آخر الأخبار

تاريخ العصر المملوكي فى مصر

 

 




رسالة النيل

 

 

يمكن وصف هذا العصر بأنه عصر المتناقضات المجتمع فى كل شىء وكل وعكسه......... وهذا ملخص عصر المماليك !!

 

حكم المماليك مصر لمدة تزيد عن قرنين ونصف من الزمان كدولة رسمية قوية مستقلة قبل أن يحكموها كولاة أو بكوات وموظفين يتبعون حكم العثمانيين ما يزيد عن ثلاثة قرون أخرى ؛ آخرها في عصر محمد علي وأبنائه ..

 

و قد حققوا في تلك الفترة الأولى إنجازات عسكرية مهمة مقابل الكثير من الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وخلفوا من ورائهم كثير من الآثار شاهدة على تقدم فنون البناء والعمارة والزخرفة في عصرهم، وعلى كم البذخ المادى والفساد الذي أطاح بدولتهم في نهاية الأمر.

 

و تحسب لهم العديد من الإنجازات المشرقة في تاريخ أمة الإسلام منها : وقوفهم سدًا منيعًا لصد قوتين من قوى الشر التي حاولت هدم صرح الإسلام، وهما التتار والصليبيين، وكان للمماليك جهاد مستمر ضد هاتين القوتين، وعلى مراحل مختلفة، وظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام في الأرض قرابة ثلاثة قرون.

 

(1)

 

يمكن أن يسمي عصر المماليك بحق : "العصر المظلم" لأنه أغمض عصر في تاريخ مصر ، ولأنه من جهة أخرى كان مظلما بالحجب التي حالت بين المؤرخين والوصول إلى حقيقته ، ولكنه بالرغم مما يوصف به كان عصرا قائما بنفسه له مظاهر وتعاليم وفلسفة ونظم اجتماعية وأخلاقية خاصة به .

 

ولهذا العصر تأثير شديد في مجرى الحوادث في تاريخ مصر في العصور التي تلته لأن النير (العبء) الذي ألقاه المماليك على رقاب المصريين كان أثقل من أن تتخلص منه مصر في ثلاثة قرون ؛ إذ امتد حضور المماليك بقوة بعد سقوط دولتهم على يد العثمانيين إلى حملة نابليون و عصر محمد علي ؛ بل و لا يزال كثير من العادات الباقية من عصر المماليك فاشية في ارياف مصر وخصوصا في الصعيد، حتى الآن .

 

ولذا يمكننا أن نقول أن مدنية عصر المماليك كثيرة المتناقضات ، ولذلك وصفت بالظلام ، أو عصر الفوضى أو العصور المظلمة ؛ ووصفها آخرون بأنها عصر النظم المحلية وحكم الاقطاع ؛ أو عصر الفروسية والشجاعة وغير ذلك من.المظاهر المختلفة التي جعلت تاريخ هذا العصر أمتع جزء في تاريخ مصر ..

 

وفي هذا العصر عاشت مصر نفس الحياة التي عاشتها أوربا في القرون الوسطى في عصر الفرسان والاقطاع .

 

(2)

 

لقد آل تراث الأيوبيين بعد انقراض ملكهم إلى المماليك البحرية سنة 1250م . ولم يحدث في التاريخ مثل ما حدث في مصر ! إذ المعتاد أن العبيد والأرقاء في ثوراتهم إذا تغلبوا فإنهم يسودون مواليهم سيادة مؤقتة ؛ لا تلبث أن تنقشع سحبها و تذهب ريحهم و يعود الوضع لما كان عليه قبلها.

 

لكن ماحدث في مصر أن طائفة من الأرقاء المشترين بالأموال من أسواق آسيا كثر عددهم وعلا شأنهم و استجلبوا أرقاء مثلهم ثم حكموا قطرا غنيا كمصر ، ووضعوا أيديهم على بلاد أخرى خارج هذا القطر ، وصار مملوك اليوم منهم حاكم الغد !!!

 

وقد كان نهوض هذه الطائفة هو إتباع للسنة التي جرى عليها العباسيون وهي بيع الألوف من العبيد من قبائل التركمان والمغول واستخدامهم حرسا لهم ومصدرا لجيشهم ليناهضوا بهم الجنود العربية فاستفحل أمرهم وقتئذ وأصبحوا سداة الجيش ولحمته فكانوا يأتون عبيدا فلا يلبثون أن يصبحوا

 

ذوي الأمر والنهي في بيت الملك ، يشعلون نيران الفتن والقلاقل حتى عجلوا أجل الخلافة ...

 

وسلك نفس سبيل العباسيين : خلفاء الفاطميين فأصابهم مثل ما أصاب من سبقهم من الخلفاء العباسيين !!

