بن جارية, وقد أخذه
إلا سورتين أو ثلاثة”.
يذكر ابن اسحق في “الفهرست” لابن النديم إن الجمّاع للقرآن على عهد
النبي هم:
علي بي أبي طالب/ سعد بن
عبيد بن النعمان/ وأبو الدرداء (عويمر بن زيد)/ ومعاذ بن جبل بن أوس/ وأبو زيد
ثابت بن زيد/ وأبي بن كعب/ وعبيد ابن معاوية/ وزيد بن ثابت/
إذا كان كل هؤلاء الصحابة الكبار جمعوا وحفظو وكتبو فى عهد النبى فلماذا
تركهم أبو بكر وأوكل المهمة لزيد وحده دون غيره؟!!
ثم إذا كان زيد من الحفاظ لماذا تتبع ما هو مكتوب فى الرقاع
واللحاف والعظام؟ أليس الأفضل عرض ما يحفظ على الناس قبل أو بعد كتابته؟ أليس
الأحرى أن نتوقع الحفظ الكامل للعشرات من الصحابة – إن لم يكن المئات— لكتاب الله
كما نرى الآن في أيامنا هذه؟ أم أنهم لم يحفظوا القرآن كما نحفظه الآن ؟!!
وهذا هو الادعاء على أصحاب النبى بأنهم لم يحفظوا القرآن، لكن قبل
ان نصدق هذه الفرية على أصحاب النبى علينا أن نقرأ ...
الأول : يروي الحاكم في المستدرك عن زيد بن ثابت نفسه أنه قال: “كنا عند
رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع” و هذا دليل على أن الرسول كان يشرف على ترتيب
الآيات في حياته بعد كتابتها و أن جماعة من الصحابة قاموا بذلك.
و ما يؤكد على ذلك:
الثاني : ما رواه النسائي و الترمذي و البيهقي و الحاكم: “ ان رسول الله
كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد، وكان اذا نزل عليه الشيء
يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل
عليه الآيات فيقول ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا”.
الثالث: روى الترمذي و الحاكم (المستدرك) و الزركشي (البرهان) عن ابن
عباس انه قال: “إنّ رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء دعا من كان يكتب فيقول:
‘ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا”.
فكيف تكون هذه الآيات و السور متفرقة هنا و هناك لدرجة يحتاج فيها
زيد بن ثابت أن يطوف على الناس لجمع آيات و سور القرآن المبعثرة و الضائعة كما نردد!!
بل عن كتاب الوحى قاموا بمراجعة ما يكتبونه على النبى قبل وفاته
وبعد عملية الجمع :
ذكر الزركشي في “البرهان” عن الحافظ الذهبي أنه قال: “أن الأعداد
المتقدمة هم الذين عرضوه على النبي واتصلت بنا أسانيدهم، وأما من جمعه منهم ولم
يتصل بنا فكثير. وأما الذين عرضوا القرآن على النبي فسبعة:
عثمان بن عفان / وعلي بن أبي طالب/ وعبدالله بن مسعود/ وأبي بن كعب/
وزيد بن ثابت/ وأبو موسى الأشعري/ وأبو الدرداء.
وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة، كمعاذ بن جبل، وأبي زيد، وسالم
مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر وغيرهم.
بل إن بعض النسوة جمعن القرآن نذكر منهن : ذكر ابن سعد فى طبقاته صحابية جمعت القرآن في
عهد النبى صلى الله عليه وآله : “أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبد الله
بن جميع، قال: حدثتني جدتي، عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث، وكان رسول الله
يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن”.
وجود المصحف ومعرفته :
ذكر البيهقي: “حدثنا جعفر بن محمد
- الصادق- بن علي عن أبيه ( زين
العابدين/ السجاد) عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال : “كانت المصاحف لا تباع ،
كان الرجل يأتي بورقه عند النبي فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب، ثم يقوم آخر فيكتب، حتى
يفرغ من الـمصحف“.
و يروي القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” عن عن محمد بن كعب
القرظي أنه قال: “كان ممّن يختم القرآن ورسول الله حيّ: عثمان، وعليّ، وعبد الله
بن مسعود”. و الرواية موجودة في طبقات ابن سعد.
و يورد الطبرسي في “مجمع البيان“: “إنّ جماعة من الصحابة مثل عبد
الله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات”.
و مما يستدل به على وجود مصاحف في عهد النبي أيضا :
ما رواه أبي داود فى سننه عن أن عبد الله بن عمر قال: “نـهى رسول
الله أن يسافر بالقـرآن إلى أرض العدو”.
ذكر الطبراني في كتابه “المعجم الكبير“: “عن أبي محرز أن عثمان بن
أبي العاص وفد إلى رسول الله مع ناس من ثقيف فدخلوا على النبي فقالوا له : حفظ
علينا متاعنا أو ركابنا. فقال: على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند
رسول الله. قال : فدخلت على رسول الله فسألته مصحفا كان عنده فـأعطانيه
واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم “. نلاحظ في الرواية أن الوفد من ثقيف
أي أن هذا الحدث إن صح فهو في أواخر الدعوة بعد غزوة الطائف.
و يبدو ان مسجد النبي كان يحتوي على نسخة من المصحف فيما
نستدل عليه من مسلم و بخاري في هذه الرواية: “عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان
يتحرى موضع مكان الـمصحف يسبح فيه, وذكر أن رسول الله كان يتحرى ذلك المكان, وكان
بين المنبر والقبلة قدر ممر شاة”.
وبما ان المصحف كان موجودا على عهد النبى فإن ترتيبه وسوره وأحزابه
كانت كذلك ..
وقد أورد ابن حجر ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أوس بن أبي أوس ،
وكان في الوفد الذين أسلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله قلنا : كيف تحزبون القرآن ؟ قالوا :
نُحزّبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ،
وحزب المفصل من ( ق ) حتى نختم ( يعني القرآن ).
قال ابن حجر : ( فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو عليه في
المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
وقد أورد السيوطي في مسألة القراءة في المصحف أفضل من القراءة من
حفظه، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة، أورد عدة روايات مرفوعة إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فيها ذكر المصحف، مما يعني أن لفظ « المصحف » المجموع فيه
القرآن، كان شائعاً ومعروفاً، وذا دلالة معينة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله.
وبعد هذه الرحلة قرآن ورواية وعقلا، هل يتصور عاقلا أن النبي الذى
وقف علي عرفة قراء عليهم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى).... وقال لهم
هل بلغت قالوا ... نعم ... قال اللهم فاشهد ...
فماذا بلغ وبماذا شهدوا حينما قال لهم تركت فيكم ما إن تمسكتم به
...
كتاب الله ..............
ثم نأتي بعدها ونقول انه مات صلى الله عليه وآله وترك القرآن ولم
يجمعه وجمعه فلان وفلان ... وحدث ما حدث ....
هل تدركون أيها المسلمون أن هذه المقولة هى تكذيب للرسول ومن يكذب
الرسول فقد كذب على الله !!
فى النهاية هذا البحث أسال الله تعالى أن يتقبل منا وان يكون ثوابه
خالصا لوجه ورحمة لوالدي فقد أحسنا إلي أيما إحسان......
0 تعليقات