آخر الأخبار

محمود جابر: دين جديد يحشد لتعويمه انقسمت حوله الآراء.. الأزهر يرفضه والكنيسة لفظته

 





وكالة ستيب الإخبارية


أثيرت الكثير من التساؤلات في الآونة الأخيرة عن دين جديد تُحشد له الطاقات لمحاولة فرضه على الشعوب العربية ومنطقة الشرق الأوسط على اختلاف ديانات تلك الشعوب ومعتقداتها، لكنّ كثيرين أجمعوا على أنّ الموضوع إن صحّ فإنّه ليس وليد الساعة وإنّما تعود جذوره لزمنٍ مضى وتمّت إعادة نفخ الروح فيه وتعويمه على السطح مجدداً.


دين جديد يحشد لتعوميه انقسمت حوله الآراء

 

ورغم أنّ القضية لا ترتبط بتاريخٍ أو إعلانٍ رسمي حتّى الآن، إلا أنّ الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، قد تطرّق للحديث عن “الدين الإبراهيمي” والتحذير منه ومن تبعاته وهو موقفٌ أيّدته فيه الكنيسة التي عبّرت بدورها عن رفضه.


ولا ينكر البعض أنّ الهالة الكبيرة التي أحاطت بـ “الدين الجديد” مستمدّةٌ من حساسية ما سيترتب عليه من نتائج في حال صدقت الأقاويل التي أثيرت حوله، والذي في المقابل لاقى استساغةً للطرح من قبل البعض لكونه نابعاً من فكرة “تقاطع الأديان السماوية”، فيما تعالت أصواتٌ أخرى تتساءل عن الحائل دون دمج الأديان كما يدعو إليه “الدين الإبراهيمي”.


فما هي “الديانة الإبراهيمية”، وإذا ما كانت دعوةً ذات بعدٍ سياسيٍّ مغلّفٍ بغطاءٍ ديني، ومعرفة من يدفع باتجاه الترويج لها في الشرق الأوسط في وقتٍ تطالب فيه المؤسسات الدولية بالتعددية السياسية وترفع مطلب دمج الأديان، فهل تجوز المقارنة ما بين هذا المصطلح التعميمي ومصطلحاتٍ أخرى سبقته كـ”العولمة”، وهل من أفقٍ لتمريره واقعياً كبديلٍ لنظرية “صامويل هنتنجتون” حول “صدام الحضارات”، وكذلك نظرية “فكاياما” حول نهاية التاريخ؟.

 

وفي محاولةٍ لتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع وفكّ طلاسم مصطلح “الديانة الإبراهيمية”، حاورت وكالة “ستيب” الإخبارية، كلّاً من أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المتفرغ بجامعة الأزهر الشريف، أ.د. أحمد خالد الجارحي، والباحث في العقيدة والمذاهب والجماعات الإسلامية، أ. محمد يسري، والكاتب والباحث السياسي المصري، أ. محمود جابر.

 

كيف ترى هذا الدين والترويج له؟



تطرّق شيخ الأزهر الشريف إلى مفهوم “الدين الإبراهيمي” أو “الديانة الإبراهيمية” مشيراً إلى أنّها “تعني توحيد العامل المشترك بين الأديان الثلاث: (اليهودية، المسيحية، الإسلام) على اعتبارها منسوبةً للنبي إبراهيم –عليه الصلاة والسلام_”، والذي تتعدّ ألقابه ما بين “خليل الله” و”أبو الأنبياء”، فيما باللغة العبرية بـ”أبو الجمهور أو أبو الأمم”.