 

و نحت دولة الأيوبيين بعدهم هذا النحو إذ كانوا غرباء في البلاد فاحتاجوا إلى الاعتزاز بأمثال هؤلاء لكن في هذه المرة توصل المماليك لحكم مصر قرونا طويلة ؛ ثم لم يتركوه إلى عصر محمد على .

 

إن القبائل المقهورة في أواسط آسيا كانت لا ترى غضاضة في بيع أفلاذ أكبادها للنخاسين الذين كانوا يعدونهم بالحظ المبهر في المستقبل وبالسعادة التي ستغمرهم في الغرب ؛ وقد سهل عمل النخاسين ما كان يذاع عن ثروة مصر الكبيرة التي يمكن الحصول عليها بأقل جهد .

لذلك لم يقتصر الأمر على سبايا الحروب وأسراها بل كان يتدفق على البلاد الغربية سيل من أبناء القبائل الشرقية لتهافت السلاطين والأمراء على شرائهم أحيانا بأثمان باهظة.

 

ولما كانت هذه الفئة تنشأ نشأة حربية كان أسعدهم حظا وأعظمهم مقدرة من تفك رقبته بأمر السلطان فيصبح أميرا على عشرة أو خمسين أو مائة . وقد يثب أحدهم وثبة واحدة تجعله أميرا على ألف ؛ وأخذ عددهم يتضاعف بشراء مماليك جدد كانوا ينالون ما نال أمراؤهم من الحرية والثراء .

 

وقد كان السلاطين بطبيعة الحال أكثر الناس انكبابا على شراء المماليك ؛ ولذلك استخدموا موارد الحكومة في إحاطة أنفسهم بجمع عظیم من هؤلاء المماليك ؛ وقد علمنا أن أحد السلاطين اشترى منهم نحو ستة آلاف ..

 

وبينما كان السواد الأعظم من الأمة يعيش عيشة الفقر غارقا في حمأة الجهالة كان المماليك المقربون لدى الأمراء ولا سيما حاشية الملك يتعلمون علوم السلم والحرب ، وكان الواحد منهم ينهض من درجة حاجب ويتابع تدريجيا حتى يصل إلى مرتبة سيده ، فمملوك اليوم هو قائد الغد ؛ بل ليس بعزيز عليه أن يصبح سلطانا..

 

وقد قص المقريزي في كتابه عن تاريخ مصر رواية عن المماليك؛ وإن كانت من القصص التي لا يعتمد عليها ، إلا أنها تعطينا فكرة صادقة عن الآمال والأماني التي كانت تدور في نفس المملوك وهو قادم في طريقه إلى مصر ...

 

" روى الإسحاقي عن عبد الملك الأشرف قايتباي المحمودي ، أنه لما جلبه (الخواجا) ! محمود إلى مصر وكان معه رفيقه أحد المماليك الذي جلب معه مع الجمال الذي يحملهما إلى مصر ؛ - وفي طريقهم تحدثوا بليلة مقمرة - فقالا لعل هذه الليلة هي ليلة القدر التي يستجاب فيها الدعاء ، فليدع كل منا بما يحبه ...

 

فأما قايتباي فقال أطلب من الله تعالی سلطنة مصر !!

 

وقال الثاني وأنا أطلب من الله أن أكون أميرا كبيرا !!

 

أما الجمال فقال أما أنا فأطلب حسن الخاتمة ...

 

فصار قايتباي سلطانا وصاحبه أميرا ، فكانا إذا اجتمعا يقولان فاز الجمال من بيننا ... "

 

فانظر كيف كانت تطمع نفس المملوك إلى السلطنة وهو لا يزال في الطريق إلى مصر .

 

ورغم أن العباسيين هم أول من استجلبوا المماليك و صاروا يمكنون لهم ؛ إلا أن مماليك العباسيين ذابوا و انصهروا في سكان بغداد و مدن الخلافة و بعد حين لم يعد لهم جنس واضح ... أما الحالة في مصر فكانت على نقيض ذلك تماما ، وهذا هو موضع العجب ،.فمماليك مصر لم يختلطوا بأهلها بل ظلوا بمعزل عنهم محتفظين بجنسيتهم وعاداتهم ...

 

فكانت حكومتهم على رأسها الأمير أو السلطان في حين أن باقي المماليك كان لهم سلطان نافذ لا ينازعهم فيه أحد ..

 

وإذا علمنا كل ذلك وعلمنا مبلغ السلطة الهائلة التي لا حد لها ؛ التي تمتع بها المماليك في مصر عرفنا السبب الذي من أجله أقدم كثيرون من الناس على بيع أولادهم وبناتهم ليكونوا في حاشية سلطان مصر !..

