علي الأصولي
الأصل الأصيل في المرجعية المعرفية للفقه هو القرآن الكريم. وهذا
محل وفاق عند العام والخاص بلا نكير ..
فالخطة الفقهية والمنهجية الاستنباطية ترسمها الآيات القرآنية
الأحكامية - آيات الأحكام - لذا نجد الأدلة القرآنية متوفر في لزوم الأخذ بالسنة (
وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وكيفية الوصول للسنة - بناءا - على
حجية إخبار الآحاد بدلالة ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا). وحل
إشكالية التعارض بالعرض القرآني - عرض النصوص الحديثية المتعارضة - على القرآن
الكريم –
وعلى نحو مختصر يقال: ان أحدى الضوابط التي وضعت لقبول الحديث أو
رده هي الموافقة والمخالفة لكتاب الله الكريم ضمن مجموعة أحاديث عرفت (بأحاديث
العرض على الكتاب).
ومن الأمور التي وقع فيها كلام بينهم هو معنى الموافقة والمخالفة
للقران حيث كانت مثارا لفهمين يترتب على كل منهما أثار تختلف عن بعضها في سعة قبول
أو رد الأحاديث اعتمادا على كل منهما ..
▪المبنى الأول : وهو ما ذهب إليه المشهور وحاصله: ان الموافقة
والمخالفة من خلال ورود نفس المعنى الذي يتناوله الحديث في القران الكريم بحيث
يكون في القران أصل له ويكون موجودا بعينه فيه وتجري عليه النسب المنطقية الأربع
فأما أن يوجد معنى يطابقه قرآنيا ويساويه فيؤخذ الحديث ويقبل .. أو يكون احد
الطرفين اعم مطلقا وأوسع دائرة من الأخر فيؤخذ بالأضيق دائرة والأخص وفقا لقوانين
الجمع العرفي والتخصيص .. او يكون بين النصين الحديثي والقرآني جهة اشتراك اي عموم
وخصوص من وجه فيؤخذ بجهة الاشتراك وتقبل .. او يكون بينهما تعارض وتنافره وهنا يرد
الحديث بوصفة معارضا للكتاب وهذا هو الفهم السائد المشهوري عندهم لمفهوم الموافقة
والمخالفة للكتاب .
▪المبنى الثاني : وهو ما ذكره الشهيد الصدر كما نقله عنه السيد
الهاشمي في بحوث علم الأصول. وأخذه السيد السيستاني من السيد الشهيد الصدر كما في
- الرافد –
ويتلخص بما حاصله:
ان المقصود من الموافقة والمخالفة هي الموافقة والمخالفة المضمونية
لروح الكتاب والاتجاه العام لآيات القران الكريم مما قد لايكون له نظير ونص فيه.
فروايات الدعاء عند رؤية الهلال مثلا ستكون مقبولة حسب الفهم
الثاني لأنها تتناسب والاتجاه العام للقران الكريم الذي يحث على الدعاء ويحبذه وتتناسب
مع طبيعة أحكامه والاتجاه العام لتشريعاته..
وروايات من قبيل آن الأكراد قوم من الجن كشف عنهم الغطاء وبالتالي أفتى
بعض الفقهاء بكراهة تزويجهم والتعامل تجاريا معهم ستكون مرفوضة بحسب الفهم الثاني لأنها
ستكون مخالفة لروح أحكام القران واتجاهه العام في مساواته الإنسانية بين الناس وان
لأفضل لأحد على غيره بالخلق في حين ستكون مثل تلك الروايات مقبولة إجمالا عند
الاتجاه الأول وتكون مخصصة أو مقيدة للعمومات القرآنية وإطلاق تكريمه للإنسان.
بالتالي: كان وما زال التفكير الفقهي قطب رحى نظره حول آيات
الأحكام الفقهية في القرآن - بصرف النظر عن عدد هذه الآيات وإن أكثر الآراء شهرة
على ان آياته الأحكامية خمسمائة آية -
فالفقيه لا يخرج عن إطار النظر لهذه الآيات في الجملة بمعزل عن
البت في مقولة تحريف القرآن او عدم تحريفه وجواز النسخ والآيات المكية منها
والمدينة ومبحث القراءات القرآنية- الذي عقدنا جملة من الدروس وتسليط الضوء عليه
بما لا مزيد - والنظر الى المسبقات التاريخية وأسباب نزول آيات الأحكام وغيرها من
المسائل التي لها مدخلية لفهم الحكم الفقهي القرآني.
وقد بانت بعض البوادر لإدخال جملة من المباحث الحديثة للقرآن
الكريم لغايات تمهيدية وفهم القرآن من قبيل - الهرمنيوطيقيا - و - فلسفة الفقه - و
- اللسانيات - ونحو ذلك.
نعم: الأسس المعرفية الفقهية والأصول العامة تكفل ببيانها القرآن
الكريم على شكل قواعد وأصول موضوعية من قبيل - أصل العدالة واصل الحرية وأصل
الإباحة وتقديم الأهم على المهم وقاعدة الحرج وغيرها من المقررات الثابتة في الأدبيات
الفقهية.
نعم: أول مصادر الشريعة هو القرآن الكريم ولا يصار إلى غيره إلا
بعد فقدان صريحه ..
من الفقهاء اعتبر القرآن الكريم مرجعا مستقلا بذاته قائما برأسه.
وذهب جماعة الاتجاه الإخباري الى القول: إن حجية القرآن مشروطة بوجود دليل حديثي
روائي. بالتالي: لا حجية لظاهر آيات القرآن الكريم - بما فيها آيات الأحكام -
خلافا للاتجاه الأصولي.
بالنتيجة: هذا المصدر اكتفى بلحاظ كبريات المسائل وعمومياتها بمعزل
عن تفصيلاتها التي تكفلت السنة ببيانها وتوضيحها بل وتأسيس تشريعات على نحو
التقنين وتوسعة الدائرة كعدد ركعات الصلاة وغيرها من المسائل التي فوض الله لنبيه (صلى
الله عليه وآله وسلم). بتشريعها وفقا للمصالح ودفعا للمفاسد .. وإن حصل كلام بين
الأعلام عن دور أئمة الدين (عليهم السلام). وهل لهم صلاحية حق التقنين والتشريع
كما هي صلاحية النبي (صلى الله عليه وآله). أم لا؟
وما اذهب إليه هو العدم. على تفصيل في محله إن شاء الله.
0 تعليقات