ويقول أ.د. أحمد خالد الجارحي، إنّ الهدف المعلن لهذا المشروع هو: “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عن ما يمكن أن يسبب نزاعاتٍ وقتالاً بين الشعوب”، لافتاً إلى أنّ هذا الدين ورغم أنّه لا يوجد حتّى الآن إعلان رسمي من قبل متبنيه عن ولادته، إلا أنّه “لا يزال ضمن مرحلة (الترويج) إذ لم تُعرف بعد الأسس التي يقوم عليها فلا كتاب أو منهج يسير عليه، كما أنّ مروجيه وأتباعه (اليهود) يسعون لتدمير الإسلام وجميع الطوائف وأصحاب الشرائع والملل الأخرى، لمصلحةٍ مضمرةٍ في نفوسهم”.


هل ستنجح محاولات تمرير هذا الدين وما مصيره؟

 

أمّا عن رؤيته الخاصّة حول مصير هذا الدين وفيما إذا كان سيكتب النجاح له أم لا، يقول أ.د. الجارحي إنّه: “لن ينجح لو وجد من يقف له كالسدّ المنيع، كالمؤسسات الدينية في العالم العربي، ومن يهمهم أمر الإسلام، لكنه – مع الأسف – قد ينتشر لو تخاذلوا، وقبلوا الدنية في دينهم وأمرهم”.


وحول استساغة البعض فكرة تقاطع الأديان السماوية بعدة مشتركات كالإخاء والمساواة فضلاً عن فصل نصوصٍ دينيةٍ صريحة التعامل بالحسنى، فما الحائل دون دمج الأديان كما يدعو إليه “الدين الإبراهيمي” الذي رفضه الأزهر ولفظته الكنيسة، فيجيب الشيخ الأزهري قائلاً: “هذه ادعاءات خبيثة، “ماء من تحت تبن” كما يقولون، فمتقبلو هذا الطرح أشبه بمن يدس السم في العسل، إذ لعبت (الصهيونية العالمية) دورها في تدشين هذا الدين ومحاولة نشره والترويج له بكلّ الطرق الممكنة”.


ويتابع: ” فما هي إلا دعوى سياسيّة خبيثة، تسعى إلى ذوبان الأديان في بعضها البعض، في وقتٍ لم تتبين فيه خصائصها العقائدية، وما هي باختصار شديد إلا محاولة سياسية بحتة تحت غطاءٍ دينيٍّ خبيث، لذلك رفضه الأزهر”، مضيفاً أنّ الكنيسة بالمقابل عبّرت عن رفضها له لأنّها تعي أنّها “دعوة مسيسة تحت مظهرٍ مخادع بهدف استغلال الدين؛ ولأنّ معناها العودة إلى “اليهودية”، وقد تحدث فرقةً داخل المجتمع، وهي محاولة فرض ثقافة أو ديانة معيّنة على الجميع”.

 

الإمام قائد أوركسترا والمصلون عازفون..”الأتمانية” دين جديد بسوريا صلاته تعاويذ وجنته توحد مع الكون!

 

المقدمات التي بنى عليها مروجو “الدين الإبراهيمي”

 

المقدمات التي بنى عليها مروجو “الدين الإبراهيمي” وحول المقدمات التي بنى عليها مروجو “الدين الإبراهيمي” كمخلّصٍ لمشاكل الشرق الأوسط، يقول الأستاذ الأزهري: ” قطعاً يظهر أنّ الترويج لهذا الأمر قد تمّ وانبنى على مقدماتٍ خاطئة جداً، فما استحسنه الغرب واعتقدوه وخاصّةً عقيدة “الصهيونية العالمية” يريدون أن يطبقوه في البيئات الإسلامية والعربية، تحت مسمّى “العولمة” سابقاً يعود وبمسمّىً جديد”، ويضيف: “نعوّل على أن تكون ردود الفعل مبشّرة تجاه الدين المستحدث الذي سيرفضه المسلمون، كما يجدر التركيز على دور التوعية الدينية والتعليمية، وهذا أيضاً يستدعي من جميع المذاهب، والفرق، وأصحاب التوجّهات الفكرية المختلفة داخل كلّ دولة أن يتكاتفوا ويتّحدوا في سبيل دفع هذا الخطر المحدق بهم”.

