محمود جابر
يفرح بعض المتابعين السذج من الخلافات التى تحدث بين بضع نفر من
جماعة الإخوان المسلمين، وسر هذا الفرح أن هذا الصراع – من وجهة نظرهم- دليل على
تشقق الجماعة، وانهيار بنيتها التنظيمية، لكن مالا يدركه هؤلاء إن جماعة الإخوان
جماعة وظيفية، تم صناعتها لأداء دور معين، وما يزال مطلوب منها الكثير، ورغم الفشل
الجزئي الذى أصاب الجماعة فى أعقاب الإطاحة بنظام حكمهم الذى تأسس فى مصر بعد ثورة
يناير، وهذه الإطاحة أدت لعدد من الصدمات تلقتها الجماعة فى عدد من البلدان
العربية الأخرى، ولكن ما تزال الجماعة لها دور، وقد نجحت فى جزء منه خلال فترة
الربيع العربى، فقد أخرجت ليبيا من إطار الدولة المستقلة وجعلتها تحت الإشراف الدولي
والاوروبى، أخرجت سوريا من استقلالها وجعلت العديد من مدنها وحدودها خارج سيطرة
الدولة الوطنية والجيش الوطنى، وهو ما حدث فى اليمن والسودان، والعراق، ولبنان،
وحتى ما تزال مصر تعانى من أثار سيئة نتيجة نشاط الإخوان وتمكنهم من السلطة حتى لو
كانت الفترة الزمنية هى عام واحد ولكن ما نزال نعانى آثاره.
وأما السر وراء وصف الفرحين بانشقاق الجماعة بالسذج، فقد أوضحت انه
بما ان الجماعة لها دور وظيفى فإن بقائها أو انشقاقها وتلاشيها وتحللها مرتبط
بانتهاء الدور الوظيفى هذا، وهذا لم ولن يحدث ولن تتخلى الأجهزة الأوروبية والناتو
عن الجماعة كجماعة وظيفية إن لم تستطع ان تحكم البلدان التى تعمل فيها، فهى على الأقل
لديها القدرة على إصابة الدولة بعطب وشلل وتفكك وحرب أهلية داخلية، وزرع الشقاق
بين مكونات الدولة وبين السلطة و الشعب والعكس، فضلا عن حرفيتها فى صناعة الفتن
الداخلية الدينية والاجتماعية .
لهذا فلم ولن يتوقف الاتحاد الاوروبى ولا المجلس الاوروبى، ولا
الناتو عن دعم الجماعة، بأشكال عديدة، ومن اهمها توفير الملاذ الآمن لأفراد
الجماعة وتوفير المال اللازمة لهذه الأنشطة، حتى لو لم يكن هذا المال موجه بشكل
مباشر إلى الجماعة ولكن يصل الجماعة عبر قنوات وطرق غير مباشرة، ومنها الجمعيات الإسلامية
والنسائية والحقوقية التى تعمل فى أوروبا .
وتمتلك جماعة الإخوان المسلمين شبكة اخطبوطية من الجمعيات والمراكز
النسائية والحقوقية فى كل بلدان أوروبا دون استثناء، وقد رصدت مجلة Global Watch Analysis حجم المنح التى حصلت عليها الجماعة عن طريق تلك الجمعيات فى 2007
بحوالى 64 مليون يورو.
هذا الرقم ليس رقما شاملا لما تلقته الجماعة من دعم، من خلال
التحقق من الأرقام المختلفة التي ذكرتها وسائل الإعلام أو أعضاء البرلمان الأوروبي
مع بيانات من نظام الشفافية المالية التابع للمفوضية الأوروبية (ECFTS). هذا
هو الحد الأدنى من التقديرات التي لا تغطي في الواقع سوى غيض من فيض. هذه الممارسة
محفوفة بالمخاطر للغاية: الشفافية ليست هي القاعدة داخل السلطات الأوروبية ، بل هي
أقل من ذلك بين الجمعيات المستفيدة.