 

لا بل لعلمنا السبب الذي كان يدعو كثيرين من الجراکسة والتركمان أن يفدوا إلى مصر أرض الآمال بالنسبة لهم .

 

(3)

 

تعرف دولة المماليك بأنها الفترة الزمنية من عام 1250 إلى عام 1517 والتي كانت فيها مصر تحت حكم المماليك.

 

خلال عصر الدولة المملوكية، الذي استمر من عام (1250م-1517م)، حكمها نحو 55 سلطانًا انتهى حكم أكثر من 35 منهم بانقلابات مسلحة ، وانتهت حياة أكثر من 20 منهم بين القتل اغتيالًا أو إعدامًا أو بميتة شابتها شبهة اغتيال.

 

(4)

 

و يمكن تقسيم هذه الفترة الزمنية الممتدة على مدى 270 عام تقريبا إلى فترتين شهدت كل واحدة منها قيام دولة للمماليك :

 

الفترة الأولى والتي امتدت من عام (1250-1382 م) و حكمها المماليك البحرية وهم من مماليك الشرق .

 

أما الفترة الثانية فيميزها عن الأولى انتقال الحكم من مماليك الشرق التركمان إلى المماليك الجراكسة أو البرجية (1387 - 1517م)

 

بينما يرى آخرون تقسيمها الى أربع فترات :

 

١- المماليك البحرية 1250 - 1387م

 

٢- المماليك البرجية 1381- 1517م

 

٣- المماليك البكوات 1517 - 1811 م

 

٤. مماليك الأسرة العلوية ( أسرة محمد علي )

 

ويعلل د. "أنور زقلمة" ذلك فيقول :

ونرى في كتاب فتح مصر الحديث أن حافظ بك عوض قد قسم المماليك إلى طبقتين كبيرتين :

 

الطبقة الأولى من 1250 إلى الفتح العثماني 1517 .

 

الطبقة الثانية من 1517إلى مذبحة القلعة الشهيرة أو إلى استقلال محمد علي بمصر..

 

وذلك لأنه لا عبرة لقولهم أن القسم الأول من المماليك البحرية كان من جنس غير جنس المماليك الشراكسة لأن المماليك في أول أمرهم وفي أواخر الدولة العباسية إلى مذبحة القلعة ، ثم في أيام محمد علي وإسماعيل وتوفيق لم يكونوا من جنس خاص ، ولا من أمة معلومة ، ...

 

بل كانوا دائما خليطا ممن يباع ويشترى من الفتيان الحسان الأقوياء ، سواء أكانوا من شواطيء بحر قزوين وأواسط آسيا أو من تتار و مغول وشركس ، أم كانوا من بحر إيجة من الأروام وجزر البحر الأبيض المتوسط ..

 

وهذا هو السلطان (الظاهر حوش) قدم من مماليك الطبقة الأولى ، يلقب بالرومي لأنه يوناني الأصل ، ويلقب بالناصري مع إسلامه ، وكان له ولع عظيم بالعلوم والآداب اليونانية القديمة . وربما كان فيهم من أجناس مختلفة من الشعوب القائمة حول الأدرياتيك أو من جزائر إيطاليا والبحر الأبيض

 

على الإجمال .

 

ولأنه يرى أيضا أن الفتح العثماني لم يقض على سلطة المماليك بل زادها عنوة وتجبرا وعلى ذلك يمكننا أن نقول أن المماليك حكموا مصر . من عام 1250 م إلى حوالي 1811م

 

باستثناء مدة الحملة الفرنسية وأول ظهور سلطة محمد علي ، فأما أنا نأميل إلى تقسيمهم إلى أربعة أقسام ..

ثم ذكر التقسيم الذي وضحناه و عدد أسبابه .

 

(5)

 

 دولة المماليك البحرية (1250-1382)

 

يرجع تاريخ دولة المماليك البحرية إلى مؤسسها السلطان نجم الدين أيوب الذي أتى بالمماليك وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة عام 638 هـ، ..

 

وتنقسم دولة المماليك البحرية إلى أسرتين وهما :

أسرة الظاهر بيبرس البندقداري الذي حكم مصر مدة 17عاما ويعتبر هو المؤسس الحقيقي لدولتهم، حيث قام بالعديد من التعديلات الإدارية ومنها إعادة إحياء الخلافة العباسية ونقل مقرها إلى القاهرة عام 658هـ،

 

وأسرة المنصور قلاوون حيث يعتبر حكم الناصر محمد بن قلاوون الذي قارب على نصف قرن من الحكم أزهى عصور المماليك البحرية وقد تعاقب على حكم مصر بعد الناصر محمد العديد من الحكام وكانوا غالبيتهم صغار السن فيتحكم بهم قادة الجيش (الأتابكة) وظل الحال كذلك إلى أن ظهر الأمير برقوق مؤسس دولة المماليك الجراكسة ( البرجية).