 

وشدّد أ.د. الجارحي على أنّ “الإسلام دين يدعو للسلام والمحبة والتسامح وقبول الآخر، وهو دين الإنسانية، فالمسلم لا يكون مسلماً حتى يكون إنساناً، وقد دعت النصوص الإسلامية إلى نبذ العنف بين الناس جميعها، فقال صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده..” فلا يصحّ إسلامه إلا بمجانبته الأذى، فإن فعل تجرّد من صفات الإسلام إلى غيره”.



مصطلح الديانة التوحيدية (الديانة الإبراهيمية)


بدوره، عرّف الباحث السياسي أ. محمود جابر، مصطلح الديانة التوحيدية (الديانة الإبراهيمية) على طريقته كاشفاً البعد السياسي المغلّف بغطاءٍ ديني يتستّر خلفه استخدام هذا المصطلح والترويج له قائلاً: “الإمبريالية كالحرباء كل يوم لها منتج جديد، مرة يظهر في صورة حق ضائع ووعد زائف تجسدّ بـ “وعد بلفور”، فالغرب الرأسمالي عموماً و”الصهيونية” المنتجةُ بريطانيّاً خصوصاً، لا ينفكّون عن مواصلة العمل لتقويض أيّ مشاريع قوميةٍ أو نهضويةٍ عربيةٍ، ببرامج وخطط متعددة وسيناريوهات مثل “مشروع الشام الجديد”، و” الإبراهيمية” الجديدة، و” الدبلوماسية الروحية” التي يتمّ الادّعاء بأنّها سوف تجمع أصحاب الديانات الثلاث في الشرق الأوسط”.


وعليه يضيف أ. محمود بالإشارة إلى أنّ ” كلمة (الإبراهيمية) أو ( اتفاق إبراهيم/ إبرام) أو ( الدبلوماسية الروحية) .. ماهي إلا مسميّاتٌ لدينٍ جديد يحملُ أهدافاً سياسيةً بحتة، إذ يسعى لتمكينِ الولاياتِ المتحدةِ وإسرائيل من بسط سيطرتهما وتحقيق أطماعهما في المنطقة العربية وتصفية وإنهاء القضية الفلسطينية برمتها”.


الأهداف الذي يسعى لتحقيقها هذا المشروع

 

أمّا عن أهداف هذا المشروع فيقول الباحث السياسي: “هذا المشروع الغربي الامبريالي الصهيوني يهدف إلى تغيير شكل المنطقة، وتصفية الصراع العربي الإسرائيلي من جذوره، وهو عبارة عن مخطط، بدأ في هدوء مع بداية الألفية الحالية، ويرفع شعارات براقة لا تثير الشكوك، إذ تركز على جهود ومحاولات من جانب منظمات دولية ومدنية على مكافحة الفقر وتحقيق التنمية في المناطق التي تمزقها الصراعات، وفى قلبها الصراع العربي _ الإسرائيلي، عبر استخدام الدين بدلاً من الاعتماد على الساسة ورجال الثقافة، حيث يعمل هذا المخطط على الاستعانة برجال دين ينتمون للأديان الثلاثة لدعوة خطيرة تنادي بهذا الدين الجديد المسمّى بـ”الإبراهيمية”.

 

من يدفع باتجاه الترويج للديانة الإبراهيمية في الشرق الأوسط؟

ولتسليط الضوء على الجهة التي تدفع باتجاه الترويج للديانة الإبراهيمية في الشرق الأوسط، يعود أ. محمود قليلاً إلى الوراء ويشير إلى أنّ: “قضية “غزو العراق” وما تلاه من مشروع “الشام الجديد”، ما هي إلا مقدّمات للدخول إلى المشروع “الإبراهيمي” الذي تستهدف الامبريالية منه إنهاء القضية الفلسطينية تماماً، والسيطرة على شعوب ودول المنطقة من خلال الكيان الصهيوني”.