تشترك جميع هذه الجمعيات في انتماء مثبت (حتى لو رفضوا الاعتراف به
علنًا - إلى اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) ، أعلى
الهياكل التنظيمية التى تشرف عليه الإخوان المسلمين على نطاق أوروبا، وهذا الاتحاد
يعتبر المحبس المالى للتدفقات المالية للجماعة .
ووفقًا لتحليل Global Watch ، يذهب نصيب الأسد من
الإعانات الأوروبية للمنظمات الإسلامية إلى الإغاثة الإسلامية، وهي مؤسسة خيرية مقرها
لندن ولها حضور في 60 دولة. لقد تلقت وحدها 40،026،424 يورو من المفوضية الأوروبية
منذ عام 2009.
والأسوأ من ذلك ، الفضائح
المرتبطة بالانتهاكات الانسانية التى تقوم بها هذه المنظمة فضلا عن عمليات الإرهاب،
والتي قانت بها منظمة الإغاثة الإسلامية في أغسطس 2020 ، مما تسبب في استقالة
رئيسها ومن ثم مجلس إدارتها بالكامل ، لم يمنع المفوضية الأوروبية من تجديده كـ
"شريك إنساني" حتى عام 2027!
بالإضافة إلى ذلك ، تلقت 600000 يورو من الإعانات الأوروبية.
أما الإعانات الممنوحة لـ FEMYSO فهي تصل
إلى 720.000 يورو. ووفقًا للمعلومات التي كشفت عنها فرانك تايرور ، وهناك جمعية
اخرى تعرف بـ CCIF - التي
أمرت وزارة الداخلية الفرنسية بحلها في أكتوبر 2020 بسبب دورها في التحريض على
مقتل صموئيل باتي - كان من الممكن أن تحصل على 810 آلاف يورو من الإعانات
الأوروبية بين عام 2012. و 2017!
الهجمات الإرهابية التي استهدفت أوروبا منذ عام 2015 وما تلاها من عمليات
وحوادث، لا سيما منذ نشر تحقيق الكتاب الذي أجراه كريستيان شينو وجورج مالبرونو
(أوراق قطر ، أبريل 2019) حول الطبيعة الحقيقية للإخوان المسلمين وأهدافها المزعجة
في أوروبا. ، كان ينبغي أن تدفع السلطات الأوروبية لوضع حد لدعمها للجماعة ..
ومع ذلك ، حدث العكس: في أعقاب هجمات باريس وبروكسل في نوفمبر 2015
، بدلاً من اتخاذ موقف حازم ضد خطر الإخوان وشبكتهم الاخطبوطية ، سارعت المفوضية
الأوروبية مزيد من الدعم!!
ثم اغتنم الإخوان المسلمون
شبكات التأثير و "الحمقى المفيدون" من اليساريين وغيرهم لجعل الناس
يعتقدون أن "التطرف والارهاب هو نتيجة الكراهية ضد المسلمين". من أجل
محاربة الإرهاب، لم يكن على السلطات الأوروبية سوى مضاعفة جهودها لتقديم الدعم
المالي للجمعيات التي تكافح الإسلاموفوبيا على حد زعمهم!!
وختاما ما أحب أن أقوله للذين يفرحون بهذه الانشقاقات بين فلان
وفلان، إن انتشار مثل هذه الانشقاقات ما هو الا مخدر موضعى الهدف منه هو تراخى أجهزة
الآن فى متابعة أنشطة الجماعة حتى تتمكن من إعادة صفوفهم وتنظيم أنفسهم للعودة مرة
أخرى بشكل اقوي وامضي لتحقيق أهداف من يدعمهم ومن كان سببا فى وجودهم، وما يزال
مصير الجماعة ملك يده ما دام هناك مهمة ودور للجماعة تؤديه.
0 تعليقات