 

(6)

 

 دولة المماليك البرجية (1382-1517)

( أو دولة المماليك الثانية )

 

تأسست دولة المماليك البرجية (أو الجركسية ) على يد سيف الدين برقوق. وتعود جذورهم إلى عهد المنصور قلاوون، الذي استعان بهم كثيرا في جيشه. وكانت هذه الفرقة مواليه له عندما أصبح جنرال عسكري، أصبح أحد هؤلاء المماليك الشركسيين (وهو برقوق) أحد أهم وأقوى رجال الدولة. ويمثل وصوله إلى الحكم بداية السلالة المملوكية البرجية .

 

وقد شهدت مصر تقدماً معمارياً وفنياً خلال هذا العصر على الرغم من أنها كانت فترة غير مستقرة. حكمت دولة المماليك البرجية مصر لمدة 135 سنة تقريباً من خلال 23 من السلاطين بالتناوب. وانتهت مملكتهم بهزيمة السلطان طومان باي أمام السلطان العثماني سليم ياووز الأول .

 

(7)

 

 

كيفية تربية المماليك و أسلوب تعليمهم

 

كان أمراء الدولة الأيوبية بوجه خاص يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في تدعيم قوتهم، ويستخدمونهم في حروبهم، لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حد ما، ..

 

وفي عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي يعد أفضل سلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين و يعتبر أيضا آخر ملوكهم في مصر ، و في عهده حدثت فتنة خروج الخُوارِزمية المرتزقة من جيشه، فاضطر إلى الإكثار من المماليك، حتى يُقوي جيشه ويعتمد عليهم، وبذلك تزايدت أعداد المماليك جدًّا، وخاصة في مصر .

 

كان الصالح أيوب -ومن تبعه من الأمراء- لا يتعاملون مع المماليك كرقيق.. بل على العكس من ذلك تمامًا.. فقد كانوا يقربونهم منهم جدًّا لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم..

 

ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد قط، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته..

 

وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة.. حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب «الأستاذ» وليس لقب «السيد».

 

ويشرح لنا المقريزي : كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشترى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول:

 

«إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية .. ويُهتم جدًّا بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم عوقب» .

 

 

(8)

 

لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشأون عادة وهم يعظمون أمر الدين الإسلامي جدًّا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جدًّا عن الفقه الإسلامي، وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جدًّا عند المماليك طيلة حياتهم، ..

 

و لعل هذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي..

ولذلك ظهر في زمان دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعًا، وظهرت -أيضًا- غيرهم أعداد كثيرة من العلماء يصعب جدًّا حصرهم.

 

ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جدًّا في المهارة القتالية، والقوَّة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب.

 

ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تمامًا في المجال العسكري والإداري .

 

 

وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة.. وهذا كله -بلا شكٍّ- كان يثبت أقدام المماليك تمامًا في أرض القتال.

 

وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوَّة والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء.

 

وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه الخطوات بدقة، بل أحيانًا كان السلطان الصالح أيوب يطمئن بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيرًا ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حبًا كبيرًا حقيقيًا، ويدينون له بالولاء التام .

وهكذا دائمًا.. إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم -ولاشك- يحبونه ويعظمونه، ولا شك -أيضًا- أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعًا، وإذا كلفهم أمرًا تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه..

 

أما إذا كان القائد في حالة انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيدًا عن رعيته.. يتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون ناحيته بأي انتماء.. بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها.. ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضربًا من المستحيل.

 

وكان المملوك إذا أظهر نبوغًا عسكريًا ودينيًا فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائدًا لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أُعطي بعض الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحًا وفيرة، وقد يُعطى إقطاعات كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة، وأمراء الفرق في الجيش وهكذا.

 

وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم.. فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا.

 

وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب، حتى بنى لنفسه قصرًا على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تمامًا.. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية «بالمماليك البحرية» (لأنهم يسكنون بجوار البحر وكان يسمون النيل في مصر بحر النيل ).

 

وهكذا وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك البارزين اسمه «فارس الدين أقطاي»، وكان الذي يليه في الدرجة هو «ركن الدين بيبرس»، فهما بذلك من المماليك البحرية.


نقلا عن : التاريخ

 

إرسال تعليق

0 تعليقات