 

ويتابع: “عندما قرّر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش وبدعمٍ من بريطانيا غزو العراق في إبريل/نيسان عام 2003 بدعوى امتلاكه أسلحة دمارٍ شامل وأنّه متعاون مع القاعدة (وهو ادعاء لم تثبت صحته)، فإنّ هذا القرار قد تلا فكرةً تمّت إثارتها قبيل الغزو متمثلةً بفكرة (صدام الحضارات) وإعادة تشكيل النظام العالمي”، والتي تبنّاها الكاتب “صامويل هنتنجتون” عبر نظرية “صراع الحضارات”، فيما بالمقابل ظهرت في كلٍّ من أوروبا وإيران فكرة حوار الحضارات، وكانت إحدى تجلياتها زيارة رئيس أساقفة كانتربيري، اللورد جورج كيري، إلى القاهرة وإجرائه حواراً ومناقشات تمهيديةً في هذا السياق”.

 

ويلفت إلى أنّه: “وفي إيران كانت هناك خطواتٌ كبيرة في هذا الجانب حيث التقى رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في ايران، الراحل محمد على تسخيري، ببطريرك روسيا ودار حوارٌ بينهما، ثم أجرى لقاءات مع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وأخرى مع الكنيسة المسيحية في النمسا، ورابعة مع الكنيسة في بريطانيا، وفي كندا، وبعض الكنائس في أمريكا، وفي استراليا، والكنيسة الكاثوليكية في روما، كما جمعه لقاءٌ بالكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، ومجموعة لقاءاتٍ مع مجلس الكنائس العالمي الذي يضم ٣٣٠ كنيسة، وبأمينه العام كنراد، وسواها من اللقاءات المتعددة التي كانت جميعها تتمحور بحسب وصف (تسخيري) حول التوحيد الإبراهيمي!”.

مزاعم إسرائيلية بطلب قادة عراقيين اللحاق بركب “السلام” ورجل أعمال أردني يقع بفخ نصّاب إسرائيلي (فيديو)

 

علاقة غزو العراق بالنبي إبراهيم

 

ويضيف الباحث السياسي، أ. محمود “ولأنّ الحوار واللقاء يجب أن يكونا على الأرضية الإبراهيمية فمن هنا شكّل فتح العراق أو غزوه بصورةٍ أدق منفذاً لهذا المخطط للوصول إلى البيت الإبراهيمي الذي يمكن أنْ يؤسس انطلاقاً من مكان ولادة النبي إبراهيم والمتعارف عليه خاصّةً وفق التوصيف التوراتي السائد أنّه قد ولد في العراق”.

 

ويشير: ” وفي خطٍّ موازٍ عملت منظمة “IEA” الإسرائيلية، على الترويج للإبراهيمية بوصفها تمثّل مدخلاً لحلّ كلّ الصراعات، حيث عملت كما منظماتٍ أخرى وفق آليةٍ مبنيةٍ على تقديم المساعدات للمحتاجين من طرفي الصراع والتواصل معهم حول دمج الأديان، إذ تتلقى تلك المنظمات دعماً وتمويلاً من الحكومة الأمريكية، وهو ما تجلّى بشكلٍ كبير في فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي دعا في عدّة مناسبات للديانة الإبراهيمية والتوحيد بين الأديان، وظهر ذلك جليّاً في خطابه الذي ألقاه بجامعة القاهرة، والذي قال فيه إنه مسيحي ووالده مسلم، وجدته كانت تأخذه للكنيسة، وأنّه لا فرق بين جميع الأديان”.

 

ويتابع: “وبعض المحللين رأوا حينها أنّ الرئيس أوباما قد دعا إلى الديانة الرابعة بشكلٍ غير مباشر، عندما دعا للتعايش بين كل الأديان من أجل نشر السلام، أمّا دعوته المباشرة فكانت من إسرائيل عندما زارها في شهر آذار/ مارس عام 2013، عندما تحدث عن التجربة الصهيونية ونجاحها في تكوين دولة جمعت اليهود من كل أنحاء العالم دون النظر لطوائفهم، حيث قال: “إنها التجربة الإنسانية العالمية، بكل معاناتها، ولكن أيضاً كل خلاصها، جزء من الديانات الثلاثة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام التي ترجع إلى إبراهيم”، وأضاف: “إنها طريقة للعثور على الحرية بأرضك.. وبالنسبة للشعب اليهودي، فهي أساسية لهم”.


ووفقاً لما أفاد به المعهد الأمريكي للدراسات السياسية العامّة الذي اعتبر أنّ أوباما وجد من الدعوة لدينٍ ودولة جديدين فرصةً لحلّ الصراع، ودعوة الدول المحيطة لعمل شراكاتٍ مع إسرائيل والتهديد بوقف المساعدات العسكرية وتمويل المستوطنات، ولاحقاً اعتمد خلفه، دونالد ترامب، على جماعات الدعوة للتعايش والتحرر من الأديان في المجتمع اليهودي والأمريكي، ومنها مركز (شالوم)، ومنتدى السياسة الإسرائيلية، ومؤسستا (ميرتز يو إي إيه وتيكون)، وكذلك المركز الكاثوليكي والأمم المتحدة، كما كان للجمعيات الأمريكية الأفريقية دورٌ كبير في دعم دعوته للتخلي عن كلمة (صهيونية)، وإحلال مصطلح (الشعب الإسرائيلي) بدلاً منها و(التنمية الاقتصادية) بدلاً عن (الصراع)، و(التوحيد الإبراهيمي) بدلاً عن (التطبيع السياسي).


وينوّه، أ. محمود في ختام حديثه إلى عدة نقاطٍ قد توضح السبب في استبدال تلك المصطلحات بغيرها، فيقول: “ولأنّ التطبيع السياسي أصبح مصطلحاً سيء السمعة والصيت، ولأنّ صراع الحضارات يتطلب تحشيد كل حضارة في مواجهة الأخرى، فإن الاختراق هذه المرة تم تخطيطه لاستهداف القوى الناعمة لدى شعوبنا ومن خلال الدين للوصول لما هو مخطط له من السيطرة على هذه المنطقة، فباختصار هذه هي (الابراهيمية) ومن يقف وراءها وأهدافها والمنظمات العاملة فيها ..”.


جذورها تمتد لما قبل عصر التنوير الأوروبي

 

من جانبه، يقول الباحث في العقيدة والمذاهب والجماعات الإسلامية، أ. محمد يسري، إنّ: “الدعوة للديانة الإبراهيمية، مجرد مرحلة تمهّد لفلسفة أخرى، قوامها وحدة الأديان، وهي دعوة ليست حديثة أو وليدة اليوم، كما يتوهّم الكثيرون، وجذورها لا تمتد لعصر التنوير الأوروبي فقط، ولكن أيضاً لها روافد تاريخية عند الطوائف الباطنيّة في العالم الإسلامي من أصحاب وحدة الأديان ووحدة الوجود، كإخوان الصفا وغيرهم من أصحاب المنهج العرفاني”.

 

ويضيف الباحث في العقيدة والمذاهب والجماعات الإسلامية: “يسعى أصحاب هذا الاتجاه إلى توحيد كل الأديان والمذاهب في دينٍ واحد، تحت مسمى “دين الإنسانية” ليضم أتباع الأديان السماوية والوثنية، في كيانٍ واحد حتى تلك المذاهب الفلسفية الوضعية، وما نسمعه الآن من الترويج لفكرة الديانة الإبراهيمية ما هو إلا مرحلة أولى لهذه الديانة، ثم سيليها ضم الديانات والمذاهب الأخرى”.

 

ويلفت أ. محمد يسري خلال حديثه إلى أنّ: “الفكرة هنا، قد يكون لها وجاهتها في المجتمعات الغربية أو اللا دينية، أو المتشككة، ولهم في ذلك مبررات عديدة، أهمها الأساس الديني المشوه الموروث منذ عصورٍ خلت، والذي حوّل الكنيسة الغربية في عصور ما قبل النهضة إلى متحكم ليس فقط في كل شؤون الحياة، ولكن أيضاً في توزيع صكوك النجاة في الآخرة، فجاءت النهضة الأوروبية ليفيق الأوروبيون على مشكلةٍ كبيرة وهي المجتمع متعدد الديانات والمذاهب، فكان ضروريّاً بالنسبة لهم البحث عن بديل يحقق التعايش الآمن بين كل هذه المذاهب”.


العقول المدبرة التي أطلقت هذه الفكرة

 

أمّا حول العقول المدبرة آنذاك التي أطلقت هذه الفكرة وأشاعتها في أوروبا، يقول أ. محمد يسري ” انطلقت هذه الفكرة في القارّة الأوروبية على يد العديد من الفلاسفة بينهم أوجست كونت، وتبناها في العصر الحاضر واحد من مفكري الغرب الذين تبلورت أسسها على يديه وهو المفكر البريطاني جون هيك تحت عنوان التعددية الدينية”، مضيفاً: “غير أنّ هذا الحل، لم يحقق الهدف المنشود منه، ولم يقدم حلّاً للمشكلات والخلافات القائمة بين المذاهب، بل كان مشكلةً إضافية لهذه الاختلافات، وبات مذهباً جديداً له أدبياته المختلفة مع الأدبيات القائمة بالفعل ما أضاف خلافاً جديداً إلى الخلافات القائمة”.

 

ويشدد الباحث على أنّه في العقود الأخيرة “ظهرت مشكلةٌ أخرى وهي تنامي جماعات العنف القائمة على المذهبية والتعصّب الديني في العالم، فاستغلت بعض القوى هذه المشكلة لتمرير أفكارٍ جديدة تفرق ولا تجمع، وتصب كلها في صالح (الصهيونية العالمية) التي تهدد الأديان، خاصةً الإسلام والمسيحية تحت ستار التسامح الديني الذي انكشفت مؤخراً مخططاته التي ترمي إلى تمييع العقائد، ليظهر الدين الجديد، انطلاقاً من القضاء على الديانات السماوية”.

 

ويؤكد الباحث في العقيدة والمذاهب والجماعات الإسلامية على أنّ “الدعوة لهذه البذرة الخبيثة، قد نشطت في ظل آليات العولمة التي اعتبرت أنّ العالم كله قرية صغيرة ينبغي أن يحكمها اتجاه واحد يسيطر على العالم، بحيث تتماهى فيه كل الديانات تحت سيطرة كيانٍ واحد”.

 

ويختم، أ. محمد يسري، حديثه بالإشارة إلى اعتقاداته الشخصية التي ترجّح أنّ “الموضوع بشكله الحالي لا يقدم بديلاً لنظرية “صامويل هنتنجتون” حول “صدام الحضارات”؛ فمن وجهة نظري أنه يؤيدها، بل هو عين النظرية نفسها ولكن بصورةٍ معكوسة، إذ يتوقع هنتجتون وسلفه فوكوياما، أن يحدث صدامٌ كبير بين الحضارات قد تكون فيه نهاية التاريخ، إلا أنّ الصورة المعكوسة لهذه النظرية، قفزت على هذه الفكرة ووضعت العربة أمام الحصان، لتؤسس لمرحلةٍ جديدة يصل فيها المنتصر لمبتغاه دون الدخول في أيّ صراعاتٍ تحت مزاعم التسامح بين الديانات والحضارات، واحترام الآخر”.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات